د. خالد عزب
حلب لؤلؤة وضاءة في جبين الأمة، وهي من أقدم مدن العالم، لا تزال مزدهرة زاخرة بالحياة. وإن جمالها ليزداد هي مر الأيام والأزمان، تقع حلب على مفترق الطرق التجارية الكبرى، وعلى حدود البادية وتمتاز باحتفاظها بكنوزها الأثرية الإسلامية. مدينة صمدت أمام الغزاة وقاومت، دمروها فنهضت وعادة أقوي مما كانت عليه، في الحرب الأخيرة تعرض تراثها للتدمير، لكنها ستعود أقوي مما كانت عليه، تراثها مادي واللامادي ينبيء عن شخصية قوية عركها الزمان وأحزنها فكانت البهجة روح أهلها المقاومة للظلم.
تسمية المدينة:
وردت حلب في عدد كبير من النصوص الأثرية، ففي لارساو اسمها الآن سنكرة أثران يرجع عهدهما إلى 2036- 2047 ق.م جاء في الأول: «إلى عشتار الحلبية أناوردسين ملك لارسا» وجاء في الثاني «عشتار الحلبية: ابنة البكر»، والرقم الأثرية تذكر حلب بأسماء متقاربة في اللفظ: ففي الآثار المصرية تذكر باسم «حلبو»، و«حلب كو»، و«حللبون». وفي الآثار الحيثية تذكر باسم «حلب» و«حلباس» و«حالااب»… إلخ.
ويعتقد عبد الفتاح رواس قلعة جي أن مدلول كلمة حلب لا يخرج عن كونه مكان التألب والتجمع أو مكان القلب وعلى هذا تكون الكلمة:
- إما مركبة من كلمتين، أ، حل وتعني نزول القوم وهو نقيض الارتحال ولها المدلول نفسه في العبرية إذا أبدلت اللام نونا وهو إبدال معروف في العربية وسائر اللغات السامية، وفي البابلية لفظة قريبة من حل هي (إلى) وتعني المدينة، (ومثلها في الأكدية “ألو” وفي اللفظتين أبدلت الحاء همزة)، ب – لب وتعني التألب والتجمع، والقلب، وقد وردت في العبرية والسريانية والأكدية بمعنى القلب.
وعلى هذا يكون معنى حلب هو مكان التجمع والتألب أو مكان القلب وكانت حلب مكان القلب والتجمع بين ماري وإيبلا وكركميش ومابوغ واوغاريت واراسا وكانس وأراباد، وكانت المركز الديني الأول وقبلة المدن الأخرى بمعبودها الشهير الإله حدد، والمركز التجاري الأكثر أهمية.
- أنها تحمل معناها وتركيبها الأصلي فقد جاء في القاموس المحيط: حلب القوم حلبا وحلوبا اجتمعوا من كل وجه. وقاموس اللغات العربية القديمة (السامية) غير منقطع عن قاموسها الجديد، وعلى هذا تكون أيضاً بمعنى التجمع فهي الواسطة بين مخاضات الفرات والبحر، وبين ممرات طوروس وجنوبي سورية وطريق مصر كما أسلفنا.
إن أقدم ذكر لحلب يعود إلى ماقبل القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد، وفي عهد ريموش بن سارغون الأكادي 2530- 2515 ق.م، مؤسس أول إمبراطورية سامية في الشرق، لقد استولى ريموش على حلب وأسر ملكها أو شومكال، وكانت آنذاك مدينة مزدهرة قوية.
حلب عبر العصور
كانت حلب عاصمة مملكة يمحاض الأمورية في فاتحة الألف الثاني ق.م، وهي من أعظم ممالك الهلال الخصيب. وكانت لملوك حلب سطوة كبرى تشبه سطوة ملوك السلالة الأولى البابلية. وقد أرسلت مملكة حلب جيوشها كثيرة العدد لمساعدة الملك البابلي المشهور حمورابي.
وعقدت معاهدات صداقة بين حلب وبابل وماري (تل الحريري حالياً على الفرات قرب البوكدال). ويدلنا على سطوة مملكة يمحاض وقوة سلالتها الأمورية الحاكمة، أن عشرين ملكاً كانوا تابعين وخاضعين لها.
وهاجم الحيثيون “حلباً” في منتصف القرن الثامن عشر ق.م فقاومت هجومهم وانتصرت عليهم بادئ ذي بدء، ولكنها ما لبثت أن خضعت إليهم، ودخلها الملك مورشيل الأول فاتحاً، وخربت تخريباً شنيعاً انتقاماً لما أبدته من مقاومة، ونفي عدد من سكانها إلى حاثوشا (عاصمة الحيثيين)، وقتل كثير من أبنائها. وظلت تحت نير الحيثيين حتى منتصف القرن السابع عشر إذ استعادت استقلالها عنهم، ولكنها ما لبثت أن خضعت للميتانيين الذين حكموها حتى سنة 1473 ق.م واستولى عليها بعد ذلك المصريون الفراعنة لفترة قصيرة. وكانت في القرنين الخامس عشر والرابع عشر ق.م تقع تارة بيد الحيثيين وتارة أخرى بيد الميتانيين.
ولكن الفاتح الحيثي شيبلوما فتحها وأصبحت مملكة ذات أهمية يحكمها ملوك من السلالة الحيثية الكبرى، وقد خلف ملكها تليبينو ابنه تلمي شروما، وبقيت المملكة الحلبية تحت السلطة الحيثية حتى سنة 1200 ق.م. إذ انهارت المملكة الحيثية تحت ضربات الشعوب الآتية من الشمال والتي سميت بـ (شعوب البحر).
أصبحت حلب قاعدة لمملكة صغيرة آرامية مستقلة إلى أن فتحها سلمنصر الثالث في سنة 853 ق.م. ثم استولى عليها في عهد تغلا تفلصر، وبقيت تحت سلطتهم حتى انهيار دولتهم في سنة 612 ق.م. وخضعت حلب بعد ذلك للحكم البابلي الحديث لمدة قرن تقريبا. ثم دخلت في حوزة الإمبراطورية الفارسية الأخمينية وبقيت حتى سنة 333 ق.م حيث فتحها الاسكندر الأكبر المقدوني.
ودخلت، بعد وفاة الاسكندر في حوزة قائده سلوقس نيكاتور مؤسس السلالة السلوقية، فأعاد إليها مجدها ورممها وجدد بناءها وسماها (بيروة) تخليداً لاسم مدينة بيروة المقدونية، وسكنت “حلباً” جالية مقدونية كبيرة أتت من بيروة فأصبحت من جديد إحدى المدن السورية الكبرى. واحتلها الأرمن لقليل من الوقت في عهد ديكران الكبير. ثم فتحها الرومان سنة 64 ق.م على يد قائدهم بومبه، وقد ازدهرت في عهد السلم الروماني وكانت في العهد البيزنطي أبرشيه كبرى. وغزاها في سنة 540 م الفرس الساسانيون وخربوها وحرقوها وإن لم يتمكنوا من فتح قلعتها. ولكن الإمبراطور البيزنطي جستنيان رممها وبناها وحصنها.
الفتح الإسلامي لحلب:
فتح المسلمون «حلبا» في سنة 636م بقيادة أبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد. وازدهرت حلب في العصر الأموي والعصر العباسي، وحكمها في القرن 4هـ/10 م بنو حمدان، وبلغت ذروة مجدها في أيام سيف الدولة الحمداني، وكان له فضل كبير في قيادة الحروب التي دارت رحاها بين المسلمين والروم. وقد غزا هؤلاء في عقر ديارهم، في قلب الأناضول، ولكنه غلب على أمره أخيراً، واستطاع نيقفور فوكاس غزو حلب، فخربها تخريباً شنيعاً وإن لم يتمكن من قلعتها، وقاد كثيرا من سكانها أسرى حينما غادرها، ثم عاد إليها سيف الدولة فرممها وأسكن بها سكان قنسرين عوضاً عن سكانها الأصليين الذين أسرهم الروم. وكان سيف الدولة يكرم الشعراء والكتاب والعلماء، ومن أشهرهم الشاعر أبو فراس الحمداني و أبو الطيب المتنبي.
ثم تناوب الحكم على حلب العبيديون في سنة 306هـ/ 1015م والمرادايسون سنة 315هـ، 1024م والسلجوقيون سنة 475هـ، 1086م. وحين زحف الصليبيون على سوريا واستولوا على أنطاكية سنة 492هـ/1098م سعى رضوان أمير “حلبا” السلجوقي، مع سائر الأمراء المسلمين إلى استعادة أنطاكية. فلم يفلح. وقد حاصر الصليبيون حلب مراراً وفرضوا الجزية عليها. ثم استعان الحلبيون بعماد الدين بن زنكي أمير الموصل الذي قبل اعتلاء عرش حلب. ونجت هذه في عهده من الكابوس الصليبي. وخلف نور الدين محمود والده وتكاثرت انتصارات المسلمين على الصليبيين وتمكنت جيوش حلب من أسر كثير من رءوس الصليبيين والروم ومن بينهم بودان الثاني ملك القدس، ورينودي شاتيون أمير أنطاكية، وجوسلان كونت اديسا (الرها – اروقه).
وحكم “حلب” بعد وفاة نور الدين ابنه، ثم آلت إلى صلاح الدين الأيوبي الذي وضع أخاه حاكماً عليها. ثم أعطاها إلى ابنه الملك الظاهر غازي. وكان هذا من أعظم ملوكها ومصلحيها. فقد رمم أسوارها وحصن قلعتها وجعلها مركزاً له ولبلاطه.
وخلف الملك الظاهر ابنه الملك العزيز ثم الملك الناصر الثاني يوسف، وقد استولى المغول في عهد الأخير على حلب بقيادة هولاكو وذلك سنة 658هـ/ 1260م. وقد أحرقها هذا وسبى سكانها وتمكن من قلعتها بعد حصارها ووعده باحترامها واحترام من فيها. ولكنه قتل حماتها وخربها.
وخرج المغول من حلب بعد انتصارات المماليك عليهم في عين جالوت وحمص. ورمم الملك الأشرف قلاوون المدينة والقلعة. وما لبث المغول أن عادوا إلى حلب واحتلوها في عهد تيمورلنك سنة 804هـ/ 1401م، وهدموها وأحرقوها ودمروها من جديد، ولكنهم لم يمكثوا فيها طويلاً. فعاد إليها المماليك ورمموها وظلوا فيها إلى عام 922هـ/1516م.
ودخلت حلب في حوزة العثمانيين بعد معركة دابق – شمالي حلب – وظلت خاضعة للعثمانيين حتى سنة 1247هـ/ 1831م، حيث استولى عليها إبراهيم باشا بن محمد على باشا والي مصر. وظلت خاضعة للحكم المصري حتى عام 1256هـ/ 1840م، وعاد إليها العثمانيون من جديد بمعونة الدول الأوروبية وعلى رأسها إنجلترا وروسيا والنمسا وظلوا فيها إلى آخر الحرب العالمية الأولى. وحينئذ دخلت في حكم الأمير فيصل بمساعدة الحلفاء. ثم خضعت مع المدن السورية للحكم الفرنسي منذ عام 1920 حتى عام 1946م حين نالت سورية استقلالها.
أسواق حلب:
عرفت حلب بأسواقها المتنوعة التي سميت بأسماء الحرف والصناعات التي كانت قائمة في المدينة ومنها سوق النحاسين وسوق العطارين وسوق الحدادين، سوق البن، سوق الجمال، سوق الحرير، سوق الحصارين، سوق الخابية، سوق الخشابين، سوق الخضرية، سوق الخيل، سوق الزجاجين، سوق الصباغين، الذين كانوا يقومون بصبغ الأقمشة، وسوق الصرماتية ويسمى القوافخانة، وتصنع في هذا السوق وتباع الأحذية الحلبية التقليدية والمعروفة باسم الصرماتية، وتكون حمراء أو صفراء. وسوق الصياغ، ويوجد في حلب سوقان للصياغ، وفيها الآن عدة أسواق للصياغ. وكانت نتيجة ازدهار التجارة أن انتشرت الخانات بحلب ومن أشهرها خان السبيل وخان الحرير وخان استانبول، خان الشوربجي. وكثرة الخانات في حلب دليل واضح على ازدهار الحركة التجارية.
المنشآت الصناعية:
بلغت العديد من الصناعات ذروتها وروعتها ودقتها في مدينة حلب خلال العصرين المملوكي ثم العثماني. إن ما تدلنا عليه الآثار الباقية وسجلات المحكمة الشرعية وأوقاف حلب يؤكد أن المدينة شهدت في العصر العثماني نشاطاً صناعياً مكثفاً خاصة في صناعة النسيج، بلغ هذا النشاط ذروته في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ويعود ذلك إلى موقع حلب على طرق التجارة وانفتاحها على السوق الكبير للدولة العثمانية. كان يوجد في حلب في بداية القرن التاسع عشر 12 ألف نول نسيج و100 مصبغة بالإضافة إلى قائمة طويلة من المنسوجات المتنوعة منها، منسوجات من الحرير ومن الساتان، وأقمشة مقصبة بالذهب والفضة، وشيلان من الصوف. عثر على وثيقة مؤرخة عام 1762م. خاصة بصناعة النسيج في حلب تذكر على الأقل 43 نوعاً مختلفاً من الأقمشة المنسوجة في حلب.
إن الإحصائيات التجارية الخاصة بمدينة مارسيليا الفرنسية هي مؤشر طيب على ازدهارها هذا الإنتاج في القرن الثامن عشر الميلادي:
لقد ازدادت مشتريات مرسيليا من منسوجات حلب من 85 ألف جنيه في 1700 – 1702م. إلى مليون و 326 ألف جنيه في 1785 – 1754م. ثم وصلت إلى مليون و696 ألف جنيه في 1785 – 1789م. أي على التوالي 10,4 % , 63,9 %
48,2% من مجموع مشتريات مرسيليا من المنسوجات وفي خلال هذه الفترة الأخيرة كانت مرسيليا تستورد من حلب 67% من مجموع قيمة المنسوجات التي تستوردها بلدان المشرق.
نمت صناعة النسيج في حلب في الضاحية الشمالية الشرقية للمدينة. وكانت أحد عوامل النمو العمراني لهذه المنطقة. فقد شهدت المنطقة الواقعة شمال باب النصر إقامة مشاغل للنسيج أو للصباغة، ظل العديد منها قائماً إلى اليوم.
كان هذا التوسع يتركز في قيسارية النسيج، وهي عبارة عن مبنى مستطيل به غرف النسيج المتفاوتة المساحة، وقد شيد في حي الجديدة ضمن وقف بشير أغا ثلاث قيساريات تضم على التوالي 27 و 14 و 16 غرفة ذات مساحة متنوعة للغاية أكبرها طوله 7,80 متراً وعرضها 6,30 متراً أي مساحتها 49 متراً مربعاً ويبلغ طول أصغر غرفة 5,60 متراً وعرضها 3,40 أي بمساحة قدرها 19 متراً مربعاً، وهي موزعة على طابقين.
كانت هذه القيساريات مزودة بسلالم في الفناء للوصول للطابق العلوي الذي يتضمن شرفات واسعة حيث يمكن للنساجين القيام بالعمليات التي تستلزم نشر الخيوط. كان ريع هذه المنشآت الصناعية يوقف غالباً للصرف منه على أوجه الخير المختلفة خاصة المساجد.
كما كانت صناعة الصابون إحدى الصناعات المزدهرة في حلب، وقام بارييه دي بوكاج بإحصاء سبعة معامل للصابون (مصبنة) في حلب. توجد منها مصبنة ما زالت موجودة وإلى حد ما سليمة. وهي عبارة عن مبنى كبير أقيم في القرن السابع عشر أو الثامن عشر الميلادي، يشتمل المبنى من الداخل على أحواض لصنع الصابون في ردهات معقودة، ويوجد في الطابق العلوي مناشر تعلوها مناور سماوية.
ومن المنشآت الصناعية التي ظلت باقية في حلب إلى وقت قريب المصبغة الكبيرة المشيدة في القرن السادس عشر والتي كانت تقع خارج باب أنطاكية: كان يبلغ طول هذه المصبغة 170 متراً وعرضها 40 ومساحتها حوالي 6800 متراً مربعاً، وتشمل 53 غرفة في الطابق الأرضي و 58 غرفة في الطابق العلوي. وهي ملحق بها حمام مخصص للدباغين ومسجد يقع بالقرب منها.
