مدينة النحيب

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسن يارتي

سيوف، خناجر ومجانيق، تمطر شرا في الليالي الموحشة. صهيب يرتعب خوفا، و والدته تحتضنه بشدة وعلى وشك أن يلتحم جسده الصغير ببدنها، قلبها يخفق عشرة أضعاف المعدل الطبيعي آملة أن لا يلمحها أحد.

ترى يوسي المتوحش حاملا سيفه، ينسف كل من أبى الخضوع أو جرب المقاومة. لا تريد الأم سوى بلوغها المسكن آمنة سالمة.

فسرعته، قوة عضلاته وضخامة بنيته تمكنه وجيشه من حرمان قوم المدينة من مفهوم الهناء.

 

هذا حال مدينة النحيب، مدينة لا تعرف النوم على أنغام الهدوء و آمال الغد المشرق بشمس الحرية، مدينة لا يغمض لها جفن أو تمر لها هنيهة دون اشتداد رقبة أحدهم.

تتحرك أم صهيب بخطوات سريعة، خفيفة من جذع شجرة إلى صخرة دون أن تصدر صوتا، و هي تبصر نور قنديل بيتها من بعيد لكن العراقيل المشئومة تحول بينها و بين بلوغ مسكنها.

عند الصخرة الكبيرة وجدت إسماعيل، شاب في مقتبل العمر يحتمي خلفها مرتعشا من الخوف هو الآخر. آملت أن تجد فيه خصال الشهم الصنديد ليقاتل ذلك البربري عديم الرحمة، لكن هيهات.. بدل أن تسعى لحمايته سبقها لذلك، فلم تجد خيارا سوى أن تبرح مكانها.

انتقلت أم صهيب و غلامها الهادئ إلى صخرة أخرى، تلتفت يمينا و شمالا، وبين الفينة و الأخرى ترفع رأسها لتستسقي أخبار موضع يوسي الجديد و عدد ضحاياه الذي يرتفع بالعشرات دون تراجع، فقبل أن تعيد رأسها إلى أقرب كتفيها ترى جثتا تتقطع إربا، و هذا ما يزيد من فجعها. رباه !!  أبلغني مسكني رفقه فلذة كبدي، هكذا كان دعاء أم صهيب راجية أن يبزغ الفجر و هي على قيد الحياة.

تزحزح يوسي من مكانه الذي استعمره لساعات متيحا للأم فرصة التحرك لجذع شجرة يستقر قرابة مسكنها، رغم أنه يبعد ببضع أقدام قليلة عن الصخرة، لكن بدت رحلة انتقالها كأنها ستعبر المحيطات الخمس أو أن الجذع في مشارق الأرض و الصخرة في مغاربها.

استوطنت الجذع و إيقاع أنفاسها يرتفع شهيقا بعد شهيق، أما صهيب يتألم من شدة إحكامها إياه بين يديها.

ما إن يظهر كائن في محيط يوسي إلا ولقي مصرعه لحظة وقوفه أمام المتوحش، كأنه يتلذذ بإزهاق الأرواح و يستطعم ملوحة الدم الأحمر الغامق.

أدار ظهره لأم صهيب حتى انتهزت فرصة العمر لتدخل مسكنها بعد أن تعدو لمسافة تبدو أطول من سابقتها، ركضت متحملة ثقل ابنها  بكل ما أوتي لها من سرعة و قوة. فلمحها المتوحش بعين شريرة توقف نبض كل قلب يترنح.

في لمحة بصر وارتداد طرف، وجدت الأم نفسها أمام ذلك الضخم، أبشع المنظر وقبيح الصورة رافعا سيفه ليقطعها وابنها إلى نصفين.

 

قبل أن تدرك ما الذي يجري أو سيجري، حتى ألقت صهيب إلى داخل المسكن، جاهلة مصيره.. هل سيعيش أم سيلقى مصرعه بسبب صلابة الأرض التي ستستقبل بدنه الهشيش، كل ما أدركته قبل أن يتطاير دمها الطاهر ليمطر الأرض شهادة هو أن غلامها لم يجزر على يد يوسي المتوحش.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

حسن يارتي

قاص وإعلامي –  المغرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم