حكايا أمّي

موقع الكتابة الثقافي writers 129
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مرزوق الحلبي

أمي

وسائدها المطرّزة

تنامُ عليها أحلامي

وتغفو

.

أمي

تُربي الأمل

بالقشّة

والمِخرز

.

أمي

تغزل الحياة بأصابعها

ولا تنتظر أحدا

.

أمي

في السادسة حصلت على راتبها

الأول

وفي الخامسة والتسعين

لا تزال تعيشُ منه

.

أمي

بيتها قِبلة الباحثين

عن كلمة طيبة

وقهوة طيبة

وقلب طيب

يأخذون منه ما أرادوا ويذهبون

.

أمي،

ثلاثة تضيق بهم،

الكذاب والبخيل والمتجبّر

وتمقت مَن لا يشرب قهوتها

.

أمي

تحفظ شعرًا قيل في عرس

جارتهم وهي طفلة

وتحفظ شعرا تقوله للراحلين

وتُحفظُ عنها الحِكمة

42374687 623050284757115 273585121787904 n

.

أمي

لا تخفي حزنها حين تحزن

ولا فرحَها البسيطَ

شفافة من زهرةِ الفلِّ

بيضاء

بيضاء

.

أمي

بحزمها، تُذهبُ القسوةَ

من جنباتِ البيتِ

فأكتُبُ الدروسَ

وأنامُ على رُكبتها

.

أمي

رقيتها

مِكشّة الكوابيس

وعينِ الحسودِ

وحاميةُ القلوبِ من العطبِ

.

أمي

الخُبز في يدِها

وليمةٌ

والماءُ زمزمُ

.

أمي

زرّيعتها

خضراء

على مدارِ الوقتِ

والقواريرُ

والقلبُ

.

أمِّي

تجبرُ خاطرَ المارين في وقتها

فيصيرُ فيلتئم

الكسرُ

.

أمِّي

صلاتُها هناكَ

فألُ خير

ووجها هالةٌ

ونحنُ فراشات

.

أمِّي

على شباكها الأزاهيرُ

وفي صدرها

الأماني

وعلى طاولتها شمعة للذين تحبّ

.

أمي

وقليل من

العسل البريّ

والبُرغلُ

يحميان الحياةَ من العطب

.

أمي

قصّتها

قصَّةُ قريةٍ بكامِلِها

والحياةُ من أوّلِها

.

أمِّي

تكنسُ الشارعِ مِن كلِّ أذًى

فيمشي الأولادُ

ولا يعثرونْ

.

أمّي

لم تنتظرِ الدُعاةَ

سبقتهم!

.

أمّيِ

إذَا حزنَتْ

صارَ النُّواحُ غناءً

شجيًّا

والكونُ نُدبةً

.

أمِّي

تُعدُّ الكُحلَ

للعينِ الجَميلةِ

ووضوحِ الرُؤيةِ

.

أمِّي

يتَّسعُ عَقْلَها للكونِ

ويضيقُ بالّذين

يأتونَها بالخُرافةِ

42414376 1492531120847606 7936525072477454336 n

.

أمي

تسير إلى غايتها

ملِكةً

.

أمي

تغزلُ سيقانَ القمحِ

مهابط للآلهة

أو بساط الريحِ

.

أمي

لا تشكو الحظّ

صنعته أطباقا طائرة مُلوَّنة

يراها كلُّ بيتٍ

.

أمِّي

إذا دخلتِ الحيَّ

استبشرتِ النِّساءُ بالعدلِ

وصدّقوا الميزانَ

.

أمي،

يزهو وجهُها

ويشعّ

كلّما أكلَ الضُّيوفُ

من لقمتها

.

أمِّي

تحملُ على يديْها

حوائجَ البيتِ

إلَى المأتم

فينقطعُ النواحُ

.

أمي

في كلّ عرسٍ

تُطعمُ قريةً كاملة

وضيوفَها

وما يزيدُ

.

أمَّي

في دُعاءٍ تجلبُ الحظَّ

إلَى البيوتِ

وفِي كلمةٍ

تُضيء القلوبَ المُتعبة

.

أمي

هناك لتتكئ النساء

على كتفها

حتَّى يزولُ الوسواسُ

.

أمَّي

حزمُها كالمِخرز في يدِها

لا تأتي منه إلَّا

المسرّة

.

أمِّي

هُدوؤها فسحة

للتأمّل

أو مرآة ترى فيها وجْهَك

.

أمِّي

إذا حكت

فضميرَها

والعدل

أولى الفضائل

.

أمِّي

ستحتفي بك إذا جئتَ

ستُكرمك

حتى تصيرَ مَلِكًا

.

أمّي

لا تثق بالإذاعاتِ

ولا بالأجاويد

إذا ما اهتزت إبرة قلبها

أمِّي

تذرو الكلام

على بيدرها وتذرو

فلا تحتفظ لنا إلَّ بالحبِّ

.

أمِّي

تفتحُ شبابيكَها

للنورِ والريحِ

وعقلَها لِكلِّ مَا هو

منطقيٍّ

.

أمِّي

إذا أخطأت اعترفت

كراهبةٍ

وإذا كانت على حق

سيِّدةُ المغفرةْ

.

أمِّي

تفرحُ للناسِ إذَا فرحُوا

وتهتمُّ إذَا

انجرَحُوا

.

أمِّي

في سَلامٍ تام

مع عُمرِها

ومع مستقبلِها

.

أمِّي

تقولُ الماضيَ مَضَى

والحاضرُ حلوُ المذاقِ

والآتِي،

ستذهبُ إليهِ برجلَيْها

.

أمِّي

تؤمنُ أنَّ كلَّ الناسِ

سادةٌ

لا فيهم أكثر ولا فيهم أقلّ

الفرقُ في السيرةِ

.

أمِّي

إذ لم يقولوا الحقيقةَ

قالتها

فانقشعَ الغمامُ

.

أمِّي

إذا عجزَ القومُ عن

إقامةِ العدلِ

قوَّمتْهُ بمخرَزِها

.

أمِّي

إذا جاءتها امرأةٌ كسيرةٌ

أعطتها قلبَها

وقالت قاتلي بهِ

.

أمِّي

ستشفي حيًّا كاملًا

من التهابِ اللوزتيْن

ومن الحسَد

.

أمِّي

ظلّت تحتضنني

وتحميني من عساكرِ الٍلْطانِ

حتى أتقنتُ لُغتَها

.

أمِّي

التي لا تكتب اسمها

كتبتْ لي حياةً مُثلى

.

أمِّي

الّتِي لَا تكتبُ اسمَهَا

كتَبَتْنِي

وقالتْ أنتَ حُرّ

…..

(آب 2018)

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم