في لندن…

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

راجي بطحيش*

في لندن لا يمكنني الكتابه وفق رغبة قاريء وفيّ لي...ومتخيل..قاريء هو خليط من كل ما سمعت من إطراءات وملاحظات في حياتي معجون على شكل كائن واحد أشبه بالجان الذي يرافقني أنّى حللت وفي كل زاوية أقع فيها متورطا ..أو عاشقا

في لندن لا يمكنني الكتابة ككتابتي عن عاصمة أوروبية جميلة بمقاه حالمة وانعطافات شوارع تنزف عذوبة لا تحتمل مما يثير الغيرة والحقد الشرق الأوسطي المنكوب بمدنه الإسمنتية القبيحة التي لا ترحمها الشمس ولا الأغبرة ..

في لندن أهرب من حصار ذاك الجان الذي يرافقني ملتصقا بي حتى في أدق اللحظات حميمية و..و وحشيةَ..أهرب منه عبر الزقاقات الى الجادات العريضة وأسجن نفسي داخل حجرات تبديل الملابس ..

في لندن لا حالة نفسية محددة …لا حالة نفسية أصلا..لا شعور يمكن إعرابه بدقة .فإذا كنت في منطقة “السيتي” تشعر أنك في مركز العالم بحق أو أنك دمية داخل لعبة ليجو هي تصغيرا حادا للندن  كنت قد اشتريتها لإبني قبل هذا بشهر ..أما إذا كنت جنوب شرق النهر وأبعد فإنك قد تشعر (وبحق) بأن أحدهم طردك من العالم بأسره وسجنك داخل العدم والقى بالمفتاح في مجرى قناة المانش القريبة…

في لندن أشعر أنني كاتب فاقد للإيحاءات وبأنني سطحي وتافه…ثم يتغير ذلك فجأة في بؤرة أخرى …

في لندن يقول لي صحفي صديق..لا تقلق! شارع أوكسفورد قريب.. قريب جدا من هنا ونايت بريدج أقرب أما ساوث كينسنجتون فهو أقرب وأقرب…إذا لماذا أشعر أن كل شيء بعيد..بعيد وغير متاح (حسيا على الأقل ) الى هذه الدرجة …

في لندن …أصل الى استنتاج خطير وحاسم وطالما تجاهلته ..أو كنسته تحت السجادة كما تقول الأمثال السامية ..فأنا مدمن على شراء الملابس والأحذية …نقطة.

في لندن..تبا لتلك الحوانيت التي تقفل في السابعة والنصف مساء (عز الظهر) أضطر في جلسة مثقفين هامة أن أخترع كذبة … آسف لدي لقاء آخر ذا طابع ثقافي سري وفي الطرف الشرقي من المدينة ..أخرج مبكرا وأهرول الى الحوانيت الحبيبة لأضاجعها بقوة..ثم أنتشي..

في لندن..(ليس كما في باريس) لا يسألك أحد من أين أتيت ..يظهر أن الجميع غرباء…

في لندن تصبح  الناصرة طاولة في بار أو مطعم في حي ترندي-trendy  أعيد اكتشافه من جديد بواسطة الشبان الباحثين أبدا عن زاوية جديدة أو ناحية منسية يمكنها ان تتحول الى ركن ابداعي وأزيائي في المدينة العظمى..

في لندن يمكنك ان تستعير كل رقعة ترغب وتحولها الى أية إحداثية أخرى بحيث تفقد شعورك بالمكان الأصلي بعد حين..نجتمع ثلاثة نصراويين على طاولة (يا للكارثة)..نستعرض الأسماء والفضائح التي لا تبخل بها علينا أبدا المدينة الصغيرة: من تزوج من؟ من تطلق؟ من خان من؟ من خانت من؟ ماذا حدث لذاك وماذا حل بتلك..من مات ..من يحتضر..من أصيب بالسرطان..من ضبطت زوجها مع أختها..من تحول جذريا منذ أيام المدرسة وأصبح أهم..من ذبل منهجيا منذ أيام المدرسة بحيث أصبح شبحا..من أجرى جراحة لتحويل الجنس؟.. ثم عن الزيجات المختلطة، وجرائم القتل الأخيرة وعن تلك التي سافرت الى الولايات المتحدة وعادت بعدها بعامين تحمل طفلا على كتفها ..تدعي أن أباه مات ..وعن طبقتنا الآخذه بالتآكل والهرم وعن المدرسة قبل عشرين عاما وأكثر … عشرون عاما..يا الهي الى هذه الدرجة ..كبرنا!

في لندن التقي بكتاب وصحفيين وشعراء ومفكرين عرب في الصحف ومحطات التلفزة ومقاهي إدجوار رود…هنالك هالة غريبة على رؤوسهم لا يمكن تفكيك مكوناتها ..هالة عجيبة لا يمكنني شرح ملامحها..ببساطة..

في لندن أسأل كل شخص عربي ألتقيه (شبه مازحا) إن كان من حزب الله ويسعى من خلال لقائنا هذا الى تجنيدي!!

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم