علي قطب
في القصة المعاصرة يحل الخيال مكان الواقع فيخرج السرد من خانة التاريخ التي شغلها كثيرا ويصبح كائنا قائما بذاته يحاصر الذات ويتحول إلى نصير مخيف مهما تنوعت عوالمه، هذا ما يسيطر على مجموعة بيت الشيخ حنا لمينا هاني.
يدخل القارئ أجواء متخيلة مكتوبة بصيغة المضارع في معظم الأحيان وكأنها لوحة تحيط بشخصيات القصص وتستغرق المتلقي داخلها، لقد انزاح الماضي من صيغة السرد وأصبح الحضور الطاغي لحالة من التخيل القاسي في سبع قصص تتعامل مع الزمان من خلال المكان، فإما أن تأخذ الشخصية إلى العالم الآخر كما في البر الغربي أو إلى منتصف القرن الذي لم يأت بعد لتصبح الشخصية مبرمجة في لعبة وتخرج منها إذا فكرت في التصرف ولو مرة واحدة بإرادتها كما في قصة جالا، أو تتعرض الأرض لانفجار شمسي في خيال علمي أصبح منذرا بخطر يفوق الواقع وذلك في قصة وهج، أو ينتهي زمن الآباء والأجداد لتتشتت أسماك زينتهم ولا يستطيعون التشبث بها فكأن حياتهم في الحوض الزجاجي للزمن الآمن القديم أصبحت نوعا من الذكرى البعيدة كما في قصة صائد أسماك الزينة، أو ننظر إلى الحاضر من نافذة المستقبل فلا نجد ما قدمناه لنلتمس منه عونا على اغتراب يتخذ صيغة أبدية فيعادل الخروج الأول من الجنة كما في قصة الصورة الصوفية لـ 2018. أما القصة التي حملت عنوان المجموعة فتطرد الشخصية من البيت وهذه تيمة مكررة تدل على الخوف من التيه والضياع وتماثلها قصة ثمن الخبز التي تصور أزمة الذات وهي تواجه الإرهاب.
عند القاص مينا هاني يحدث حذف للواقع المألوف أو يصبح هذا الواقع كائنا غريبا في مقابل اندماج الذات داخل حلم به قدر كبير من الغنائية أو وجودها داخل رحلة تشبه الألعاب الرقمية ويكتب لها النجاة إذا قاومت إحساسها بالخوف أما إذا سيطرت عليها مخاوفها فتكون النتيجة تحطمها في عربة الرحلة.
داخل الحلم الغنائي هناك مناجاة تستحضر امرأة المستحيل التي تكاد تعادل إيزيس في الثقافة المصرية، تتوجه إليها الشخصية بمونولوج شعري تعلن فيه عن أشواقها الفردية والقومية والإنسانية الشاملة تعويضا عن فقدان الأم الواقعية في حياة الشخصيات التي يبدو كأنها تعايش نوعا من اليتم الدائم والفقد الذي يصعب التعبير عنه، يتجلى ذلك منذ أول قصة البر الغربي حين تموت والدة آدم الأبكم رمز الإنسانية التي تواجه مصيرها وهي فاقدة القدرة على التعبير المعادل لإحساسها الداخلي وهي من القصص الجميلة التي تتميز بشعرية مرهفة مع أنها تأخذ الشخصية في النهاية إلى البر الغربي في مركب متهالك يشير إلى أزمة الروح البشرية التي تكاد تكون مصابة بالهرم أو بالشيخوخة فتسير في طريقها إلى العالم الآخ متلقية قدرها المحتوم.
في قصص مينا هاني الإنسان معذب بخطيئته الأولى ومهدد بأخطار محدقة كونية واجتماعية ونفسية، بل أن خياله ذاته يكاد يكون واقع في أسر مخاوف طقسية لأنه لا يستطيع أن يتجاوز البيت الشعوري المحمل بمرجعية التجارب المتراكمة داخله على مر تاريخه الحضاري.