عُبُور الأَبْنِيَة التي غَمَرها الطَوَفان

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 78
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نصيف النَّاصري

إلى شريف رزق

 

1

عدتُ مِن الريف وفي جيب بنطالي أوراق

عُملة مُجعّدة. يتوجَّبُ علي أن أبتعد عَن كُلّ

الذين يضمرون لي الشرّ.

هَل بمقدوري النوم تحت الشجرة قبل تفتّحها؟

محاولة لابتداع حيلة في الخلاص مِن الذئب

الذي يلاحقني الليل والنهار.

تتداخلُ في المدينة الأصوات ويتحرَّاني اللصوص.

البعض منهم يفصح عَن المِدية التي يتأبَّطها

ولا يجتهد باقفال خزانة شرّه.

أدركتُ الميت المُغرّد قبل أن ينزل القبر

وسرتُ معه أُلمِّعُ الشواهد المغمضة للمال.

لم يقُل شيئاً لكنَّني هجست انَّه يرغب في

أن أكبو ليواصل الطريق وحده.

 

 2

 تَطويباً لبَعض مَن تَوفَّوا منهم وراحوا يَتَجلَّون

في الأصائل. سوَّغنا لأنفسنا فكرة تخليدهم.

الالهي لَهُ الإجلال والامتياز الأول لَدينا ولا

نقصيه أثناء اللعب في الأعياد.

ديمومة نُحمّلها بالوثائق

والضمادة التي ندخرها

الى لحظة جرح التوأم،

الخير والشرّ.

بعض الأقوام تَتَرَدَّدُ في عبور

الأبنية التي غَمَرها الطوفان،

ولا تَتَفقَّد الله بَين الخَرائب.

ملاك يحمل مطارق وَيُكسِّرُ

شَجرة هرمة في درب الغابة.

اعتدنا رؤيته يهرول خلف

كبار السنّ ويغتبط بوقوع

البَعض منهم. شَمَلْناه برعايتنا

وأوقَدنا لهُ النار حين تساقطت

ندف الثلج.

3

مَوت فَرد ما مصدرٌ نَسْتَمدّ مِنه كيفية التَنقّل

مِن الرَبوة الى الهاوية. كان المَوتى قَبل زَمَن

الطوفان، تنجيهم مِن الفراغ أعمالهم الحسنة

وَلا يَستَوي الشرّير مِنهم بالآثم.

بَعدهم أضحَت كلّ

نطفة عرضة للزَوال

وخلَت الأرض مِن

أريج المُخلَّدين.

لماذا أنذَرنا الله

انَّنا ينبَغي أن نفنى وَوَجَّه

الينا تُهمة العناد؟

4

مُرتَدياً مُدَّة قصر العُمر انضمَّت إليّ الجموع

المُفرطة في الفَزع. تَجنَّبْتُ الكُلّ

ونَزعتُ الحزام وعاودتُ

وضع الدهان فَوق رأسي.

مأ أضأل حياة البَشَر.

اذا توفَّى المرء يخفي أهله عَنه،

طربهم وسرورهم ولا يكتَرثون

بعيشه في الأبنية غير المُحتَشمة.

5

أنجاني فَضل الله مِن القَتل في الحَرب

لأحبّكِ وأروي عطَشكِ. يَتَداول البَعض

أمر تَملّككِ لي، ويَفوتهم انَّني ابتَليتُ

بمحبّتكِ قَبل أن أُولد. لا يَتَعرَّف الهارب

مِن طَيش القنبلة الى محبوبته، إلاَّ اذا

تَبَرَّم مِن كلّ كفاءة وخاف المَوت. أنا

كُنتُ مُتَبرِّماً وأفزعُ مِن النذير المرتجَ

لبوق الدبَّابة. لَم أرض لنفسي أن أجازف

بانتهاك المحظور، وَفَتَنتْني الأحلام التي

رأيتكِ فيها تَمْشين وفوق رأسكِ رفّ مِن

الطيور تَنقر الذَهب.

6

تَجمَّدَت الأشجار في الدروب الداخلية للمَدينة،

وكنتُ أحمي الحجارة التي أستخيرها قَبل

الذهاب لملاقاة البَعض مِن ذوي القُربى.

أحياناً أُؤدي طقس الشفاء مِن السأم في

الأمكنة المقصوفة، لئلا أضطرّ الى الاساءة

للشخص المُعّمر وهو يَغزل وينسج قطن

قلنْسوَّته. خلال عبوري الجسر مَع العصافير

اقتَنصتُ أكثر الظباء شَباباً وحسَبَني البَعض

أن بامكاني تخصيب ثَمرة الطمأنينة.

احْمرَّت الذُّرى المُتصدِّعة لوجهي بسبب

البَرد، ودرتُ حَول نفسي أحاولُ النأي عَن

القبائل التي تتغذَّى بكراهية الغبطة المحمومة.

كنتُ أحدسُ وأنا أُدخِّنُ الحشيش آن مجيء

الغُرباء، انَّهم ألقوا عَنهم أعباء انطباعاتهم

حَول نعمى المَوت. خاب فألي ونجم عَن ذلك

انَّني أكلت سنبلة مَوتي قَبل نضجها 

7

كُلّ ميت في الأرض هو أنا ولا أستطيع أن أتجرَّد

مِن احساسي بالنَدم على انتمائي لزُمرة الفانين.

الرَغبات تَزولُ إلاّ الرَغبة في المَوت، ويتعذَّر

دائماً ازاحة التشاؤم مِن جنحة القدوم الى ظلمة

العالم. هذا التباين بَين عُمر

الحجارة وعُمر الانسان،

يُولِّدُ لدي الحَسرة وميراثي

قليل مِن الأيَّام.

8

غطَّى رَماد البركان الأرض كُلّها وتنفَّست الخليقة

تنفّساً غطيطاً. يتطلَّبُ العَيش برفاهية أن نتخلَّص

مِن التبعيّة للفَزع، وأن نَرمي دائماً الفوط مِن على

رؤوسنا الدائخة. كُلّ مكان في العالم قَبر، إلآّ شَجَرة

الرحم، والبحر يرغمنا على الغَرق مِن أجل ما فيه

الخير لَنا. لجأتُ مَع الآخرين الى أجمة النهار أضمِّد

جروحي، ولَم أحترس مِن بكاء الأثداء المقطوعة

للأيَّام. أغنتني صخرة ممتلئة بالملح عَن ما فقدته في

شَبابي، وعدتُ الى المنزل مغرماً بسعار مَرضي.

9

 يَجوزُ للفَرد غير المُتيقّن مِن انفصاله عَن ذاته،

أن يتحقَّق مِن وجوده ويتجرَّد مِن عاطفته في

حلم البقاء بحظيرة الراحة.

أبغض شيء الى الله، فزع الفاني

مِن التماثيل المُجسَّمة للديدان التي

تلتهمهُ منذ أوَّل لحظة ينزل فيها

الى قبره. لملاقاة ميت وسؤاله

حَول وثوقه مِن عَودته الى دفء

منزله، تنبغي الاطاحة بكُلّ

الأنظمة المعرفية للبشرية.

تضمَّنَت وصايا الذين ماتوا

وعادوا الى ذويهم قبل عهد

الطوفان، الأحداث التي ضمنوا

فيها تحقَّقهم مِن سرعة زوالهم.

10

بَعض الأجناس نالَت مِن الآلهة النصيب العظيم

مِن الغُفران، وانبَعَثَت مِن قبورها الأفياء النادرة

لاستراحة الأحياء. احتضْنتُ لحظة مَوتي التي

تزأر واختلطتُ بغرقى الطوفان، أطالبُ بقسمتي

مِن الارث. استبعَدني أكثر مِن ملك وذهبتُ أتلمَّسُ

ضياء الشَمس مَع المعزولين والذين استقاموا في

حيواتهم. نُفسِّر اعتقاد الغرقى بجدوى غرقهم، على

انَّهُ مكافأة لَهُم في صيانة ذواتهم مِن التلف.

عبرة لَنا نحنُ الذين نعدُّ أيَّام مَوتنا تحت

المطرقة الضخمة للعته والفهاهة.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project