منازل حلب:
تركزت في وسط حلب العديد من منازل أثرياء المدينة، والتي تتراوح مساحتها ما بين 400 إلى 900 مربع،ويتوسطها صحن به حوض للمياه أو فوارة وبه سلم صاعد للطابق العلوي، ويطل عليه إيوان يجلس فيه سيد الدار مع ضيوفه أو أهل بيته، وبالمنزل قاعة كانت تمتاز بالفخامة وتستخدم لاستقبال الضيوف. هذا الطراز من المنازل انتشر في حي سويقة على وحي فرافيره. وهناك مساحات أقل للمنازل في حلب تتراوح بين 80 و 200 متر مربع وتتباين عناصرها المعمارية مع تباين ثراء مالكها.
مساجد وجوامع ومدارس حلب:
جامع حلب الكبير: بني جامع حلب الكبير في العهد الأموي على هيئة جامع دمشق في أيام الخليفة سليمان بن عبد الملك ثم تهدم أكثر من مرة، كانت الأولى حين غزا الإمبراطور (نقفور فوكاس) مدينة حلب وخربها، والأخيرة كانت على يد تيمورلنك، وجدد في العهد المملوكي. وأقدم شيء فيه مئذنته الرائعة، وهي مربعة الشكل شيدت في عام 1090م، ويشتهر أيضاً بمنبره الخشبي المصنوع من خشب الأبنوس المطعم بالعاج، صنع في أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون في القرن 8 هـ/14م. (لوحة 153- 154)
وفي حلب كثير من المساجد أهمها جامع الأطروش العني بواجهاته المبنية بالحجر المنحوت وهو من العهد المملوكي ثم جامع الخسروية وجامع العادية والبهرمية وهما من العهد العثماني، وفي القرن 10هـ/16م تمثل فن العمارة العثماني بقبابها والقاشاني الذي يزين جدرانها.
المدرسة الشاذبختية:
أنشأها الأمير جمال الدين شاذبخت الهندي الأثايكي، وذلك تلبية لأمر نور الدين محمود سجل تاريخ إنشائها سنة 589هـ/ 1193م، على مدخلها الرئيسي الذي يقع في مقابلة إيوان القبلة. ولما تم بناؤها استدعى الأمير جمال الدين شاذبخت، العلامة نجم الدين مسلم بن سلامة من سنجار ليتولى التدريس بها، وتقع المدرسة في السوق المعروفة باسم سوق الغرب، وهي تعرف حالياً باسم جامع المعروف.
المدرسة الجوانية:
من المدارس ذات الإيوانين بحلب المدرسة الجوانية أو السلطانية التي بدأ في تأسيسها الملك الظاهر بن صلاح الدين إلا أنه توفى سنة 613 هـ قبل إتمامها وبقيت مدة بعد وفاته حتى شرع في تكملتها شهاب الدين طغرل أتابك الملك العزيز فعمرها وأكملها سنة 620 هـ/1223م. وقد كانت مدرسة مشتركة فقد خصصت لتدريس مذهبي الشافعية والحنفية، وقد درس بها القاضي بهاء الدين بن شداد، وولى نظارتها القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله الأسدي قاضي قضاة حلب.
المطبخ العجمي:
قصر قديم من القرن 6هـ/12م، يقع إلى دوار خان الوزير بحلب، يعتبر ما بقى منه روائع العمارة ويمثل بأواوينه ومقرنصات قتبة فنا أصيلاً توطد في عصر السلاجقة وأتابكهم.
البيمارستان الأرغوني:
لعله أهم البيمارستانات التي ما تزال قائمة في الشام، ويعتبر مثلاً كاملاً للبيمارستانات التي كانت تقوم مقام المستشفيات في عصرنا، وهو بناء هام من حيث مخططه وفن عمارته، بناه في محلة باب قنسرين نائب السلطة أرغون شان سنة 8هـ/14م، ويوجد بحلب بيمارستان أقدم منه بني في عهد نور الدين في محلة الجلوم لكنه متهدم بعض الشيء. (لوحة 156- 157)
السور والأبواب:
ما تزال مدينة حلب تحتفظ كأكثر مدن الشرق بجزء من أسوارها الحصينة وعدد من بواباتها الضخمة، وقد تهدم سورها مرات خلال الغزوات التي اجتاحت المدينة في أيام الروم والتتار ثم أعيد ترميمه، وما يشاهد منه اليوم يرجع إلى العهدين الأيوبي والمملوكي، وأهم أبواب السور الباقية: باب النصر، وباب الحديد، وباب أنطاكية، وباب قنسرين.
قلعة حلب:
تاريخ القلعة يعتبر صدى لتاريخ المدينة، وهو حافل بأحداث النضال والمقاومة. تذكرنا القلعة بأبي عبيدة وخالد وقصة الفتح الخارقة، وتذكرنا بسيف الدولة وحروبه الدائمة مع الروم البيزنطيين، وبالملك العادل نور الدين ومعارك التحرير التي قادها ضد الصليبيين، إلى غير ذلك من المواقف والذكريات.
شيدت قلعة حلب في العهد الهلنستي فوق مرتفع طبيعي يتوسط المدينة، كان في العهود السحيقة مقراً للمدينة القديمة التي تهدمت مع الزمن.
ولكن الأبنية التي نشاهدها الآن ترجع في مجملها إلى العهدين الأيوبي والمملوكي، وأكثرها يعود إلى أيام الظاهر غازي، أجريت بها ترميمات واسعة في عهد سلاطين المماليك، قلاوون وقايتباي وقانصوه الغوري.
وأهم شيء في القلعة اليوم، خندقها العميق الواسع الذي يبلغ قطره، الكبير أكثر من خمسمائة متر وعرضه ستاً وعشرين متراً، وسفح القلعة المشرف على الخندق كان مصفحاً بالحجارة المنحوتة، ثم المداخل الحصينة التي ما تزال قائمة بحالة جيدة، وتعتبر من أرقى ما وصل إليه فن التحصين العسكري من براعة الهندسة وإتقان البناء.
لقد زودت قلعة حلب بباشورة (مدخل منكسر) يمتاز بكثرة عدد المنعطفات فيه إذ يبلغ عددها نحو ستة منعطفات، وهي كثرة تزيد من مناعة القلعة لما تسببه من وسائل التعويق عن المرور بسهولة من خلالها، وما تجعل المهاجمين يتعرضون له من ضرب بالسهام والحراب في أثناء مرورهم بتلك المنعطفات، فضلاً عن المنحدر القاسي الذي يتقدم المدخل، والذي تحمله القناطر المشيدة فوق الخندق المحيط بالقلعة.
كما تشتهر حلب بمطبخها العريق الأصيل القديم، ومن يزور حلب لابد وأن يأكل كباب الكرز فالمدينة لديها 26 نوعا من الكباب، وإستطاع الدارسين حصر 217 وصفة لأكلات حلبية متميزة، يهتم الحلبيين بنكهة المادة الأساسية في الطعام ويستعملون الأعشاب لإذكائها، ولا يحبذون أن تخفي الأعشاب العطرية مثل الكزبرة الخضراء والكرفس هذا الطعم، لكن أيضا لمحاشي حلب نكهتها مثل : عجور المحشي باللحم المفروم، ولأهلها مثل خاص به هو ( قلبي من العجور منجور) أي أن كل شيء جيد إذا كان العجور في القدر، والعجور محشي اللحم المفروم والأرز وأحيانا بالفريك والبرغل.
كما اشتهرت حلب بذوقها الموسيقي الرفيع خاصة فن القدود الحلبية وممن أشهر فنانيها في هذا النجال أديب الدايخ الذي ولد في 1938 وتوفي 2001 م، حفظ هذا الفنان عشرة ألاف بيت شعر وظل ذاكرة حلب الفنية المبدعة، وقدم الفنان الحلبي صباح فخري القدود الحلبية علي مسارح الوطن العربي في العديد من الحفلات، ومن أأشهر القدود الحلبية ( قدك المياس ) و ( سكابا يا دموع العين ) ( البلبل ناغي ع غصن الفل).
تلك هي حلب مدينة تعشق الحياة، ويعشقها محبيها، مدينة الذوق الرفيع في كل فنون الحياة، ها هي تعود مرة أخري لنا، بعد سنوات الحرب المريرة.