هرمٌ أبيض يسر الناظرين

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام


نهى البلك

في بلادنا

تتعامد الشمسُ

على معابد الفراعنة

وعلى ظهورِ الفلاحين

العارية

ينتظر الناسُ مواسمَ الفيضان

ومواسم الحصاد

 

ينتظرون التجليات

وليالي القدْر

وموالدَ الأولياء

يرتمون على شجرة مريم

وفي البحر

يوم “أربعة أيوب”

وينحرون الذبائحَ

عند الأضرحة

ويشعلون الشموع

لتنصهر

فوق جلودهم

التي أثخنتها الشمسُ

والمشاوير

وساعاتُ الانتظار..

* * *

يزيِّنون المطاراتِ

للزائرين

وينثرون فقرَهم

على بواباتِ الدخول..

وعلى الأرصفة غبارٌ

وبضائع مكوَّمة

وبشرٌ منسيون

وعلى بوابات الخروج

شباب أبيض الشَّعْر

يحملون حقائبَ خاوية

بيدٍ

وباليدِ الأخرى يلوّحون

في الفراغ

وصالاتُ الوداع تلمع أرضيتُها

ويرتد فيها الصدى..

* * *

يقف التلاميذ في صفوفٍ إجبارية

يُحيّونَ العَلَمَ وهم يتثاءبون

والعَلَم.. على الحدود

مخضبٌ بدماءِ جندي

لم يقرأ.. ولم يكتب

في بلادنا

يتاجر الأثرياءُ في الحديد

ويحترف الفقراءُ صنعَ القضبان

والمسامير

والأسلاك الشائكة

وبناءَ الأسوار

* * *

يوزعون الحياة

في حصصٍ شهرية

على بطاقات

فيها اللقمة، والنار

والماء والهواء

وقليل من السكَّر 

والناس يتعاركون في الصفوف

حتى ينالوا أنصبتَهم

ثم يتجمعون آخر النهار

ليحرقوا المرارات

ويكوِّمون السكر

على طاولتهم الصغيرة

في هرمٍ أبيض، يسرُّ الناظرين

يقتسمون حلاوته

ويتضاحكون

* * *

بلادنا لا تعرف الظُلمة

ففي الأمسيات

بعدما تنتهي الصلواتُ

ومديحُ الصالحين

يجلس الناسُ تحت المصابيح

حول الموائد، للسمَر

ينفثون دخانهم

ويمضغون بانتشاء

لحومَ الغائبين!

* * *

في بلادي يحتفون بالخلود

الحياةِ الأبدية

وهم الجاهلون بالفيزياء

يتقنون حرفةَ العديد

والتنكيت

ويمتهنون الغناء

والرقص.. والمشيخة!

ويلقون بالجميلات

والأذكياء

والأنقياء

في أعماق النهر

الذي تغير لونه

قرابين

لآلهة الشر

الرابضة

بأسفل

لكي تكف عنهم

أذاها!

* * *

الناس – في بلادنا –

يعشقون الطرقات

الشوارع والميادين

يسيرون بغير اكتراث

يركلون الحجارة

ويجمعونها

يخترعون منها ألعابـًا جديدة

يتنافسون عليها

ثم يملّون

فيرصونها، لتعلو

ويتضاءلون

فيمجدونها.. ويطوفون حولها

وهم يلعنون أصحاب الديانات القديمة!

* * *

في بلادنا

يجهرون بصلاة اليأس

ويعتنقون الأمل

سِرًّا

كدينٍ.. جديد!

………………………………………. 

 من ديوان “هرم أبيض صغير يسر الناظرين” الفائز بجائزة أسامة الدناصوري للشعر 2015

مقالات من نفس القسم