حارة عليوة.. سابقاً

حارة عليوة سابقاً
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

خالد عزب

صدر عن نهضة مصرية متتالية قصصية، تدور في حارة مصرية تقليدية اسمها (حارة عليوة). وعبر سلسلة متشابكة من القصص تبدأ من عام (٢٠٠٣) وحتى عام (٢١٠٠)م نعايش التغيرات التي تطرأ على معالمها وشخصياتها في هذا العالم الجديد. هذه المتتالية تذكرنا بألف ليلة وليلة التي كتبها العقلي الجمعي العربي في العصر العباسي وأضاف لها عبر الزمن الي النسخة المملوكية . محمد عبد العاطي الذي أبدع هذه المتتالية روائي وحكاء يفرض نفسه علي ساحة الأدب العربي بإبداعات بدئها برواية ترند التي تكشف التلاعب بالناس عبر أوهام وسائط التواصل الاجتماعي .

في حارة عليوة تقنيات تتوالى تعيد تشكيل ثقافة أهل الحارة وشكل حياتهم وتفاعلهم وعلاقاتهم الاجتماعية.

فمن قصة حب يلعب فيها البريد الإلكتروني الدور الأكبر في التواصل بين الحبيبين، فضلا عن طرف ثالث يتلصص عليهما في صمت، ويتدخل عند اللزوم، إلى جهاز الكمبيوتر نفسه الذي كان حلم أحد شباب الحارة ووسيلته للتعليم والعمل وطريقه لمستقبله كما خطط لنفسه، لولا أن كل هذا اصطدم بعقلية أبيه القادم من جيل قديم لم يستطع استيعاب طبيعة هذا الشيء. ومرورا بانتشار الكمبيوتر ثم الإنترنت عبر “وصلة” غير شرعية، تربط بين الأهالي عبر شبكة لم يعرفونها من قبل، ومن خلالها يظهر صدام من نوع جديد كذلك عبر هذه الوصلة.

وتظهر الهواتف الذكية والتطبيقات وتدخل لتملأ الفراغات التي خلفتها تغيرات ثقافية. فنرى ذلك الشاب المنطوي ذي العلاقات الاجتماعية المحدودة وقد عجزت الطرق التقليدية القديمة عن مساعدته في العثور على عروس وتكوين أسرة، ويجد نفسه مضطرا لتجربة “التطبيقات” بعد فشل “الصالونات”.

وحتى الحياة الاجتماعية لأهل الحارة تتسع وتتأثر بالسوشيال ميديا، حتى أن هاشتاج #وأنا_أيضا النسوي الشهير يلعب دورا محوريا في حياة فتاة من فتيات الحارة. وكذلك تفعل تقنية الفيديو المباشر “اللايف” في خلاف بين بعض الموظفين في العمل، فتلعب دورا في نشر حقيقة ما يحدث للأهالي، بما في ذلك من استنجاد بسلطة المجتمع.

تغيرات سريعة تشكل جيلا جديدا بثقافة جديدة، يطمح لتغيير الحارة (اسمها رمزيا)، لكنه يصطدم بجيل قديم يقاوم التغيير.

ونستشرف المستقبل عبر القصتين الأخيرتين، فنرى تطورا للتكنولوجيا إلى حد استخدامها في الهروب من الواقع نفسه. ومع اعتماد الحارة المتزايد على تقنيات لا تملكها في كل دقائق الحياة، تأتي كارثة بسيطة تؤدي لتوقف الشبكات ليفاجأ الجميع أن شرايين الحياة نفسها قد انقطعت وأن هذه عودة لنقطة الصفر.. للحياة البدائية.

هي رواية قصصية تتشابك فيها الشخصيات وتتباين القصص لكنها تتقاطع كذلك وتشترك جميعا في وحدة المكان وفي مواجهة التيار التقني السريع الغامر بإيقاعه اللاهث الذي لا يكاد أحد فييقدر على استيعابه فضلا عن مواكبته.هنا يكشف محمد عبد العاطي عن مهاراته في التشبيك الروائي .

