في حياة سابقة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 17
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

طارق هاشم

في حياة سابقة

كنت أعمل بائعاً للكتب

كل صباح

تصافح يدي

يد ديستويفسكي

تعصرها

كما يعصر البحر

أرواح السفن

كنت أحصي الكتب

كما يحصي الأطفال

الأيام السابقة على الأعياد

بقلق ظاهر.

ذات صباح

لم أجد كتاب (فن الهوى) لأوفيد

كان مهووساً بإحدى الروايات

في المكتبة المقابلة

لم تكن المرة الأولى

التي وجدوه قابعاً في حضنها

کهارب من معسكر للتعذيب

صاحب المكتبة

الذي اتهم (ألبير كامو)

بسرقة فن الهوى

أقسم أنه سيطردني

إذا ما رآني

اقرأ (فن الهوی)

في ترجمته الكاملة

قال إنه سيفسدني

وسيكون سببا مباشرا

في طردي من المكتبة

كنت أرص الكتب

كمصابيح غامضة

كانت الساعات تمر

كغريب

فقد جواز السفر

بينما

كان (كونفوشيوس)

يترك قهوته

لعابر آخر

كم مرة

سمحت لي الظروف

أن أبكي بين يدي (فرجينيا وولف)

كم كانت حادة المزاج

وهي تعد إفطارنا

في المرة الأخيرة

كانت

كقسم وقع من صاحبه

حين راهن على محبة خائفة

ساعتها أخبرتني

أنني كسول

وغبي

صارحتني هكذا دون مواربة

بأنني

لا أصلح لهذه المهنة أصلا

نهرتني بدعوى أنني اخدع الزبائن

اتهمتني بالتجسس على سيرتها

حين لمحت في يدي

كتاب (كوينتين بل)

ابن شقيقتها

(فرجينيا وولف) سيرة حياة

قالت إنني قتلت قطتها اللطيفة

صنعت كل ما كان من شأنه

أن يجعلها تلقي بنفسها في نهر (أوز)

لمجرد أنها شاهدتني

أعرض مذكراتها للبيع

بثمن

هي نفسها قالت

إنه ضعف ثمنها

آلاف المرات

کم صرخت في وجهي

أنت لص یا (طارق)

وتركتها دون أن أخبرها

أنني أصنع ذلك

حتى يمتنعون

وتبقى روحها ترفرف

على الأرفف

كملاك صغير

حين وبختني

أمام أكثر من قارئ

أحزنتني لأيام

إلا أنني ظللت صامتا

كي لا تفضحني

حروفي المتقطعة

كمدينة بلا أثر

كنت أخشى أن تكشف سري

أن تعرف أنني جئت إلى هنا

كخطأ قديم

كعار لا يزول

كطير

مارس كل الأشياء

سوى أن يطير

لم أشأ أن أخبرها

أنني رجل عادي

رجل

وأحبها

أحب صباحها

حين يعبر أمام غرفتي

أحب قهوتها

وهي تصافح القرفة

بطيبة استثنائية

أحب حتى (صوفيا)

خادمتها الرؤوم

حتى شعرها الأعزل

أحبه كثيرا

قطتها الرمادية

وهي تمشي خلفها

كجندي

تخلف عن حرب غير عادلة

كي يحرس جبهتها

أحب كل أشيائها

إلا أنني لا أحب أن أبيع الملائكة

نعم

الكتب كالملائكة تماما

حين يبكون

الكتب يمكنها أن تبكي

وتضحك

إلا أنها آثرت الصمت

حتى لا تفضح من كتبوها

لم تفش سر توترهم

وانكماشهم

من أجل جملة لا تأتي

هكذا اختارت

أن تموت بسرها

في ظل أرفف

لا تعرف حتى أسمائها

أنا فاشل

یا (فرجينيا) الحبيبة

فاشل

لأنني لا أبيع الكتب

ولا بد لي

أن أترك هذا المكان

المكان

الذي أودعوني فيه

حتى لا تكون جدتي

قد ماتت

دون أن تجد لي

عملا يأويني

هي أفنت حياتها

من أجل ذلك

كانت لا تعرف

أنني أكره أن ابيع

بلزاك

وروسو

وطه حسين

وكافكا

هكذا ببساطة

حين مرضت أمي

بعت الأعمال الكاملة لديستويفسكي

کي أشتري لها تذكرة الطبيب

كل ما فعله ديستويفسكي طوال حياته

لم يضمن لأمي

أكثر من مقعد صغير

في عيادة بائسة

ونحن عائدون

أودعتها السرير

وعدت أبكي

كطفل أخفوا لعبته

أمام صاحب المكتبه

متوسلا إياه

أن يجعلني أبحث داخل (الأخوة كرامازوف)

عن إخوتي الذين فقدتهم

من ساعتين تقريبا

الذين سبقوني

إلى مدينة

ربما لم أستطع اللحاق بها

ودون أن أدري

تذكرت (جروشكا)

فصرخت كالمجنون

كيف هانت عليك

كيف ساویت

بين حنانها العادل

وتذكرة الطبيب

الآن فقط

أدركت

لماذا تركتني دموعي

لتلحق بها

لتودعها

وداعها الأخير

الجميع خذلوني يا (فرجينيا)

ولم يعد لي سوى قلبك

الذي لم يرد بابه

في أي زمن كان

 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم