حلم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 45
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

كنت ولم أزل ما بين الأبيض والأسود.أتقلب في فراش وثير، بلا أرض ولا عنوان، خارج الزمن الفعلي للحلم بلا سكن أسأل عن عنوان الكائن. وصوت موسيقى لعلي إسماعيل، تمشي بالخيال وذاكرتي لزمن ما مضى، مابين الابيض والأسود، وسط سحابات رماد ثلجية ورحبة. لأراني وقد عدت صبياً، وضفدع يئن وسط زرعة البوص، وامرأة شقراء في صحراء خالية، تحلم بالحب وقد سطر على جبينها العهر ككذبة ومطلب درامي لمخرج يعشق التلون الميلودي في فيلم تراجيدي خمسيني، بحسية شائنة، خوف ورغبة وعشق لمجهول حتى آخر العمر.

في عينيها ألم ولوعة وحسرة. بلا حدود لشخص واحد، رأته في الحلم قبل الواقع، فتركت حواسها للريح لتدفعها في قلب خريف بعيد. يتواءم وشكل الحلم بفتاها العاشق الخائن. لم أتبين لماذا أتيت، ولم أسال نفسي مثل كل مرة، لماذا أتيت لنفس المدينة، ولماذا فصل الخريف. لم تعد تلك الأوهام الخارجة من فمي عقب نفس من سيجارتي تلهمني إجابة ما..ولا حتى صوت البحر . ولا مسار خطواتي. ركضي منذ عقود قرب البحر، لم يعد الهدر يؤنسني ولا الصخب يزعجني ولا الغرقى يرعبونني، كل ما فكرت فيه هذه اللحظات، لماذا أغلق المسجد عندما قصدته وحدي بعد مروري على قضبان الترام في طريقي لأبي العباس المرسي، ولماذا دائما ما آتي بعد الغروب ولماذا هذه المرة، تولد البنايات قبل سيسل بهذه الأريحية والنكران ويتطاير الغبار وأنا منهك، أترنح بلا وجهة، ثلاثون عاما، أربعون، خمسة وأربعون، وتيارات الهواء تجرفني لهناك، كروليون ومتروبول وسيسل ونفثة مصدور لا يعي أين المسير، ولكنه نداء الليل.

كل يوم، كل ليلة. تبتعد المسافات ويبقى صوت القضبان. الوشيش والهدر وماكينات تصهر الخريف إلا من بقايا ونس قرب عربة الدرجة الثالثة. سيجارة في الظلام، نقطة نار أعلى فم المسكين الذي لا أعرفه، الشحاذ، مبتور الساق، المختبئ خلف ركاب ال في آي بي، تذاكر.، في الظلام، لم يات ليلي بعد.

رغم مرور العقود، رغم سفر محمود، وهروب حسين الصومالي، وهجرته، تركه لبلاد الساحل وترديده الدائم في وسط الليل في اول العرب بعد أن ينسطل ويخرج من قهوة الضاحي يهذي: (مش عارف أبويا يقولي أمك صومالية الأصل. لكن أنت ولدت هنا.. اعتبر نفسك لاجئ ؟!. قرب البحر ، مش عارف يعني أنا مصري ولا صومالي ولا سكندري)، يهذي، وأنا أتأمل ملامحه في الحلم، في الذاكرة، وقد وضع يده على صدره ليشخر للمارة فيفرون من أمامه، كانت خطاي تحاول الخروج من الغفوة، فاراني وقد سلكت نفس الطريق أبحث عن غريق، حدثني بعد منتصف ليلة غاربة، كنت وقتها أدعو لأمي بالسلامة والشفاء والرحمة في الحياة أو الموت، يكمل الهذيان وتدق الساعة الرابعة.

عبر شاشة فضية أخرستها من أجل الزوجة الجديدة التي كلما تمددت في سريري حسبتها ماتت للأبد، خرجت من سريري، في الظلمة على صوت مبحوح، ذاب الطالب وبقت الشاشة مضاءة ومدون عليها اسم المتصل: من محمود متولي؟، أو محمود أحمد متولي، مقهى على كيفك، أدعك عيني، محاولاً التركيز، أتبين موقعي مابين الواقع والحلم وما كنت اجتره عن رفقاء رحلتي الطويلة في بلاد البحر، محمود يمشي وحده، شبه سكران مابين طولون ونبيل منصور، وأنا أبرز النقود الورقية، وأمي تجلس في البدفورد على كسرى، في يدها ساعة ذهبية وكيس محلاوي محشو بالنقود موضوع مابين الإبط والثدي الأيمن، وأبي ينزوي في مقهى الشكربالي مع التعلب و حسن سليم والريس عنتر الديب ومحمود الهارب من الثأر في اأيوط يرفع بالة الترفيرا على كتفه الايسر وصلاح عماشة الساعي بوكالة الشرعان يناوله بالة الجرسيه ويسندها على الكتف الأيمن، ثم يداعبني وأنا أقطع تذاكر الذهاب من محطة الباب الحديد..أسمع الصفير وقت الخروج من الشارع المزدحم، من دنيا الماضي العتيد.

بلا حنين. لا رغبة لي فيه، أحاول إستبيان الزمن، أحداثه، دلالة ما أو موقف، حدث ما قد جرى في زمن معلوم. بلا إشارة واحدة تعينني على التذك، بلا ذاكرة. بلا طائل، بلا دلالة، كان سريري معلق مابين السماء وأرض تتهاوي من تحتي.

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال