رحاب إبراهيم
نتجمع في بيت العائلة
نحن المحظوظون الذين يُفلتنا الزحام من المراقبة
بينما فرحة الكبار بثرثرتهم المسترخية
تغفر لنا الكثير من الأخطاء التي ما كانت لتغتفر في الأيام العادية
كان الليل ممتدا فسيحا
حين ينام الأهل
نصبح ملوك البيت
قادة المطبخ وحرّاس الشرفات
نتراهن على من سيبقى مستيقظا حتى مطلع الشمس
لسنوات طويلة لم أكسب الرهان
يتساقط الصغار عادة في البداية
أخيرا وقبل المراهقة بقليل استطعت أن أبقى للنهاية
كنا ندخل ونخرج للشرفة كالعسكر ينتظرون اللحظة الحاسمة
نتفقّد الشمس بالتناوب
وما إن تبدأ السماء في التلوّن قليلا إلى الأزرق البارد
حتى ننشغل فجأة !
في النظرة التالية تكون أشعة الشمس الذهبية قد ملأت السماء
ننظر لبعضنا بغيظ
غافلتنا الشمس مجددا
نعقد العزم بجدية على ألا نضيع الفرصة في اليوم التالي
نظل مترصدين
نجبر عيوننا على أن تظل مفتوحة عن آخرها
ثم نرمش للحظة
نغفو
نتذكر نكتة
أو موقفا سيئا في الفصل
فتغافلنا من جديد
لم أستطع أبدا أن أمسك تلك اللحظة السحرية
التي تمتلئ فيها السماء بالنور
هكذا اعتدت أن يأتي الفرج
وهكذا تعلمت ألا أنتظره بعيني
في الحظر
تدفقت حياتي السابقة من ثقب في السماء
لتصبّ في قلبي مباشرة
استعدتها كاملة في لحظة
لعبت الشرفات والنوافذ دور البطولة في حياة كان كل ما فيها هادئا
إلا الأمنيات!
كل شيء كان بطيئا
الناس في الشوارع
برامج التلفزيون
جرس الفسحة
البطء الذي بدا مستفزا حينها
قبل أن تنقلب علينا الحياة
نقفز من النوافذ لشوارع وطرقات لا تنتهي
جولات غير مبررة ولا ضرورية التهمت حياتي
بحثا عمّا لا أعرفه
والذي ظننت أنني سأعرفه حين أراه
أخيرا عُدت إلى النافذة
أتذكر طقسا قديما قِدم الطفولة والصبا
الشاي والشرفة وأم كلثوم
اعتاد أبي أن يجلس صامتا لساعات طويلة
حتى يهبط الليل
أحيانا ظننت أنه يخبّئ شخصا ما
يُخرجه ليتحدث معه
لأنه من غير المعقول أن يظل إنسانا صامتا كل هذا الوقت يوميا
نحن الذين كنا نريد أن نكبر بالكلام الكثير
الكلام الذي سوف يدفع صخرة الأيام الثقيلة ويحملنا للشباب والحرية
كنت أحيانا أختبئ
ربما أرى هذا الشخص
جنيّا كان أو إنسيا
يكفيني أن أسمع ولو همسة واحدة
لكني لم أره أبدا
احتجت لسنوات طوال حتى أدرك الشخص المجهول
الذي كان يتحدث معه منفردا
ويحاوره بلا صوت
ويعقد معه اتفاقات ويبحث عن حلول
كان الحوار الأصعب على الإطلاق
وكان يخبّئه ليحافظ عليه من تبدّل الأيام