لم أكن أعرف أن قلبي حائط مبكى

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 82
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

هشام بن الشاوي

 إنه الشيطان الذي همس في خلاء دواخلي:  ستوقف سيارة الأجرة، سيسألك السائق عن وجهتك، وستقول له:  ” لاكارط اللي  كيصاوبو فيها الكوميسارية”. الشيطان يخلق بهجة خاصة، حين يسيطر عليك.. في لحظات الغضب، تتفوه بحماقات مضحكة، جعلت ذلك الشاب يطلب منك أن تعيد ماقلت لزميله، الذي عاتبك على إغلاق المحل، حين التقيتما  في دكان البقال:  “إنه العصر، دكانك ملتصق بمؤخرة الجامع، ولا تعرف ذلك… “.

هذا الصباح،  كان الملاك يئن وحده في قلبي. أحاول أن أبدو متماسكا، غير عابئ بهذه الخسارة الفادحة؛  في يوم واحد فقدت امرأتين. في لحظة ضعف إنساني شفيف، نسيتا دموعهما في قلبي، وكان الشيطان  يلهو معهما، مثل طفل صغير، ومهذب.

في دائرة الشرطة، طلب مني عدم استخدام الهاتف المحمول، فتمنيت  ألا تنهال رنات الإشعارات.  مزق صمت المكان الجليل مواء قط، فتذكرت  خوف الأمهات  في المستشفى العمومي من أن يسرق أي قط ضال  مواليدهن الجدد،  استحضرت قسوة  الممرضات وسوء معاملتهن  للأمهات، اللواتي على وشك الوضع. تلك القسوة  تختفي بمجرد أن يدس زوج إحدى الحوامل ورقة مالية في يد ممرضة، فتستعيد صفة ملاك الرحمة، نكاية في تلك اللافتة الكبيرة، التي تندد بالرشوة. 

كنت أرمق تلك البدوية الطيبة، كما لو كانت جدتي، وهي تتبرم من الانتظار، فأخبرت الشابة المجاورة لها باسمها: حليمة الشرقاوي.  بعد مدة، ستسأل هذه المرأة جارتها في تذمر خفي: (واش ماعيطوش على حليمة الشرقاوي)، بتلك اللكنة البدوية الدكالية المحببة، وشعرت برغبة في الضحك في مكان متجهم.

عند تسليم ملف تجديد بطاقة الهوية، سمعت الموظف  يقول لزميلته إن الأمر لا علاقة له بالجوع.. إنها السيبة (الفوضى). أدركت أنها نميمة صباحية تعليقا على حادث السرقات الغوغائية في ذلك السوق الأسبوعي.  لم أعلق، أنا مجرد مواطن تافه، لا يحق له أن يستخدم هاتفه المحمول في تلك الإدارة، ولا أن يشير إلى أنه تساءل في سردابه الأزرق  عن المصادفة الغريبة، التي جعلت هذا يحدث في مثل هذا اليوم، وربط بين الحادث وانتفاضة الخبز عام 1977م في مصر، التي وصفها الرئيس السادات بأنها انتفاضة الحرامية (اللصوص).

في مكتب البصمات، ستطلب من الموظف أن يصحح عنوانك البريدي بحذف ألف إضافية من كلمة (االبحر) وألف التعريف،  اللذان لفقا  للمضاف (القصر)، لكي تشكلا صورة  خيالية، لا علاقة لها بحي داهمه النباشون وتجار المتلاشيات: “قصر البحر”.   قال  لك الضابط إن البصمات ليست بصماتك، وهو يتطلع إلى  شاشة الحاسوب مستغربا، همست لنفسي: “لست مجرما، لكن قلبي  حجرة يتقاسمها شيطان وملاك، يسكنان معا، يتشاجران دوما. الشيطان غار من دموع المرأة، التي فاضت بين يدي الملاك ليلة البارحة، فأفسد كل شيء كالعادة”.

 طلب مني وضع الإصبعين مرة أخرى، قلت له إن السبب الكحول، لم أكمل الجملة..  الكحول الرديء، الذي كنت أستخدمه كمعقم، فكرت في بصمات القلب؛  نساء كثيرات عبرن – خلسة-  سراديب هذه الحجرة المهجورة، التي لا تغري أحدا بسرقتها، حتى لو تركت بابها مواربا؛ غرفة تؤثثها الدموع فقط.

بسبب الملاك والشيطان، تفقد الحياة معناها ومبناها. هذا الصباح، أشرقت شمس امرأة، انتظرت حولين كاملين أن تطأ عتبة محلك كزبونة.  اعتذرت لها بأنك كنت تبكي، سألتها عن غيابها، وصارحتها بأن هذا اليوم عيد. الشيطان المرح كان  يغط في النوم. الملاك كان يلعق ندوب قلبك هذا الصباح. الملاك لا يجيد سوى الكتابة، يتلعثم، تتبعثر كلماته، مثل طفل ضيع النقود في الطريق.  هذا الصباح، الملاك تفتت  تحت ضياء ابتسامتها ، وهو يترجاها ألا تغيب.

من قبل، طالب الملاك  بنصيبه من الفرح الهارب “ضحكة بصيغة MP4 “، واعتقدت – صديقة القلب الكسير – أن الشيطان يراودها عن براءتها، كان الملاك يتأبط ضحكات الشيطان، لم تكن تعرف أن الشيطان يحب أن  يلهو بعيداً  عن امرأة تدفن أحزانها تحت شجرة في حديقتها، الشيطان، مازال هناك.. يتساءل باسما:  هل نودي على حليمة الشرقاوي؟! الشيطان يريد أن يصيح: “واش ماشفتوش سروالي آ العيالات ؟!”، ويتمرغ ضحكا فوق تراب القلب.

.

البريجة، 21 فبراير 2022

 

مقالات من نفس القسم