حسين عبدالرحيم
لم يبق منه إلا زوايا ضلوع مهشمة وخيال مآتة كان يفزع القريب قبل الغريب، وتشهد زراعات القصب في مدينة العدوان، وصفعه على وجهه شاباً، لن ينساها وليدا يحمل كل سماتة: عظام وجهه، عصبيته، سمار البشرة التي هزمت شموس المغيب في قرى الدلتا، أغنية لمطرب أعرج ومرح ذاب لحم جسده في عشق راقصات الحانات القاهرية قبل يوليو وبعد الهزيمة، جلباب مكوم على حبل غسيل في ليل طويل، بصقة في وجه كل من يناديه بالكاسر..!! وهو يتطاير في فضاءات أزمنة وصوت رياح ووجه انحشرت فيه الأزمات، والغل خمد وتبددت ثوراته على الدين الطيب.
أبي ؟!
أيها العزيز، أيها الطيب، الشرير، الصابر حتى عتبات الهلاك،، أيها اللابد تحت جلدك. منذ تسعين عاما، كم عاما عشت منذ ميلادك في طلاسم التاريخ والزمن.
لم أعد أضحك منذ أن خرست، من غروب يوم العيد قبل الماضي لم يعد يضحكني شيئا منذ وقوعك وكسرك، منذ العام الفائت،، عندما طرشت عيناك بالدموع في ظللام الردهات عند عتبات ثكنات النور، كان انفراط الجسد وصار كل منا حينها، يسأل عن صورته وهو واقفا بين الفجر ووجه الصبح، أمام قسم شرطة الميناء القديم ينظر عربة تحملني، لا. تحمل شقيقي الأكبر نسبيا بشعره المهووش وعذاب عيني الكليلة تفتش عن مسار أمي في سكة بلا عودة. ابتعدت كثيرا عن عزبة النحاس وتركت الزقازيق وسعادة وجدها عرابي باشا الذي أضحكته ابتسامة الخيول وقت اصطخاب الموج قبل قارة اخرى. كانت ترسم الونس على إطارات الكاوتشوك التي تطن في بلاد لاتعرفنا إلا بأصوات الفزع وجلجلة الفراغات في أرديتنا الشتوية التي لم تزل تعاند الزمن رغم تسللها وتركها دولاب العائلة الذي مللت البحث عنه.
أبي، حسن:
سآتي اليك قريبا محاولا كبح جماح عواطفي ورومانسيتي الجياشة لأبكي على عظام صدرك المتآكل فهل أعددت نفس بصفحات مرايانا لنحدق سويا في ملامحنا.
لعلها تكون الفرصة او اللقاء الأخير لتفسير تساقط الدموع القليلة في منتهى ضحكاتنا بسسخرية عن ماهية وجدوى عبث الأقدار ومهد البناء