الحارة نفسها نراها في البداية بصورتها التقليدية، ثم تأتي التغيرات التي تطرأ على معالمها وشخصياتها في هذا العالم الجديد، ونتتبع هذه التغيرات عبر السنين بداية من الألفية الثانية وحتى الآن، وصولا إلى القصة الأخيرة التي تحدث في المستقبل. وتضم الرواية ٨ قصص قصيرة مرتبة زمنيا، تدور كلها في مكان واحد هو الحارة وتتداخل فيها الشخصيات والأحداث، كما يأتي:

١) جهاز (٢٠٠٣)

قصة عن جهاز الكمبيوتر الذي يمثل كل شيء تقريبا في حياة طارق، والذي اشتراه بنفسه من العمل حول أوقات الدراسة بعد أن رفض أبوه الحاج فكري أن يشتريه له لأنه ببساطة لم يفهم ما هو الكمبيوتر، برغم محاولات طارق للشرح. ويرجع طارق إلى بيته فيفاجأ بأن أباه قد حطم هذا الجهاز، بعد أن سمع من زملاء في عمله عن تداول الشباب لمواد إباحية على أجهزة الكمبيوتر، فاصطحب زميلا له من العمل ليفتح له الجهاز، وبالفعل وجد بعض الأفلام العارية، فثار وحطم الجهاز.

وفقد طارق أعصابه واتهم أباه بالجهل والتخلف، فغضب الرجل وهوى بعصاه على رأس طارق، الذي سقط أرضا والدم يسيل من رأسه. وهرع الأب يحضر صديق التمرجي ليضمد جرح طارق. وبعد إفاقته قال طارق لأبيه إن هذا الجهاز ليس مصدرا “للفسق” كما يظن، وإنه تعلم منه الكثير، وبفضله نال مؤخرا وظيفة مهمة في فرع شركة الكمبيوتر بالمنطقة. وترك طارق البيت واستأجر غرفة بالقرب من عمله الجديد، لكن صلته بالحارة لم تنقطع تماما.

٢) بريد إلكتروني (٢٠٠٤)

قصة حب نشأت عبر البريد الإلكتروني بين الزميلين: مها ويوسف، في فرع شركة الكمبيوتر.

كانا موظفين جديدين في الشركة. وكانت مها هي التي بادرت بإيميل تبشر فيه يوسف بخبر تثبيتهما بعد انتهاء فترة التدريب، ثم توالت الرسائل بينهما عبر إيميل الشركة. وكان هناك طرف ثالث يراقب كل رسائل الإيميل في الشركة سرا من سيرفر الشركة، هو محمد العوام مهندس السوفتوير. واستمرت الرسائل حتى طلبت مها من يوسف في رسالة أن يتصارحا بكل شيء عنهما. وبرغم ماضيه الحافل وافق يوسف وبدأ يكتب رسالة اعترف فيها بكل مغامراته، لكنه لم يرسل الرسالة وتركها في صندوق المسودات.. ثم وصلته رسالة من مها تعترف فيها بعلاقة قديمة مع جارها الشاب الوسيم الذي أوهمها بالحب. وفي اليوم التالي في العمل طلب منها يوسف كلمة على انفراد (ليسألها عن طبيعة العلاقة بالطبع)، وعندما رجعا كانت تبكي، ثم تركت العمل وانصرفت.

وفي استراحة التدخين سأل الزملاء من الشباب يوسف عما حدث بينهما، فقال ببساطة إنها علاقة لم تبدأ فعليا، وإن الشاب من حقه أن يرفض العلاقة لو عرف أن الفتاة كان لها ماض، خاصة لو كان هذا الماضي.. أنتم تفهمون!

وسمع محمد العوام هذا الكلام وغضب.. فدخل على السيرفر وفتح إيميل يوسف، وأرسل مسودة اعترافاته إلى مها.

٣) وصلة (٢٠٠٦)

في ساحة الحارة التف الناس يشاهدون وصلة ردح بين عزة الفتاة الجامعية المهذبة ، أمام عوض العاوّ، الأخ البلطجي لمحمد العوام، وصاحب مشروع وصلة الإنترنت لبيوت الحارة.

كانت عزة تكيل الشتائم لعوض وتقول إنه يبتزها ويهددها بصور عارية مفبركة، وكانت تمسك بالتابلت وتعرض الصور على الناس باستهانة لتفضح محاولة عوض في ابتزازها.. ويرد عوض محاولا تصعيد الاتهامات ضد عزة بأنها تحتفظ بأفلام إباحية على جهازها، وعندما سألته كيف عرف ذلك وقع في الفخ وقال إنه رأى هذه الأفلام عن طريق الشبكة باعتباره صاحب الوصلة ويستطيع الوصول إلى أي جهاز فيها.. فقالت عزة لجمهور المتفرجين إنهم أيضا عرضة لتجسس عوض مثلها تماما، وباعترافه. واصل عوض عرض المزيد من الصور المفبركة لعزة في أوضاع حميمية مع رجل هذه المرة، فأنكرت عزة أنها صورها، فسخر منها عوض وعرض المزيد من الصور وقد شعر أن المتفرجين قد أثارتهم الصور.. وشعرت عزة بذلك فانفعلت وفقدت أعصابها وأسقطت جيبتها ووقفت بشورت قصير، تُظهر لهم شامة فوق ركبتها ليست موجودة في الصور.

