لم أكن سيئا إلا مع نفسي

تشكيل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

فتحي مهذب

لم أكن سيئا إلا مع نفسي

لم أكن سيئا إلا مع نفسي

أصنع من شراييني حبال أرجوحة لليتامى

أو حبل غسيل لأرملة

لتنشر سنواتها الأخيرة

مبقعة بالدم ورائحة البارود

أو جسرا متحركا

ليعبر العميان إلى بحيرة الضوء

لم أكن سيئا إلا مع نفسي

لم أفتح النار إلا على مخيلتي

لم أظلم غير الكائنات التي تعج بداخلي

لم أحلب عنزة أو بقرة

بل حلبت شطري الأسفل

في مكان مظلم مليء

بطبول غرائزي

وقرع النواقيس في دارة قلبي

أضحك مع الجدران على حياتي البائسة

إذ تزعق كل مساء

مثل جدجد ضرير

لم أكن سيئا مع الآخرين

مع الناس الذين يزرعون التوابيت

في حديقة رأسي

يملؤون نهاري الأشيب بنعيق الغربان

يكسرون زجاج حواسي بإشارات مؤذية للغاية

ينتظرون المعجزة الكبرى

سقوطي المفاجئ في حفرة الماليخوليا

لم أكن سيئا إلا مع نفسي

لم أعاقب أحدا غير كلماتي

لم أكن سيئا إلا مع نفسي

أحترم الأشباح كثيرا

أحترم الموتى كثيرا

أدعوهم إلى الصبر والصلاة والموسيقى

في انتظار قيامة اللاشيء

أرمي ثيابي القديمة في البئر

لصديقي الذي انتحر

مساء الأحد الفائت

بسبب الفقد والفقر والنميمة

وهروب اللحظات الجميلة

من قبضته الهشة

لم أكن سيئا إلا مع ذئاب متناقضاتي

مع ينابيع جسدي المتوحشة

مع دببة الشك واليقين

التي تتقاتل تحت جلدي المغضن

أحترم السماء كثيرا

أحيانا أرشق بصري طويلا

منتظرا صحنا طائرا

أو نبيا رائعا يمر من هناك

حاملا مصباحا أو سلة مليئة بالأرز

كنت أضحك دائما

عندما تسقط تفاحة القلق على رأسي

أو في جنازة أحد الرهبان

عندما يطردني الله يوم الأحد

لأني أشرب طوفانا من الخمور المعتقة

وأفترس ساعات طوالا من حياتي العابرة

لم أكن سيئا مع الذين ملئوا

فمي بالقش والضباب

وحياتي بالأكفان والنواح

الذين يخططون لقصف ما تبقى

من حياتي البائسة

لم أكن سيئا مع الآخرين

رفعت يدي طالبا من الله

بأن يرمي لي حبلا من السماء

لأكتشف مجوهرات اليقين

وعذوبة الفناء في الضوء الأبدي

غير أن جاري العربيد

سبقني مختطفا الحبل في رمشة عين

بينما بقيت أتخبط

مثل نسر مكسور الخاطر

بين الأماكن المحرمة

**

بظهور مقوسة نمشي إلى الوراء

كان علينا مواجهة العاصفة

رتق مخيالنا الجمعي

الصراخ في العتمة

لإلهاء بومة المتناقضات

كان علينا إدارة الحرب

بحس جماعي مرهف

كان علينا المزيد من الضحك

أمام هشاشة الأشياء

كان علينا التحديق جيدا

في كتاب الموت

وإضفاء طابع الواقعية

على تأويل الجنازة.

****

مثل قطيع أيائل

يلاحقنا فهد من القرون الوسطى

الذعر يأكل أصابعنا بشراهة مفرطة

والطائرات تكشف عوراتنا من عل

تكشف مغارة الهواجس

ظلالنا المتجمدة على الجدران

أصواتنا الفارغة من الضوء

كلماتنا الشبيهة بفقمات نافقة.

****

كما لو أننا غيوم محضة

معلقة على حبال الجاذبية

من أقدامنا المتشققة

تشرشر الدماء

المسيح يقطع شحمة أذنيه

ويرميها من شباك الطائرة

ولا أحد يلوح من بعيد.

****

نمشي إلى الوراء

بظهور مقوسة

تحت جلودنا المغضنة

يعدو الزمن ويكبو

ولا أحد من الخيالة الدادائيين

يؤول خيمياء الموت.

****

الذهاب إلى الوراء بأقدام مجنحة

لا شيء مستحيل على الإطلاق

باستطاعتنا فعل كل شيء

طرد المسلمات المتعفنة من البيت

قلب نظام الأشياء بضحكة مجلجلة

انتشال صداقتنا البريئة من قاع الجب

تقليم أظافر الكلمات القاسية

الذهاب إلى الوراء قليلا

بأقدام مجنحة

لتنقيح أسطورتنا الخارقة

من شوائب البراقماتيزم

إذن لنعقد صفقة تبادل عاجلة

تحت شجرة الأكاليبتوس

أو في ملهى ليلي

تحرسه نمور من السافانا

أحرر قبلاتك من أنفاق روحي

وتحررين أسرى كلماتي

من معتقل اللامبالاة

أشهد أني خسرت الكثير

في هذه الحرب القذرة

تفتحين النار على طوابق الفوبيا

في حديقة رأسي

تفتحين النار على سرب صلواتنا

تدمرين أبراج ذكرياتنا بدم بارد

تدمرين الأرجوحة التي صنعناها من ريش النعام

من جدائل الموسيقى الناعمة

نافق حمام علاقاتنا الباردة

ممتلىء جدا هذا الفراغ

بثعالب الوقت

مجنزرات العزلة تضرب في منحدراتي

القنابل لها طعم الفراولو

وموتاي يدقون الطبول

أمام دار الأوبرا

فوق الجسر المتحرك

تصغين لنأمة أصابعي

إذ تنقل مشاهد الحرب

تحت القصف الكثيف

عدوانية مفرطة

تمارسها كلماتك المحتشدة

بقذائف الآربجي

تقتلين الأشياء الجميلة

بكتيبة من القلق الفلسفي

لنعقد صفقة نهائية

تخلصين روحي الأسيرة

من قبضتك الحديدية

وأطلق سراح مائة وعشرين أسيرا

من جنودك المرتزقة

أعيد إليك سماءك زرقاء

كما لو في عز البدايات

أعيد طفولتك

في سلة مليئة بالفستق

وتعيدين لي ذهب المتصوفة

ومفاتيح المدينة المقفلة

أنا متعب جدا

يداي متهدلتان مثل شفتي عجوز

وللأشياء طعم الرصاص الحي

الحرب افترست كل شيء

مخيمات اللاجئين في طابوق قلبي

طائراتك الوقحة لا تعرف النوم

إيقاع الجنازات موجع للغاية

روحي متفحمة جدا

الأطباء ماتوا  بسكتة دماغية

الأمكنة فارغة مثل عيون الموتى

الربوة مطرزة بالجثث

الخراب يطال كل شيء

لنعقد صفقة نهائية

ونطرد الشياطين من فردوسنا

نطرد الشك مثل لص براقماتي

من شرفة روحينا المتنافرتين

نطرد بوم الضغينة من غابة الكلمات

نعيد الينابيع الصافية إلى كلماتنا الحزينة

لننه الحرب

ونتبادل جميع الأسرى في كنيسة ما

نقيم مأدبة عشاء سري

أمام تمثال مريم العذراء

نصلي على إيقاع السلام الأبدي

نعمد روحينا المتعبتين بمياه المحبة

ولتذهب الحرب إلى مملكة هاديس.

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم