في 2008، صدرت روايتي الأولى «قاهريّ» التي وقعت بين البيوغرافيا والمتخيل، بعدها، ترسب في يقيني، بشكل تدريجي، حقيقة أنّ الرواية ليست مجرد حكاية وحبكة؛ فانفتحت أمامي فجوات واسعة في الملعب. وانتهى اكتشافي للغابة التي تقع خلف بيتنا، إلى روايتي الثانية «أوجاع ابن آوى» (2011) التي حاولت فيها المزج بين القصة الكلاسيكية بزمنها التصاعدي، وبين مدونات الإنترنت، مُضفِّراً الخيطين في بعضهما، لأجد في منقضى الأمر نصاً مركباً يحتفي بالتجريب والتناص والبوليفونية.
بعيداً عن جرعة التنظير السابقة، أود أن أقول إنّ الواحد يكتب لأنّ تلك الممارسة أسهل من الامتناع عن القيام بها. الكتابة دودة تنهش في أمعائنا كما يقول العم يوسّا. أنا من هذا النوع من الكُتّاب، فالمرء يندهش بحياته وبالمحيطين به، فيكتب، أو يشعر بالضجر والملل، فيكتب أيضاً! ويبدو أنّ الكاتب هو في الأساس إنسان معاق، لا يستطيع التعبير بلسانه وجسده قدر استطاعته التعبير باللغة المقروءة.
ربما يكون هذا الهوس اللاإرادي بالكتابة، وهذا الميل للخوض في كل مستويات السرد، رد فعل غريزي على عملية التعليب والتصنيف في الدزينات التي تحيق بالروائيين على مستوى العالم (جيل الستينيات وجيل البيت أو الجيل الضائع…)، وتمرد على عملية التصنيف والتجنيس التي تحاصر النصوص الأدبية، من قصة إلى شعر ورواية وسيرة روائية. في حين أن الكتابة التي هي وجهة نظر في النهاية (الكتابة الجيدة أعني) تستطيع أن تفرض نفسها وتختار الشكل الذي تقترحه هي وفقاً لثقافة الكاتب، ومزاجيته، والضرورة الفنية، ووطأة اللحظة الراهنة… ووفقاً لكل ما سبق، لو جاز للواحد أن يطمح بمستقبل أدبي واعد، فلن أتمنى إلا أن أكون «حامل لواء الروائيين إلى النار».