الديوان له لمسةٍ خاصة، أعاد صياغة المألوفات بشكلٍ آخر، هذا من وجهةٍ نظري، يقول محمد في مستهلِ الديوانِ:
“معظم تلك القصائد
خضتُها
بدلاً من خوض الحياة،
أنا مدين إذن
للكسل
بمعظم ما يكوّن تاريخي الحقيقي ،
لأكن صريحًا
أنا مدين للتردد
لكنني أكثر كسلاً
من خوض أي نقاش حول ذلك”
من هنا يبدو الوجه الآخر للكسل، الكسل هنا ليس سيئًا – على الإطلاق- بل هل يُمكنني أن أعتبره نوعًا من انواع الهروب الخجل؟، أو الذي لا يريد أن يُظهر نفسه، إنه التردد، أن تقف في ذاتِ الحافةٍ الأيلةٍ للسقوط لكنك تدعي انه كسلًا ألم بك جعلك لا تتحرك، بل ولن تناقش الأمر مع أحد.
تحدث الديوان عن نفسه، وأخبرني “انتظري هذه هي البداية فقط”
يقول أيضًا:
“في لحظة خرقاء
استندنا سويًا
إلى سور حديقة
لم يكن الطلاء
قد جفّ بعد ،،
مؤخرًا
مررت من هناك ،،
نظرتُ
رأيت أثر جسدينا
في الحديد
الذي كان لامعًا
يومنا ..
لا تسيئي الظن :
أعادوا طلاء السور
مرارًا
بعد تلك المرة ..
لكنني
ما زلت أميّز أثرنا
رغم ذلك “
أثر الذكري لا يزول، وإن زال ما يُثبت حدوثه أو خفتَ سطوعه، أثر الذكرى لا يزول وإن حاولت عدم اقتفاء أثره، الصور التي لديك إن مزقتها، لن تزول الذكري، الكرسي الذي تشاركته مع أحدٍ يوماً ما، هل إن ذهبت إلى ذاتٍ المكان ولم تجده ستزول الذكري؟ لا لن تزول.
يقول :
” المراوح
لا تصنع الهواء
تستخدم المتاح منه
فعلاً “
.
يؤجلون حياتهم
في سبيل الحذر ،،
.
يجلسون هادئين
مندمجين
في أحلام يقظتهم
بينما
تسرح في أرواحهم
قرحة الانتظار ..
.
حسنًا إنها نفسُ الحافةِ إذن، يبدو أن الشاعر كان لديهٍ إصرار ما على أن يضغط علي القنابل الموقوتةِ، لم يكتف بذلك مرةٍ واحدة، بل إن نجوت من الأولى، لابد أن تصيبك الثانية.
العوالم الموازية التي نخلقها لأنفسنا بعيدًا عمَّا نعيشه، نرسم بها كل ما كنا نود لو عشناه بالفعل، الحياة المثالية بالنسبةِ لنا، والتي نستحق، كل الخيالات التي نعيش بها كمسكِنَّاتٍ للحياة على أمل لو أن جزء بسيط منها قد يتحقق يومًا، يؤلمنا الخيال، يؤلمنا الإنتظار المؤجل دائمًا ..
.
الفقد
ليس شرًا كله ،،
الخبثاء ، أصحاب التجارب
يعرفون ذلك ..
بعض التصالح مع الخيباتِ ربما لن يضر، بعض تزينٍ لأشياء مؤلمة، الخبثاء يعرفون ذلك جيداً، أولئك الخبثاء الذين فقدوا الكثيرون، الذين مر بهم وخلالهم الكثيرون، أصحاب التجارب التي لا ييبقي منها سوى أثرها، يعرفون آلامِ الفقد من كثرة ما ألمَّ بهم.
الأرق
وسقف الغرفة
أعجبني التشبيه، سقف الغرفة هو المشاركُ والصديق والشاهد الأول على الأرق.
سعداء
لا حاجة بهم
للأحلام ،،
.
يائسون
لا طاقة بهم
للأحلام ،،
الأحلام بكلِ الأحوال بها سم قاتل، لن تُزيد السعداء شيئًا وستقتل اليائسون، الأحلام رفاهية للسعداء لأنهم ليسوا في حاجةٍ لها، الأحلام رفاهية لليائسون لأنهم لن يصلوا لها.
الديوان شاعريْ، وبهِ لمحةٍ رمزيةٍ فلسفية، وإن كانت بسيطة جدًا، إلا أن سهولة استساغتها أضفت عليه رونقا خاصا، إنها قراءتي الأولى لـ محمد خير، ولا اعتقد ستكون الأخيرة على أيةِ حال.
أفكر الآن ، كيف يمكن لأن تكون تلك هدية للوحدة ، حنونه وقاسيةٍ في ذاتٍ الوقت؟