عن التجربة

عن التجربة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

جمعة الموفق

عادة أمشي في الطريق أو في منتزه عام، عند البحر..في المقهى..أو أجلس بين أصدقاء تافهين أو رائعين أو أياً كانوا، وأينما ذهبت كنت وحيدا وكنت مرغما على الحديث إلى إنسان أكرهه و أراكم عليه أخطائي، ثم متضامنا معه. وهو أمر فرضته العزلة وليس سهلا أبدا قول إن "التجربة مرة" في الغالب أكون أنا هذا الإنسان وعادة ما أخرج من حديث كهذا بتلف كبير ..عطب لا أعرف له علاج..انزياح داخلي وقلق يستمد وجوده من صراع سري بيننا نحن الاثنين كإنسان واحد بضدين ..

يأتي الله في المقام الأول..مبعث قلق..بأديانه ورسله وكتبه وكل شروط إيمانه، بما هو حق وما هو باطل، كنت صغيرا حين طرحت سؤالي الأول: أين الله؟ لماذا لا نراه؟ الأسئلة التي طرحها كل الصغار ونجا أغلبهم من شرورها..وعلقت القلة في قلق الوجود..أنا ضحية هذه الأسئلة..ضحية الله بمعنى أدق.

كان للدين أن يردع هذا القلق ويطمس هذه الأسئلة البريئة..لكن لا شيء من هذا حدث..ظل السؤال معلقا في الفراغ..مثل أنشوطة في انتظار عنق ما

بطريقة ما كان البحث عن الله أو التواصل معه هما روحيا ..قلق حارق ..ودعونا لا نتحدث عن الجنة والنار كإشكالية فرضتها نظرية الثواب والعقاب بكل تداعياتها على سلوك الناس..والتي قادت إلى كوارث في حق الإنسانية حتى تاريخ هذه اللحظة.

كان لابد من مواجهة السؤال المخيف..في الصوفية يتحدثون عن الذوق كوسيلة تواصل مع الله التي ليس أقل شروطها القلب الصافي..أنا لم يكن لدي هذا القلب..ثم كانت الخمر ” يبدو مضحكا هذا” لما فيها من غياب للعقل ..ظننتها في لحظة ما قد تكون وسيلة للتواصل مع الله..ولا شيء من هذا حدث..لا شيء..

يصف الصوفيون الفقهاء بعلماء الرسوم/ الظاهر..أظن بعد التأمل الطويل في سؤال الوجود..والتجربة المريرة التي مرت بها الصوفية مع المؤسسة الفقهية الرسمية” تجارب مريرة يحفظها التاريخ للحلاج والسهروردي وغيرهم”..أجد نفسي مخلصا في الاعتقاد أن الصوفية هي أنظف الطرق لله..بل وأروعها على الإطلاق.. من دهشة وذهول ..ثم يأتي الشعر أيضا قرين الدهشة..ماذا لو وصل الشاعر بخياله المحض إلى دهشة الله..أظن أن الشاعر ساع دؤوب إلى هذا الرغبة الكامنة في التفاصيل..الدهشة لا الشيطان..بهذا يغدو الشعر رؤية مؤلمة ومعقدة ونتاج تحول عبر الزمن من مجرد نظم أو ترصيف قواف إلى قلق وحالة وجودية ترسم ملامح العالم وتنتقده بقسوة ..لا أقصد الصواب..بل اتحدث عن الانتهازية..عن السوق الذي دمر الإنسان..عن الحروب التي بلا معنى..عن تشويه الجمال والحرية..

الحال، في الطريق إلى الله منزوعا بين رغبتين متضادتين ..أتناوب عذاباتهما ولوعة الوصول المستحيل..ثم الركون إلى لا شيء..

كان الشعر طريقا ثالثة ..حيث كل تعبير هو انعكاس حقيقي وجاد نحو ما كنت أريده وما أنا عليه الآن..اقصد ما اورثنيه البحث الذي أجرؤ وأقول لا شيء غير السخط وإن بقى شيء ما منعزل وبعيد فهو ما أسميه الإيمان الذي ظل نقيا..جوهرة مغلفة بالسفالة..هكذا أحب أن أصفها..

التجربة مكلفة في ظاهرها والحصاد ليس وفيرا..هل هذا يلخص الكثير ..طبعا لا..هذا لا يمثل أي قيمة بأي حال..لأنني اجد نفسي مخلصا في اعتقادي أن الله ولا شيء غيره قد أدمى قلبي ثم جعله يابسا ، محتفظا لنفسه بألين مكان فيه..إنه حتما هناك بلا تجسيد وبلا وصف..غني عن القول إنه يربكني الآن….

منذ أن سألت سؤالي الأول عن الله قبل أربعين سنة..لايزال السؤال مطروحا بحسرة ولا جواب حتى اللحظة..وهو سؤال مع مرور الوقت يمسي سوطا وأداة تعذيب..يحتاج الشاعر أن يكون صوفيا ليكمل تجربته..ليصل أخيرا إلى سريره منهارا وينام أو في أحسن الأحوال يموت!!

 

مقالات من نفس القسم