فاروق جويدة : لم أعد أفرق بين ما أكتبه فى القصيدة وما أكتبه فى المقال

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورته : عزة حسين

الحديث إلى الشاعر فاروق جويدة، يدفع غالبا إلى الحديث فى قضايا كثيرة قد تكون من فرط عموميتها بعيدة عنه لكنه يعتبر كلا منها قضيته الشخصية، ذلك لأنه صار متوحدا بشعره وقلمه مع هموم الإنسان المصرى وصار جزءا منه. فى حوارٍ لم يخل طوال الوقت من الشعر والإيقاع.. تحدث إلينا الشاعر   حول أغلب القضايا التى شغلت ولاتزال الشارع المصرى فى الفترة الأخيرة، وعلى رأسها قضايا انتخابات الرئاسة المقبلة والتوريث والملف الإخوانى والنقاب، وانتخابات اليونسكو وجوائز الدولة والبطالة وفساد الأنظمة وغيرها من العناصر التى ننفرد بنشرها فى الحوار التالى، وإلى نص الحوار:

< الزحف الروائى على جمهور ومكانة الشعر، سقوط القضايا الكبرى، فساد المناخ الثقافى والعام، أى هذه الأسباب مسئول عن تأخير ديوانك الجديد وتباعد الفترات ما بين دواوينك الأخيرة؟

ــ مبدأيا: لأسبابٍ كثيرة أنا ضد ما يطلقه بعض أصدقائنا النقاد من إكليشيهات تدعى انتهاء زمن الشعر وميلاد زمن الرواية لأنه لا توجد حيثيات تؤكد ذلك، هذا المصطلح الذى انتشر بعد فوز «محفوظ» بجائزة نوبل وأدى إلى تصور البعض بأن الرواية قد اكتسحت باقى الفنون أنا ضده على أكثر من مستوى، ذلك لأن الشعر يعد أقدم وأسبق الفنون العربية جميعا، وإذا كانت لدينا قامةٌ روائية متفردة كنجيب محفوظ، فلدينا أيضا قامات شعرية كثيرة بحجمه وتحازيه، ابتداء بالمتنبى والمعرى وانتهاء بأحمد شوقى وغيرهم من القامات.

وعلى الجانب الآخر مازال الشعر هو الأكثر مواكبة وتعبيرا عن الأحداث، فما زالت قصائد «نزار قبانى» تعبر عن قضايا وهموم الإنسان العربى، مازال «محمود درويش» و«سميح القاسم» رموزا لقضية العرب الأولى (الصراع العربى الإسرائيلى)، ومازال هناك شعراء كبار أفنوا حياتهم فى الساحة الشعرية بكل التجرد والإخلاص. وحتى على مستوى التواجد التجارى وتوزيع الكتب كمقياس شعبى لجماهيرية الفن فإن الصدارة للشعر الذى تبيع مطبوعاته ملايين النسخ، وعموما فإن قيمة الإبداع ودوره وتأثيره مسألة يحكمها الزمن، ولا يستطيع شاعرٌ أو روائى أن يكون صاحب رأى نهائى فيها، فلا نعلم إطلاقا من أين يأتى التأثير وما هى حدوده ومساحته.

< إذن هل تقدم العمر السبب فى تأخر ديوانك الجديد؟

ــ ليس العمر ولكن لكل مرحلةٍ ظروفها ومكوناتها، ومراحل العمر والإبداع لا تتشابه.

 

ولكننى بالفعل مقل فى كتابة الشعر فى السنوات الأخيرة، ربما بسبب هموم الصحافة وظروف الحياة، أصبحت أعيد حساباتى مرات كثيرة مع كل قصيدة جديدة، وأصبحت القصيدة تأخذ منى وقتا أطول وقراءة أطول ومعايشة أعمق.

 

< دائما هناك اقترانٌ ما بين تجربتك وتجربة الشاعر الراحل «نزار قبانى» فهل يزعجك ذلك؟

ــ لا يزعجنى ذلك. فنزار كان صديقى، وكنت من محبيه على المستويين الشعرى والإنسانى، وربطتنى به علاقةٌ طيبةٌ لسنوات، لكن مفارقة ظهورى فى عصر كان يتسيد هو مشهده الشعرى، وارتباط كل منا بقضايا الحب والمرأة، بالإضافة إلى جماهيرية تجربتينا هو المسئول فى رأيى عن هذا الارتباط، وذلك رغم الخلافات الجوهرية بين كلا التجربتين، وأن كلانا يمثل جيلا مغايرا ورؤية مغايرة، فليست المرأة عندى كمثلها عند «نزار»، وكذلك ليس الحب لدى كمثله فى التجربة النزارية، لذا استطعت أن آخذ مكانا بجواره على ساحة الشعر.

