أوَّلاً : المَوْتُ وَالنَّسَقُ الدَّلاليُّ العَامُ :
تُشَدِّدُ الدَّلالةُ العامَّةُ للمَوْتِ على مَعْنَى زَوَالِ الحَيَاةِ عَنْ الكائنِ الحَيِّ ، وَالمَوتُ أيضًا هو الخَوفُ وَالذُّعرُ وَالحَزْنُ وَالأحْوَالُ الشَّاقةُ ، قالَ تَعَالى : “وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ “: إبراهيم ، آية 17 ، وَمَاتَ الشَّيءُ : هَمَدَ وَسَكَنَ ، وَللمَوتِ دَلالاتٌ لونيَّةٌ ، مِنْهَا : الْمَوْتُ الأَبْيَضُ ؛ وَهُوَ : زَوَالُ الْحَيَاةِ عَنِ الكَائِنِ طَبِيعِيّاً ؛ أيّ : الْمَوْتُ الطَّبِيعِيُّ ، وَالْمَوْتُ الأَحْمَرُ ؛ وَهُوَ زَوَالُ الْحَيَاةِ قَتْلاً ، وَالْمَوْتُ الأَسْوَدُ ؛ وَهُوَ زَوَالُ الْحَيَاةِ خَنْقًا(2) ، وَللمَوْتِ في نُصُوصِ: “مَجَرَّةِ النِّهايَاتِ ” تجليات متنوعة ، ويقومُ بناءُ الدَّلالاتِ فيها على عِدَّةِ أسسٍ فنيَّةٍ ، تُشَكِّلُ الإطارَ العَامَ لِمُجْمَلِ المَعْنَى ، وَهَذِهِ الأسُسُ هِيَ :
1- الاعْتِمَادُ على حَرَكَةِ الذَّاتِ في النَّصِّ .
2- اسْتخدَامُ التَّضَاداتِ غيرِ المَنْطِقيَّةِ ” الحُرَّةِ ” .
3- التَّناصُّ المُعْتَمِدُ على رُؤى خَاصَّةٍ .
4- اسْتِخْدَامُ إطارِ المَوْتِ كأسَاسٍ عامٍّ لِمَنْطِقِ الدّلالةِ .
فمنْ الدِّيوَانِ خمسٌ وَعشْرونَ صَفْحَةً مُمْتلِئَةً(3) ، مِنْ بينَ تِسعٍ وَسِتِّينَ صَفْحَةً ، تُمثِّلُ الدّيوَانَ ، جَاءَ تمثيلُ الوَحَدَاتِ الَّتي تُشِيرُ إلى مُعْجَمِ المَوْتِ ، بنسبَةِ “25% “، وَهذِهِ النِّسبَةُ تَسْتقطِبُ حَوْلَهَا دلالاتٍ ، تُعَدُّ مُصَاحِبَةٌ لِمَعْنَى المَوْتِ ، بنسبَةٍ تفوقُ الـ “35 % ” .
فَالألفَاظُ الدَّالَةُ على مَعَانِي المَوْتِ نفسِهَا = 150 كلِمَةً .
وَالألفَاظُ الدَّالةُ على مَعَاني المَوْتِ في غيرِهَا = 170 كلِمَةً .
وَهُنَا يُمْكِنُ اسْتِقصَاءُ عَدَدٍ منْ دَلالاتِ المَجْمُوعَةِ اللفظيَّةِ الأولى ؛ الَّتي تَتَّصِلُ بِمُعْجَمِ المَوْتِ كَالتَّالِي :
1- المَوْتُ الدَّالُ على الاكتِمَالِ وَالحَيَاةِ :
تُؤكِّدُ الرُّؤيةُ الشِّعريَّةُ في خِطَابِ : مَجرَّةِ النِّهايَاتِ ، على عَدَمِ الفَصْلِ بينَ المَوْتِ وَالحَيَاةِ ؛ فَثَمَّةَ مَوْتٌ في الحَيَاةِ ، وَثمَّةَ حَيَاةٌ في المَوْتِ ، وَعَبْرَ هَذَا التَّواشُجِ يَجْعَلُ الشَّاعرُ مِنْ ذاتِهِ وَالآخَرِ ، مِحْوَرًا مِنْ مَحَاورِ طَرْحِ الرُّؤيَةِ الإنسَانيَّةِ للمَعْنَى البعيدِ للمَوْتِ ؛ في مَعَانٍ مُتعدِّدةٍ تتفاعَلُ ، وَيَتَوَاشَجُ فيْهَا طَرْحُ الرُّؤى الصُّوفيَّةُ الخَاصَّةُ بالمَوْتِ مَعَ تطلُّعِ الذَّاتِ الإنسَانيَّةِ ، وَسَعْيِهَا لِلإلمَامِ بالمَعَانِي الكونيَّةِ الكليَّةِ ؛ فنجِدُ الشَّاعرَ يستخدِمُ الإطارَ الأسطوريَّ في هَذَا السِّياقِ في قولِهِ:
” جَمِّعْ عِظامَكَ هَذِهِ ، وَاتَّبعنِي ، تَقدَّمْ ، لا تُدمْدِمْ في شِرودِكَ . “(4)
وَهُو مَعْنَى يَتَّصِلُ بالحَيَاةِ ، في إطارِ اسْتِخدَامِ مُفرَدَاتِ المَوْتِ ، وَفي قولِهِ :
“ سَنتَّبعُ ارْتِحَالَكِ في دَهَاليزِ
الفَنَاءِ ، بُدَاةً ، فاتِحِيْنَ ، حَتَّى
نَصِلَ إلى غِيَابِكِ ، نَازِفيْنَ .” (5)
وَهُنَا يستخدِمُ الشَّاعرُ دَلالةَ المَوْتِ ، لِلْوصولِ إلى الحَيَاةِ أيضًا ، وَهُو مَا يبدو في ألفاظِ :” بُدَاة ، فاتِحين ” ، كَمَا يُواجِهُ المَوْتَ بِمُعَاناةِ الحَيَاةِ ، في قولِهِ : ” نَازِفيْنَ ” .
2- المَوْتُ الدَّالُ على المُفَارَقَةِ ، بينَ حُلْمِ الذَّاتِ وَتَرَدِّي الوَاقِعِ :
مَا بينَ طُموحِ الذَّاتِ الشَّاعرَةِ إلى بلوغِ أقْصَى تَحقُّقاتِهَا ، وَبينَ تردِّيَاتِ الوَاقِعِ المَعِيشِ ، تَتَشَكَّلُ مجموعَةُ مُفَارَقَاتٍ ، تُجَسِّدُ حالاتٍ مُتعدِّدةٍ لِلمَوْتِ ، بأشْكالٍ مُتعدِّدةٍ ، وَقَدْ تتبدَّى هذِهِ المُفَارقاتُ في وَاقعِ الحُلْمِ ، أوْ في وَاقِعِ الفِعْل ِالحياتيِّ المُتَحقَّقِ ، كَمَا في قولِهِ :
“ هَكَذَا جَاءَتْ المَرْأةُ الأخْرَى
وَفَكَّتْ لي ضلوعِي
فَجَمَعْتُهَا في جُيوبِي
وَنَثَرْتُهَا في جَحِيمٍ
وَهَكَذَا جِئْتُ
لِلْفَرَاغِ الَّذي لا يَنْتَهِي ،
……
– جُثَّتي ؟
، لَيسْتَ ذي جُثَّتي فيمَا أظنُّ .” (6)
فَالمقابلَةُ اللغويَّةُ بينَ دلالَةِ المَوْتِ :” فكَّتْ لي ضلوعِي ، الجَحِيم ” ، وبين قوله : ” جِئْتُ ” ، وغيرها منْ الألفاظِ الدَّالةِ في فَضَاءِ النصِّ ، تُعْطِي دَلالةَ المعجمِ الخَاصِّ لمَعْنَى المَوْتِ ؛ فَقَدْ جَعَلَ الشَّاعرُ ” توافُقَ الإشارَاتِ ” المُعجميَّةِ ، وَتضادَ بعضِهَا وسيلةً فنيَّةً للدَّلالةِ الخاصَّةِ المُرَادةِ (7)، وقدْ يستخدمُ الشَّاعرُ إطارَ المُفَارقَةِ نفسَهُ ، ولكنْ بتوزيعِ المعنى في تراكيبَ ، تُمثِّلُ معانيَ مُستقلَّةً ، يُمكِنُ مُقابلتُهَا ببعضِهَا البعضِ منْ خلالِ طرْحِ رؤيةِ الموتِ ؛ فحركةُ الذَّاتِ الفاعلةِ في المقطعِ السَّابقِ ، والأفعالُ الَّتي تطرحُهَا ؛ تجسِّدُ رُوحَ المُقاومَةِ ، وتُصبحُ وقودَهَا وَدَافِعًا لهَا .
ولكنَّ الانقسامَ الوَاعِي الَّذي يُمارسُهُ الشَّاعرُ بينَ ذاتينِ مُتقابلتينِ ، ومتضادَّتينِ ، وفي الوقتِ نفسِهِ بروحِ المُقاومَةِ ، وأحيانًا بالاسْتِسَلامِ ؛ يجعلُ رؤيةَ المَوْتِ أقرَبَ إلى المَعْنَى المُتَحَقَّقِ منْ مفهومِ حياةِ المَوْتِ ، كَأنَّ الوَاقعَ مَحْضَ أداةٍ منْ أدواتِ دَفْعِ المَوْتِ ، في قولِهِ :
“ أؤكِّدُ أنَّهَا الطَّلقةُ الَّتي اخترقتْنِي في جُثَّتي الأولى
أؤكِّدُ أنَّهَا الطَّلقةُ الَّتي بعثرتْنِي
على الظَّهيرَةِ هَكَذَا ، هَكَذَا
وَلكنَّني لمْ أكنْ في جَسَدِي الَّذي تهدَّمَ وقتَهَا
كنتُ أركُضُ في فَضَاءٍ كامِنٍ –
لمْ أكنْ في جُثَّتِي
مَنْ
؟ . “(8)
كَمَا أنَّ الشَّاعرَ يُضْفِي دلالةَ المَوْتِ على كلِّ الدَّلالاتِ الجُزئيَّةِ تقريبًا ، وهو بهذَا يجعلُ منْ بناءِ الدَّلالةِ العامَّةِ للمَوْتِ ، عُنصرًا مُسيطِرًا على النَّصِّ ، وهذا العُنصرُ غالبًا مَا يطرحُ في تلكَ الجُزئيَّاتِ معانيَ أخْرَى ؛ تتصلُ بالبناءِ العامِّ ، وهو بناءُ المُقابلَةِ الخاصَّةِ بوجودِ الذَّاتِ في مُوَاجَهَةِ المَوتِ المُسيطِرِ على رُوحِ العالمِ ، وهذا بدوره ينعكِسُ على وَضْعِ رمزِ الموتِ نفسِهِ ، فيما يتَّصِلُ بالألفاظِ الَّتي تُشِيرُ فَقَطْ لمعنى الموتِ بنوعيهِ ؛ الحقيقيِّ والرَّمزيِّ ، كَمَا يَدلُّ عليْهَا النَّصُّ التَّالي :
” رَأسِي : رَأسُ نخلةٍ ، تشتعِلُ في دِمَائِي ، رَأسِي : شُعلَةٌ
منْ جحيمٍ .
رَأسِي : أيُّهَا الخَرَابُ المُبَجَّلُ ،
…….
