كهرمان

كهرمان
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

رضوى داود

1

في الفصل، علمني الحيلة؛ من مقلمته أخرج مسطرة عتمتها الجروح، وقطع أخر صفحة من

كتاب الدراسات، طلب مني تحويلها لفتات صغيرة، ظل هو يحك المسطرة بكم البلوفر

الرمادي، بعدها بدأ السحر؛ طرف مسطرته يجذب فتات الأوراق وذرات تراب و.. شعري

الذي أصر على التمرد من ضفيرة صنعتها أمي.

كان يضحك على سذاجتي وانبهاري.. وأسئلتي التي ظلت بلا أجوبة.

 

2

في قاعة محاضرات، كانت تشرح لنا أساسيات النظرية الكهرومغناطيسية. مازلت أذكر؛

خطوط أقلامها الملونة على شرائح البلاستيك الشفافة، أذكر صوتها جيدا ينطقها..

“إلكترون.”

إلكترون .. الصغير المشحون صانع كل هذا السحر، كنت ألعب.. أقف على مسافة منه أحمل

داخلي شحنة صغيرة من السعادة الموجبة، وأحاول حساب قوة الجذب بيننا، أو نتوزع أنا وصديقاتي الجنيات الملونات، كل منا بما تحمل في توزيعات فراغية حوله، و أفكر في الصغير المنزوي في الركن، ترى ما مقدار القوة التي تقصيه؟؟ .. كل هذا يتم طبقا لـ “قانون كولوم” بالطبع.

3

أخرج من محطة المترو، أتأكد مرتين من العنوان، كتمثال من زجاج عتمت سطحه الجروح

أسير في شوارع الحي الراقي. أتردد أمام البناية قليلا ثم أدخل. داخل المصعد بأصابع باردة

أضغط على الزر جوار الرقم ٣، وفي المرآة أحاول تثبيت البسمة المرسومة بعضلات

مرتعشة. يرتج المصعد معلنا الوصول، فتتشنج عضلات وجهي راسمة تعبيرا لكل ما

يتصارع داخلي، من سعادة و ترقب و فزع. أنتقل من إضاءة المصعد الضعيفة لظلام شبه

كامل، تعتاده عيناي بعد دقائق قليلة، انتهزها في سحب جرعات كبيرة من الهواء، أنفس فيها

توتري. مترددة أمام بابين كصورتي مرآة.”نسيت أسأله عن رقم الشقة!” أبحث عن الهاتف

في جيوبي، لا أجده. أنحني على الأرض وأفتش حقيبة يدي، لا شئ.. أبحث مرة أخرى

داخل جيوبي وأتجاهل محاولات عقلي المستميتة، لرسم سيناريوهات سرق فيها هاتفي داخل

محطة المترو.. المرأة التي كانت تحمل رضيعاً لم تكن ملامحها تنبئ بخير.. الشاب الذي

اصطدم بي فسقطت حقيبتي أرضا، كانت ابتسامته غريبة بعض الشئ.. المرأة التي جلست

جواري وطفل في الحادية عشر يداعبها بجذب حقيبتها “ابنها .. بالتأكيد عصابة .. موبايلي

يا..” وجدته أخيرا في جيب الجاكت الداخلي!!

“أنا وصلت بس مش عارفة أني شقة”

ويأتيني رده “هاعرفك حالاً”

لم يتغير الديكور تقريبا، في الحقيقة لم ألتفت للمكان كثيرا، فقد فتنتني بيجامته الصوفية. لا

أذكر أخر مرة رأيت فيها أحدهم يرتدي بيجامة! أعرف أنهم ينتجونها في مكان ما على

الأرض، ولكن توقف الرجال حولي عن ارتدائها ببساطة.

لم يتركني فريسة الترقب أكثر من ذلك، فبمجرد إغلاق الباب خلفنا أخذني في حضن طويل..  ناعم جدا صوف البيجامة!”

بالطبع لم أكن أفكر في هذا وقتها..

كنت تائهة وسط صيغ متعددة لنفس السؤال، حائرة لا أعرف أيها أطرح وكيف و متى؟؟

4

في طريق العودة، استرجع دقائق اللقاء، كتمثال زجاجي يدلكه صوف الأفكار، تتراكم

الشحنات داخلي.. ممنوع من الخروج بتعليمات من الطبيب.. لن يمكنه زيارتي في القريب..

وليس من السهل سرقة زيارة أخرى لمنزله!.. سنكتفي بالمكالمات الهاتفية قدر الإمكان..

الحيرة تدور رأسي.. الحيرة تجعل الهواء يدور حولي مشحونا يحمل ذرات التراب وقصاصات الأوراق.. الفتات هذا ما يبقى لي دائما.. يلتصق بي الفتات.. تماما كمسطرة

عتمتها الجروح يدعكها طفل بكم ملابسه المدرسية..

5

تحت زخات الماء أستعيد “عطره”،” البيجامة الصوفية بلونيها البني والأزرق الكاروهات، “رائحة المصعد وإضاءته،تراب الطريق من محطة المترو لمنزله، ملامح المارة عبر دموعي، صورة لزوجته وصغيرته في إطار نحاسي على الطاولة الصغيرة بينا، نظرات بواب العمارة المستريبة.. أغلق صنبور الماء.. صورتي في مرآة المصعد.

بأقدام مبلولة وبرنس الحمام، أسرع للمطبخ وأعود بكيس أسود مخصص للقمامة، أجمع فيه

ملابسي الملقاة على أرضية الحمام.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم