قلبك أبيض!

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 15
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. رضا صالح

 اتجهت عيناى إلى صفحة المياه ، ونحن على قارب النزهة الذى  وعدت به زوجتى ؛ أمسكت زوجتى بالفنجان  بعدما انتهت من قهوتها هزته وقلبته على الطبق لتحرك الذبالة العالقة به، قالت  وقد اتسعت ابتسامتها :

– أنا لا أومن بالبخت .

– وما الداعى لقولك هذا؟

انقلبت سحنتها ؛ ردت بعصبية ظاهرة:

– تذكرت وأنا صغيرة هذه السيدة العجوز ؛ التى تربطنا بها مودة وصلة قربى؛ فقد تعودت أن تزور أمى من حين لآخر ، يحتسيان القهوة سويا ، كنت أحيانا أقلدهما ؛ بعد أن فرغ فنجانى؛ أمسكته السيدة  نظرت إليه مدققة ؛ وقد اكتسى باطنه باللون الداكن الذى لم يترك مكانا لبياض ؛ حركت الفنجان بين أصابعها ؛ واتجهت بعينيها ناحيتى قائلة :

– قلبك أسود !  ؛ ولم تكمل القراءة !! .

قلت لزوجتى ضاحكا:

–  من أبلغها بذلك ؟

اتجهت بنظرها إلى البحر ، كانت الريح تحرك القارب ؛ ظل يميل  يمينا ويسارا ، عبثت بنا الأمواج ، أمسكت زوجتى بأهدابي خوفا وفزعا .

بدا عليها عدم الارتياح ؛ وكالعادة أوقعتنى فى الفخ ، قالت وقد اكتسى وجهها بكآبة مباغتة :

– هل تعتقد فى هذه التخاريف؟

حافظت على ابتسامتى قائلا :

– أحيانا !!

—***—

 سحبت نفسا من سيجارتى ،  بالأمس كنت قد عرفت بمحض الصدفة ؛ أن زوجة خالى محجوزة بالمستشفى ؛ فقد اتصلت به لأشكره على فرصة العمل التى وفرها فى شركته لحسام – أخو زوجتى – ، كان حسام يريد الاتصال به أو الذهاب إليه ؛  و جاءنى – منذ فترة- لأتوسط له فى هذا الطلب .؛ اتصلت بالخال – وهو صاحب شركة تجارية – عرفت أنه يحدثنى من داخل المستشفى ، تساءلت :

خيرا..

رد بصوت مرهق:

 فى إحدى المستشفيات التخصصية

قلت بقلق:

لماذا؟

زوجتى تقوم بعمل بعض الفحوصات ؛ وسوف تجرى لها عملية جراحية

رددت بإهتمام ملحوظ:

لا بأس عليها ؛ سوف نكون قى زيارتكم قريبا .. 

                                                    —***—

 نظرت إلى الأفق وإلى صفحة المياه الرائعة ، قلت لزوجتى  :

زوجة خالى مريضة..

تحرك هواء الصيف ، ورفرف خمارها؛ فداعب وجهى بأطرافه ؛ بعد فترة صمت وجيزة قالت :

هل سمع خالك عن حادث السيارة الذى حدث لأبننا شادى منذ عامين ؟

قلت :

لا أذكر أننى أبلغته ..

قالت غاضبة :

لا تذكر ! هل سأل عنك ؟ هل يسأل عن أولادك؟

قلت صائحا :

مهلا مهلا !!الحمد لله أن الحادث مر على خير … ما الذى فكرك بهذا الكلام الآن ؟

قالت :

ألست تقول إن زوجة خالك مريضة وستدخل غرفة العمليات ؟

نعم .. وماذا فى هذا ؟

هم يسارعون فى إبلاغنا بأخبارهم السيئة ؛  وإذا حدث العكس ؛ فلا نرى منهم  شيئا !

                                                      —***—

تذرعت بالصمت والصبر ؛ بحثت عن رد يطفىء فورة الشياطين التى تطل برؤوسها ؛ ارتفع صوتها تدريجيا وزادت عصبيتها؛ قلت مهدئا :

لم يطلب منك أحد شيئا ؟!

قالت:

خالك سارع  بإبلاغك بمرض زوجته

قلت:

لقد عرفت بمحض الصدفة كما قلت لك, نسيت أن أقول إنها ربما تجرى الجراحة بالمنظار ..

التقطت زوجتى الخيط وقالت :

المنظار أصبح سهلا ؛لا يعتبر عملية ، ولا داعى لتضخيم الأمور ..

أردفت وهى تحدق فى :

لا داعي لأن تجعل من الحبة قبة ؛ المشرحة لا ينقصها قتلى ..

***

صاح البحر مزمجرا- مرة أخرى – بأمواجه الهائلة ، تدافعت المياه إلى سطح القارب ؛أصيبت زوجتى بالهلع والرعب ، تناثر رذاذ المياه على وجهينا ؛ بعد قليل كان يضربنا بعنف ، ظل القارب يسير الهوينى تتدافعه الأمواج  ؛ فجأة سكن سطح المياه ، تعجبت من أسرار البحر ؛ جاءني هاجس قوى ؛لابد أن البحر يحس بنا ؟ 

على الأفق؛ وفى حضن الجبل ؛ كانت تبدو شعلة مصفاة  البترول ، واكتست صهاريجها  باللون الفضى اللامع و انعكس عليها ضوء الغروب ؛ تركزت عيناى على شعلة النار التى- على مدى السنين-  لم يخمد لها أوار ؛ ظللت ساكنا والقارب يشق الماء ؛ تطلعت إلى جبل  عتاقة صامتا، مازال يحوى أسراره ، متحليا بالصمود ؛ بالرغم من الأخاديد العميقة التى اجترحت  فى جسده ؛ مناجم وكسارات وحفارات لا تهدأ ، تعمل ليل نهار بالبلدوزرات والديناميت وخلافه .. لا يشعر أحد بآلام الجبل وجروحه النازفة .

حمدت الله على السلامة ، قامت زوجتى من جلستها؛ متجهة الى الداخل  ؛ حاملة صينية كانت مليئة بقشر اللب والبندق واللوز،الذى ظلت منذ قليل ؛ تقزقزه ، حتى اقتربنا من الشاطىء “.

مقالات من نفس القسم