كُلُّ قذيفَةٍ تبتغِيكَ ،
…….
كُلَّمَا ارْتكبتْكَ عاصِفَةٌ ترومُ ،
…….
تفذِفُ عينيْكَ في عَرَاءٍ ، وَتمضِي
……..
اخْتَرَقَتْ فَضَاءَ عَينَيْكَ .” (9)
فهذه التَّراكِيبُ المُجتزَأةُ من نصٍّ واحِدٍ ؛ يستخدمُ فيْهَا الشَّاعرُ إطارَ الموتِ المَجَازيِّ ، منْ خِلالِ مُعْجَمٍ يُشيرُ إلى معنى الموتِ في الدِّيوانِ ، وهو بهذِهِ الإشَارَاتِ يُخْرِجُ المَجَازَ مَخَرْجًا جديدًا في إطارِ التَّعبيرِ عنْ شَيءٍ ، وإرادَةِ شَيءٍ آخر ؛ فرأسُهُ تشتعِلُ في الدِّمَاءِ ؛ إشَارَةٌ إلى الموتِ ، وَالجَحِيمُ إشَارَةٌ أخْرَى تَسْتدعِي رؤيَةً مُختلِفَةً ، وَمُتوافِقَةً في آنٍ واحِدٍ ، ويدلُّ الخَرَابُ المُبَجَّلُ على الموتِ ، وَكذلكَ القذيفَةُ ، في إطاريْنِ مُخْتَلِفيْنِ ، وَتدلُّ العَاصِفَةُ ، وَالعَرَاءُ ، في إطارٍ واحِدٍ على الموتِ ، وَهَكَذَا ،
فالرَّمزُ – هُنَا – رمزٌ جُزئيٌّ يختزلُ المَعَانِي المُتَبَاعِدَةَ في إطارِ البنَاءِ العَامِّ للموتِ ، وَيُقيِّدُهَا في بُؤرَةٍ واحِدةٍ ؛ تُمثٍّلُ الرُّؤيةَ العامَّةَ لدلالةِ المُعجَمِ ، وَيَسْحَبُ الشَّاعرُ بهذِهِ السِّياقَاتِ الوَظَائِفَ الخَاصَّةَ للمُعْجميَّةِ ، منْ خِلالِ دورِ المقامِ السِّياقيِّ في تشكيْلِ المَعْنَى .
ثانيًا : المَوْتُ وَالصُّورَةُ الشِّعريَّةُ :
تُشكِّلُ الصُّورَةُ الشِّعريَّةُ مُعادِلاً مَجَازيًّا للرُّؤيَةِ الشِّعريَّةِ ، تُجسِّدُ حالاتُهَا حضُورًا جَمَاليًّا لآفاقِهَا ، عَبْرَ خطابٍ دالٍّ ؛ يُجَسِّدُ حالاتِ الخوَاءِ وَالعَدَمِ وَالنِّهايَاتِ وَالصَّمتِ ، وَقَدْ أخْرَجَ شريف رزق صُورَةَ الموتِ ، في السِّياقِ الشِّعريِّ ، إخْرَاجًا يَسْتقطِبُ كلَّ دلالاتِهَا الوظيفيَّة منْ ناحيَةٍ ، ودلالاتِهَا التَّركيبيَّة منْ ناحيَةٍ أخْرَى ، وهو بذلكَ يستحِوذُ على مَعْنَى الصُّورَةِ الشِّعريَّةِ منذُ مفهومِهَا الأرسْطِيِّ ؛ مُوجِّهَا عناصِرَ الفِعلِ وَالشَّخصيَّةِ ، وَالسَّردِ ، وَالزَّمَانِ ، وَالمَكَانِ ، وَلا تلعَبُ المُحَسِّنَاتُ البلاغيَّةُ ، بأنواعِهَا ، إلاَّ دورًا بسيطًا . (10)
وَهَذِهِ العَنَاصِرُ مُجتَمِعَة تُشكِّلُ دلالةَ الصُّورَةِ الشِّعريَّةِ ، بالدَّلالةِ العَامَّةِ للموتِ في كلِّ نصوصِ الدِّيوانِ ؛ بحيثُ لمْ يتركْ الشَّاعرُ للعناصِرِ الأخْرَى إلاَّ بناءَاتٍ قليلةً ، وَأمْدَاء أقلّ في الاسْتِحوَاذِ على دَلالاتٍ فرعيَّةٍ .
وَالشَّاعرُ – أيضًا – يستخدِمُ رموزًا مُلحَّةً على دلالةِ الموتِ ، في إطارِ اسْتِخدَامِ الرَّمزِ بصفَةٍ عامَّةٍ ، وَذلكَ منْ خِلالِ حَرَكةِ الذَّاتِ ؛ الَّتي تجعَلُ منْ السَّردِ في النَّصِّ إطَارًا تركيبيًّا وَاحِدًا ؛ تُشكِّلُهُ ” الأنَا ” ، الدَّالةُ على السَّاردِ الفِعْليِّ في النَّصِّ في قولِهِ :
“ سَأخرُجُ منْ هذِهِ الجُثَّةِ
مُتَّجهًا إلى ضَيَاعِي ، قاذفًا بأضْرِحَتِي وَخَلايَايَ ،
وَأحْشَائِي ؛ لِيعلَمَ القتلى المُسْتريبونَ أنَّهُ خروجِي
المُسْتَفِيضُ ، إلى البَوَادِي ، سَيَنْتَشِرونَ على الأهِلَّةِ ،
جَاثِمينَ : أغِثْنَا يَا شَرِيفُ ، وَارْفَعْ هَذِهِ الجُثَّةَ عَنَّا ،
هَكَذَا ، هَكَذَا ، وَأنَا مَاضٍ إلى سَعِيْرِي .” (11)
فموضوعُ النَّصِّ يتمثَّلُ في الصِّرَاعِ الحَادِثِ بينَ الذَّاتِ كَمُرْسِلٍ ، وَالذَّاتِ كَمُسْتقِبلٍ في طَرَفٍ ، وبينَ الآخَرِ كَمُسْتقِبلٍ ، وَالوَاقِعِ كَمُرْسِلٍ في طَرَفٍ آخَرٍ ، وَهَذَا الصِّرَاعُ يُلخِّصُهُ الشَّاعرُ في حَرَكةِ الذَّاتِ نَحْوَ ، وَفِرَارًا منْ الموتِ ؛ فحركَةُ نحوَ الموتِ تتمثَّلُ في وَعْيهِ بنفسِهِ ، وَحَرَكَتُهُ فِرَارًا منْ المَوتِ تتمثَّلُ في وَعْيهِ بِالوَاقعِ وَالآخرِ، كأنَّ الشَّاعرَ يطرحُ رؤيَةَ الخُروجِ منْ المَوتِ المَجَازيِّ الجَاثِمِ على الوَاقِعِ في قولِهِ :
” مُتَّجِهًا إلى ضَيَاعِي” ، قَاذِفًا بأضْرِحَتِي وَخَلايَايَ “.
وَيُمْكِنُ تمثيلُ هذِهِ الحركَةِ كالتَّالِي :
وَفي هَذَا النَّصِّ يتجلَّى المعنى التَّركيبيُّ في الصُّورَةِ الشِّعريَّةِ ؛ باعْتِبَارِهَا تقومُ على عددٍ منْ المُسْتويَاتِ الدَّلاليَّةِ الخَاصَّةِ بحركَةِ الذَّاتِ ، وَباعْتبارِهَا تقومُ على اسْتِغلالِ إيحَاءٍ كليٍّ ، للموقفِ النَّفسِيِّ وَالإنسَانيِّ للشَّاعرِ، نحوَ تصوُّرِ الموتِ في الذَّاتِ وَفي الوَاقِعِ ، ويظهَرُ هَذَا كالتَّالِي :
1- ” سَأخرُجُ منْ هذِهِ الجُثَّةِ ” .. على سَبيلِ الاسْتعارَةِ المَكْنيَّةِ : (الجُثَّة) .
2- ” قاذفًا بأضْرِحَتِي ” .. على سَبيلِ الاسْتعارَةِ المَكنيَّةِ : (أضْرِحَتِي) .
3- ” لِيعلَمَ القَتْلِى ” .. على سَبيلِ الاسْتعارَةِ التَّصريحيَّةِ : ( القَتْلَى).
4- ” ارْفَعْ هذِه ِالجُثَّةَ عَنَّا ” .. على سَبيلِ الاسْتعارَةِ المَكنيَّةِ : (الجُثَّة).
5- ” وَأنَا مَاضٍ إلى سَعيري ” .. على سَبيلِ الاسْتعارَةِ التَّصريحيَّةِ : ( سَعِيري).
وَهَذَا الإطارُ البلاغيُّ يجعلُ اسْتِحوَاذَ الصُّورَةِ الكُليَّةِ في النَّصِّ ، على الوَحَدَاتِ المُعجَمِيَّةِ ضَرورَةً بلاغيَّةً منْ ناحيةٍ ، وَضَرورَةً إيحائيَّةً منْ ناحيةٍ أخْرَى ، وَيخدِمُ ، في الوقتِ نفسِهِ ، توجُّهَ الشَّاعرِ نحوَ مُعْجَمٍ شِعريٍّ واحِدٍ ، محدِّدٍ لرُّؤى العَالَمِ ، وَأيضًا اسْتَعَاضَ بِهَذَا الحَقلِ الدّلاليِّ المتآزرِ ، عنْ مُقوِّمَاتٍ أخْرَى ؛ قَدْ تكونُ غائبَةً في مثلِ هذِهِ النُّصوصِ ، وَهِيَ اسْتِعَاضَةٌ مبدِعَةٌ ، خَرَجَتْ إلى الجَديدِ منْ الرُّؤى وَالدَّلالاتِ ، بإنتاجِ خِطَابٍ شِعريٍّ خاصٍّ وَمُبْتَكَرٍ.
الهَوَامِش
[1] د. محمَّد رشاد الحمزاوي : ظاهرةُ المُعجميَّة وَسُبُلُهَا إلى الإحَاطَةِ بالخِطابِ الإنسانيِّ والعربيِّ ، المجلس الأعلى للثَّقافة بمصر – 1996- ص: 124 .
[2] راجعْ ، كلمة (موت) ، في مُعجم المَعَاني الجَامِع ، وَالمُعجم الوسِيط .
[3] لأنَّ هناكَ العديدَ منْ الصَّفحَاتِ في الدِّيوانِ تُرِكَتْ فيْهَا مِسَاحَاتٌ بيضاءُ كثيرَةٌ ، وَهِيَ أيضًا داخِلَةٌ في الإحْصَاءِ .
[4] شريف رزق – مَجَرَّةُ النِّهايَات – الطَّبعة الأولى – 1999 – ص: 27 .
[5] الدِّيوان – ص: 39 .
[6] الدِّيوان – ص ص :49 – 48 .
[7] بيرجيرو- الأسلوبيَّة – ترجمة : د. مُنذِر العيَّاشِي – مركز الإنماء الحَضَاري ، بحلب – الطَّبعة الثَّانية – 1994 – ص: 124 .
[8] الدِّيوان – ص: 52.
[9] الدِّيوان – ص: 55.
[10] الولِي محمَّد – الصُّورة الشِّعريَّة في الخِطابِ البَلاغِيِّ وَالنَّقديِّ – المركز الثَّقافي العربي بيروت – 1990 – ص: 55 .
[11] الدِّيوان – ص: 41 .