 

< ولكن «نزار» كان أكثر تصالحا منك فى تقبل وممارسة الأشكال الشعرية الأحدث كقصيدة النثر، بينما تتخذ أنت موقفا عدائيا من هذه القصيدة ورائدها «أدونيس»؟

ــ على المستوى النقدى أنا لست ضد قصيدة النثر ولا شعرائها، ولكن لأسباب كثيرة لا أحب أن أكتبها، وأحسب نفسى على تيارات شعرية أخرى، أكثر اهتماما بالصورة الشعرية و باللغة والموسيقى. وللصدق فقد فكرت بالفعل فى كتابة هذه القصيدة لكننى لم أتوائم معها، ولم أقتنع يوما بكتابتها وإن كنت أقتنع بأن بها العديد من النماذج الجيدة كالشاعر «محمد الماغوط» الذى توقفت كثيرا أمام تجربته، أما «أدونيس» فأحسب أنه منظر عظيم وقارئ جيدٌ للتراث، لكننى أختلف كثيرا مع تجربته الشعرية.

 

< رغم غزارة إنتاجك إلا أنه لا يوجد اهتمام نقدى كافٍ لماذ؟ و هل تعتقد أنك مسئول عن هذا؟

ــ إلى حدٍ ما ليس هذا صحيحا، فقد كتب عنى الكثير من النقاد الكبار من أمثال شوقى ضيف ورجاء النقاش وعلى الراعى وصلاح فضل وأنيس منصور ومحمد عنانى وغيرهم، كما أن هناك اهتماما كبيرا بتجربتى على المستوى الأكاديمى، حيث كانت هذه التجربة موضوع 12 رسالة جامعية من بينها اثنتان هذا العام. ولكنى أعتقد أن المناخ السياسى وانقسام المثقفين والتكتلات الشللية كان لها تأثير كبير فى تقييم تجربتى كشاعر، وسوف يجىء الوقت الذى تجد فيه تجربتى التقدير المناسب.

 

< بمناسبة المثقفين أنت دائم الإدانة لهم فى مقالاتك و أحاديثك الصحفية والاتهام بالعمالة للغرب أو النظام.. فلماذا تتحدث باعتبارك منفصلا عنهم؟ ألست أحد هؤلاء المثقفين ؟

بالطبع لست منفصلا عنهم، على الأقل بحكم العمل والنشاط والمشاركة. فأنا مسئول عن الأقسام الثقافية فى أكبر جريدة عربية منذ سنوات «الأهرام»، وهذا يجعلنى فى قلب المشهد الثقافى، وعلى المستوى الإبداعى أنا أكتب الشعر والمسرح وأكتب مقالات تنتقد الحياة الثقافية، وعلى المستوى الشخصى تربطنى علاقات قوية بعدد كبير من المثقفين بكل أجيالهم، لكننى أختلف مع المناخ الثقافى والسلطة الثقافية، ولأن للسلطة الثقافية مثقفيها لذا أبدو كما لو كنت على خلاف مع المثقفين أنفسهم.لابد أن نفرق ما بين سلطة الدولة الثقافية والمثقفين الذين ينقسمون بدورهم ما بين الانحياز للسلطة ومعارضتها، وأنا من الفريق الثانى الذى يعتقد أن الثقافة المصرية على المستوى الرسمى تعانى مناخا سيئا للغاية، وأن العشرين عاما الماضية شهدت أسوأ مراحل العمل الثقافى، لذا فإن الجماعة الثقافية التى شاركت فى هذا هى التى على خلاف معى، فهم يرون أن هذا المناخ عظيم وجيد و«يطبلون له»، وأنا أرى أنه مناخ سيئ وفاسد، ووضع مصر فى مشاكل كثيرة على المستوى الثقافى والفكرى.

 

< ولكن ماذا قصدت بقولك إن خلافات موظفى الحكومة قد انعكست على الثقافة والمثقفين والذى استشهدت فيه بحال وزارة الثقافة دون توضيح؟

ــ كنت أقصد أن أشير إلى انفصال العاملين فى المؤسسة الثقافية الرسمية عن المثقفين والشارع المصرى، ذلك لأن الحظيرة التى صنعتها وزارة الثقافة ووضعت بها بعض المثقفين كانت على حساب المناخ الثقافى كله، والدور الثقافى المصرى وكذا دور المثقفين فى الشارع، وفتحت أبوابا كثيرة لتسلل منافذ ظلامية إلى العقل المصرى، الذى صار بفعل هذه التجربة أسوأ مما كان عليه.

 

< ما تقييمك لنتائج جوائز الدولة الأخيرة والتى سبق وأن لوحت بكونها مجرد صفقات ما بين الحكومة وبعض المثقفين؟

ــ أعتقد أنها فى أحيان كثيرة وصلت لمستحقيها وفى أحايين أخرى ضلت الطريق، وبعضها كان يمثل تحديا لإرادة الشارع المصرى خصوصا هذا العام.

 

< تقصد فوز «سيد القمنى»؟

ــ أنا لا أقصد أحدا. وعموما حتى لو لم تتدخل الدولة فى توزيع هذه الجوائز فإن هناك من المثقفين من سيقوم بهذا الدور نيابة عنها والنتيجة واحدة.

 

< لكنك حصلت على إحدى هذه الجوائز فلماذا لم ترفضها مادام أن هذا هو رأيك فيها؟

ــ لم أفكر أبدا فى رفضها، أنا لا أرفض تقديرا من مصر لأنها أكبر منا جميعا، وأنا أخذت الجائزة من أول تصويت، واعتبرت ذلك تقديرا من الحياة الثقافية التى رأت أن مشوارى يستحق.

 

< هل أزعجك فشل «فاروق حسنى» فى الوصول لليونسكو؟ وما تقييمك لأداء مصر ومرشحها فى هذه المعركة؟

ــ رغم خلافاتى مع وزير الثقافة إلا إننى كنت أتمنى أن ينجح فى الوصول لليونسكو، لكننا للأسف أدرنا المعركة على طريقة انتخابات الحزب الوطنى وليس طبقا للقواعد والمعايير الدولية، بينما اليونسكو ليست كانتخابات مجلس الشعب والشورى التى تؤخذ بالأغلبية الساحقة.

 

< الآن لا يمكن الفصل والتفريق ما بين «جويدة» الشاعر الرومانسى والكاتب الثائر صاحب المقالات الجدلية هل يشعرك ذلك ببعض الانقسام؟ وهل تفضل مناقشة الأفكار الملحة شعريا أم نثريا فى مقالاتك؟

ــ طوال عمرى وأنا مقسوم بين هموم وطنى وأحلام شاعر. وللأسف سرقتنى هموم الوطن من أحلامى وسرقت منى أحلامى أيضا. لم أعد أفرق بين ما أكتبه فى القصيدة وما أكتبه فى المقال لأننى فيما يبدو توحدت مع هموم الإنسان المصرى وأصبحت جزءا منه. عشرات الرسائل التى تصلنى يوميا من شباب محبط تجعلنى أنحاز لهذا الواقع القبيح، فنحن نستحق وطنا أفضل، وحكومة أفضل، وحياة أكثر إنسانية. وهذا كله يشغلنى الآن إنسانا ومواطنا وشاعرا.

 

< ولكن هذه المقالات جرت عليك الكثير من المتاعب، خاصة مقالاتك عن إهدار أراضى الدولة، حدثنا عن أشد الأزمات التى تعرضت لها بسبب آرائك؟

كان أشد هذه الأزمات عندما دخلت المستشفى بسبب إحدى مقالاتى وقضيت وقتا فى غرفة الإنعاش، لقد أتعبوا قلبى حينها وكان أجمل ما أملك.

 

< وما حقيقة إصرار د.«نظيف» على استبعادك من المجلس الأعلى للثقافة؟

ــ لا أعتقد أن «أحمد نظيف» يمكن أن يفعل ذلك. الخطأ لم يكن فى مكتب «نظيف»، والموقف لم يكن يخص الرجل وهذه شهادة منى بذلك، ولكن الخطأ فى وزارة الثقافة. أحمد نظيف رغم خلافى مع سياساته وكثير من مواقفه ولكنه رجل أكبر من ذلك.

 

< لك موقفٌ متحفظٌ من قضية الاحتكاك بالدين حتى فى الإبداع.. ولكن ما رأيك فى تيارت الإسلام السياسى؟

ــ أنا رجل مسلم أحترم دينى وكل فكر يعبر عن هذا الدين، لكننى ضد خلط الدين بالسياسة.

 

< هل تشجع قيام حزب للإخوان المسلمين؟ وهل تشجع وصولهم للحكم؟

ــ لا، حزب دينى فى مصر سوف يفتح علينا أبواب كثيرة، وسوف يتطلب قيام حزب قبطى، وآخر نوبى، وحزب ثالث بدوى وغيرهم، فنحن فى مصر خليطٌ من البشر جمعت بيننا أشياء أهم كثيرا من التوزيع الفئوى والجغرافى، ومصر كانت دائما وطنا للجميع.أما بالنسبة للحكم فلا أمانع أن يحكم مصر أى شخص، مادام أنه جاء بانتخابات حرة نزيهة. من يريده الشعب فهو على رأسى، إخوانيا كان أم قبطيا أوحتى بدويا أو نوبيا.

 

< فى رأيك ما وجه الشبه بين قضية مروة الشربينى التى هاجمت فيها عنصرية الغرب ضد المسلمين والصراع الأخير ما بين شيخ الأزهر والمنتقبات؟

ــ لا علاقة بينهما على الإطلاق، وأنا شخصيا دافعت عن شيخ الأزهر، فنحن لدينا هموم أكبر بكثير من مجرد النقاب لكن صار المناخ المصرى يهتم للأسف بقضايا كثيرة خارج السياق، وينشغل عن أزمات وقضايا لها الصدارة.فأى عبث فى أن تتحول قضايا المجتمع كله إلى صراع بين مؤيدى ورافضى النقاب بينما العشوائيات والقمامة والفساد المالى والإدارى قد وصل إلى حد الخطر؟!

 

< ألا يمكن أن يكون ذلك مقصودا بغرض الإلهاء الجماهيرى مثلا؟

ــ هذا وارد جدا. فبعض القضايا المطروحة فى تقديرى لا تستحق، ونحن فى الوقت الذى نخوض فيه معركة النقاب، كانت سيدةٌ إسرائيلية تحتفل بحصولها على جائزة نوبل فى الكيمياء.

 

< فى أحد كتبك «هوامش حرة» افترضت أنك رئيسا للوزراء واقترحت بعض الإصلاحات التى كنت تراها ممرا لخروج مصر من كبوتها، الآن والمسألة مطروحة لماذا لا ترشح نفسك لرئاسة الجمهورية؟

ــ هوجة الترشيحات الآن لرئاسة الجمهورية مادة صحفية ظريفة، جميلة، ومسلية، ولكن هذا الكرسى بالذات له حسابات خاصة جدا، وعلى الشارع المصرى أن يدرك جيدا المقولة التالية: «إلا هذا المكان». وأنا أعتقد أن الرئيس «حسنى مبارك» هو رئيس مصر القادم.

 

< ولكن البعض يعتقد أن مصر ستمر بهدوء نحو التوريث ؟

ــ قلت لك الرئيس «مبارك» هو رئيس مصر القادم، وليعتقد البعض ما يشاء فهذا حقهم.

 

< أخيرا ما هى أفضل توقعاتك للمستقبل السياسى والإبداعى لفاروق جويدة؟

ــ أتمنى قبل أن أموت أن تتحقق بعض أحلامى لهذا الوطن. سكن محترم بلا عشوائيات، وشارع نظيف بلا «زبالة»، وعقل أكثر استنارة، ومناخ أكثر حرية، وشعب يحب وطنه «زى زمان».

 

< وعلى المستوى الشخصى؟

ــ أحلامى الشخصية قليلة جدا الآن لأن مطالبى قليلة، فلم أسع فى يوم من الأيام أن أكون صاحب ملايين وكنت أستطيع، أو صاحب سلطة وكنت أستطيع، أو أكثر شهرة وأيضا كنت أستطيع، لكننى اكتفيت بقناعاتى وحب الناس وما يمليه على ضميرى.

مقالات من نفس القسم