وهنا يمر الشيخ وهبه شيخ الجامع الذي لا يثق به الناس ويحاول أن يتدخل، وذلك بأن ينهر عزة ويأمرها بأن تلبس ملابسها وتستر نفسها. ورفضت عزة إطاعته، لأن الخطأ الذي وجده في كل هذا الموقف هو ملابسها، متجاهلا جرائم عوض من تحرش وابتزاز وفبركة صور..

ويقطع هذا الجدل وصول أخوي عزة يوسف وخالد، فيشتبك أحدهما مع عوض في خناقة كبيرة، بينما يجرجر الآخر عزة من شعرها، ويسحلها حتى البيت.

٤) تطبيق (٢٠١٢)

يتصل ياسر فكري بالراوي ويقول إنه مع فتاة لكنها ليست جميلة جدا ولا يعرف ماذا يجب أن يفعل الآن.

ياسر مهندس أجهزة طبية على خلق يعمل في وظيفة جيدة في المستشفى الجامعي ولديه شقه بناها أبوه في الدور الثاني ببيتهم في الحارة لكنه ترك تشطيبها لياسر نفسه. مشكلة ياسر أنه قد بلغ سن الزواج ولكنه لا يعرف أي فتاة ولا يعرف كيف يتعرف على واحدة. حاولت أمه أن تخطب له، فكان ياسر يقوم بالكثير من جلسات الصالونات ليقابل الفتاة، لكن كل المحاولات فشلت بسبب عدم القبول أو بسبب رفضه هو، أو رفضها هي له. ولأن ياسر انطوائي وليس له معارف كثيرة فقد نفدت الفتيات المحتملات من حوله، وبقي حائرا لا يدري كيف يجد عروسة.

وذات مرة على المقهى تكلم يوسف وخالد عن فرح ابن عمهما الذي سيذهبان إليه، وعندما سأل ياسر عن طريقة تعارفهما أجاباه بأنهما تعارفا عن طريق تطبيق على الموبايل.

وأخذ ياسر الأمر بجدية، وبالفعل تعرف على فتاة من التطبيق وذهب ليقابلها، لكنه عندما رآها شعر أنها ليست جميلة بما يكفي، فاتصل بالراوي يسأله ماذا يفعل. ونصحه الراوي بالتمهل وإعطاء الأمر فرصة حتى يتم التعارف بينهما. وعمل ياسر بالنصيحة، وراح يحكي للفتاة عن ظروفه، لكن الفتاة بمجرد أن سمعت اسم حارة عليوة التي يسكن فيها تركته وانصرفت، ولم تقابله أو ترد عليه مرة أخرى.

٥) #وأنا_أيضا (٢٠١٧)

رقية عثمان فتاة تعرضت للتحرش في العمل وكتبت عن ذلك منشورا في حملة #وأنا_أيضا الشهيرة. لكن خالها جمال غراب كان يحاول إقناعها بأن تحذف المنشور، لأن ما حدث فعلا لم يكن فيه أي تحرش، ولكنها هي التي أساءت الفهم.

كان جمال قد حصل على العمل في فرع شركة الكمبيوتر بصعوبة، حيث تقدم في البداية وواجه تعنت وروتين الأستاذ سعيد نائب المدير، حتى قابله بالمصادفة الأستاذ شاكر الرجل الوقور دمث الأخلاق، ووافق على تعيينه عندما اختبره ووجد فيه الكفاءة للعمل. وفيما بعد تدخل الأستاذ شاكر أيضا لتعيين رقية بنت أخت جمال في الشركة بعد تخرجها.

وتقول رقية إن هذه هي المرة الثانية التي تتعرض فيها للتحرش. كانت قد عملت قبل ذلك متدربة في مكتب محاسبة، وكان المدير هناك متحرشا خبيرا، يجيد افتعال المواقف بالتدريج بحيث تبدو عفوية، حتى استدعاها مرة وطلب منها ملفا من مكتبته، وعندما لم تجد الملف اقترب منها ليريها مكانه، ثم قبض عليها وبدأ يقبلها ويتحسس جسدها.

وهنا في شركة الكمبيوتر، بدأت رقية تشعر بنظرات الأستاذ شاكر.. بلمساته “العفوية” المتدرجة.. وطلب منها أن تحضر له ملفا من مكتبته ولم تجده وجاء ليريها مكانه.. ولم تنتظر هي حتى يلمسها وإنما صرخت بعنف.. ثم كتبت هذا المنشور ونشرته لتفضحه على السوشيال ميديا.

لكن خالها جمال الذي كان يعرف القصة القديمة، اعتبر أنها أخذت الأمر بحساسية بسبب تجربتها السابقة، وضغط عليها لحذف المنشور الذي سبب مشاكل للأستاذ شاكر الرجل الطيب الخلوق. وبالفعل حذفته للحفاظ على وظيفتها على الأقل، واضطرت للاعتذار له أيضا أمام الجميع.

وعندما حكى جمال ما حدث لخطيبته سمر غضبت وأيدت موقف رقية وأكدت له بثقة أنها كانت على حق وأن شاكر بالتأكيد تحرش بها.. واندهش جمال لأنها لم تقابل شاكر ولم تعرف ما حدث إلا منه هو.. فقالت له سمر إن هذا شائع ويحدث لكل الفتيات طوال الوقت لكنهن لا يتكلمن.. وهي نفسها تعرضت لموقف مطابق لهذا! غضب جمال لسماع هذا التصريح، وسألها لماذا لم تخبره بهذا من قبل؟ فغضبت هي منه لأنه يوجه غضبه لها، وهي الضحية.. وقالت إن هذا هو السبب في أن الفتيات لا يحكين شيئا.

وفي شركة أخرى بعيدة تماما، تقول فتاة لزميلة لها تعرضت للتحرش إنها هي أيضا حدث لها هذا في عملها السابق.. كان في شركة كمبيوتر وكان المدير يتقمص دور التقي الورع، لكنه كان خبيرا يعرف كيف يجعل الأمر عفويا، وعندما تهجم عليها وصرخت فيه تظاهر بالغباء وترك الأمر لنائبه الوضيع. وكان اسم هذا الوغد شاكر.

٦) لايف (٢٠١٨)

في اجتماع بشركة الكمبيوتر يقوم الموظف شريف مختار فجأة بقلب الطاولة على الأستاذ سعيد نائب المدير.. حرفيا.

لعام كامل ظل شريف يعاني من معاملة الأستاذ سعيد العجيبة. كان يتعمد وضعه تحت ضغط، ويتفنن في تحويل حياته إلى جحيم بطرق عديدة.. حتى انفجر شريف أخيرا في وجهه أمام الجميع وقلب الطاولة عليه.

وفي حديث جانبي بعد هذا الموقف يبوح الأستاذ سعيد بأسبابه معلنا الشماتة والتشفي في شريف ويذكره بنفسه.. في المدرسة الثانوية كانا في مدرسة واحدة، ووقع سعيد ضحية لتنمر شريف، في حادثة كانت شديدة الوقع على سعيد، أثرت فى حياته وأصابته بألم نفسه لوقت طويل. وعندما جاء شريف للعمل في الشركة تذكره وسعيد وقرر الانتقام بهذه الطريقة. تلقى شريف كلامه بسخرية ثم انفجر غضبا بدوره وقال إن هذا كله كان لعب عيال في المدرسة، أما الذي فعله به سعيد فهو جريمة حقيقية.. ورفع شريف قميصه فكشف عن ظهر تملؤه حبوب وتقرحات أصابته نتيجة الضغط المستمر، وأخرج من حقيبته أدوية الاكتئاب التي صار يعيش بها، فضلا عن زوجته التي لم تعد تحتمله وهو بهذه الحالة من العصبية المستمرة وقررت الانفصال عنه.. بسبب سعيد.

وانفجر شريف باكيا وسقط أرضا، فظهر الموظفون وجاءوا يساعدونه.. وظهرت رقية التي وضعت هاتفها المحمول على المكتب وبثت حوار شريف وسعيد “لايف” على حسابها على فيسبوك، ورآه كل الموظفين لايف، ثم رآه أهل الحارة بعد ذلك مسجلا، وانتشر الفيديو بعدها على السوشيال ميديا ضمن حملة ضد التنمر.

ولم يحتمل سعيد نظرات الموظفين في الشركة بعدما عرفوا ما كان يفعله مع شريف طيلة سنة كاملة فغادر الشركة.

٧) حارة عليوة.. سابقا (الآن)

وجّه الحاج صالح الجبالي أكبر تاجر في الحارة دعوة إلى شباب وأهالي الحارة باسم ابنه مكرم للحضور لأمر هام في حديقة بيته دون أن يوضح سبب الدعوة. وفي الموعد المحدد اجتمع الناس من الشباب والكبار في الحارة، واتضح أن مكرم قد قرر ترشيح نفسه للانتخابات البرلمانية. وتلقى الشباب الأمر بسخرية، خاصة أن مكرم زميلهم ومن جيلهم. وعندما حاول مكرم حثهم على المشاركة في الحديث، استجاب أحدهم وطرح عليه مطلبا يهم الشباب قد يساندونه لو أمكنه تحقيقه، وهو تغيير اسم الحارة. كانت هذه مسألة تهمهم فعلا، ودارت حولها مناقشات سابقة كثيرة على مجموعات الفيسبوك والواتساب الخاصة بالحارة، بل إنهم اتفقوا على اسم بديل بالفعل هو “شارع العلا”. وبالفعل تحمس الشباب وبدأوا يشاركون في الاجتماع بعرض أسباب طلبهم تغيير اسم الحارة. لكن الكبار اعترضوا وأبدوا استيائهم من الطلب واعتبروه تنكرا للأصل.

ولم يبدِ مكرم موقفا محددا، وقال كلاما دبلوماسيا عن أهمية الكبار وأهمية الشباب في صنع المستقبل، واستغل الجدل القائم في الدعوة للمزيد من الاجتماعات الانتخابية.. واتسعت الحملة الانتخابية لمكرم وصار ترشحه حديث الحارة وحتى خارج الحارة.. وبدا أن مكرم قريبا من تحقيق هدفه الصعب بالوصول إلى البرلمان. وجاءت الانتخابات وذهب أهل الحارة بالفعل للتصويت لابن الحارة برغم اعتيادهم تجاهل الانتخابات من قبل. ولم ينجح مكرم، بل حصل على نتيجة ضئيلة بالمقارنة برجل الأعمال المنافس الذي فاز بالمقعد. وقيل بعدها إن كل هذا كان متوقعا وإن الأمر كله كان مدخلا لمكرم لعالم السياسة. وبالفعل دخل مكرم بعدها المجلس المحلي كبداية لدخوله في العمل السياسي.

أما الاسم قد واصل الشباب محاولاتهم، فقدمت مجموعة منهم طلبا إلى رئاسة الحي لتغيير الاسم، لكنهم لم يصلوا إلى شيء.. فقرروا تغيير الاسم بأنفسهم. كتبوا لافتات جديدة وعلقوها فوق القديمة.. لكن اللافتات كانت تربك الناس الذين يبحثون عن “حارة عليوة”.. فكتبوا لافتات جديدة معدلة فيها الاسمان: شارع العلا.. حارة عليوة سابقا.

ومرت الأيام هدأت فورة الحماس وظهرت الحقيقة، اسم شارع العلا لا يليق بهذا المكان وهو بهذا الشكل وبهذه القمامة والقطط الكلاب الضالة.. هذه حارة بغض النظر عن أي لافتة.

٨) ألترا في آر (٢٠٣٢)

يقف جمال غراب في عمله الجديد في مول الكمبيوتر كصاحب محل إلكترونيات. ويظهر أمامه عوض العاوّ الذي كان قد اختفى لسنوات طويلة، منها سنوات في السجن. اقترب عوض وطلب منه بصوت متلعثم من أثر الحشيش جهاز واقع افتراضي فائق.. (ألترا في آر). فقال له جمال إن بيع الجهاز بتصريح من الأمن الوطني كما يقول القانون، وإن الجهاز موجود في بعض دور السينما وفي وزارة الثقافة ويمكنه تجربته، فيسافر لبلاد أخرى أو يشاهد فيلما أو يزور متحفا، وكلها تجارب حقيقية كأنه يعيشها بالفعل.

لكن عوض يحدثه عن الإمكانيات الأخرى للجهاز التي لا يتيحونها للعامة.. يتكلم عن قدرات الجهاز في التعذيب التي جربها بنفسه في السجن.. يحكي تفاصيل مرعبة، وبرغم ذلك يصر على أنه يريد الجهاز لأنه يمكنك من خلاله أن تعيش أحلاما وتجارب خرافية، من ضمنها مثلا معاشرة نجمات من المشاهير.

يصر جمال على رفضه، فيلمح عوض إلى أن معاذ (ابن رقية بنت أخت جمال) لديه الجهاز وأنه يستخدمه في شقته مع شلته، وبالتأكيد فإن جمال هو من اشتراه له. يفهم جمال ما حدث، فمعاذ كان قد اشترى منه الجهاز بأوراق رسمية مختومة لصالح الشركة التي يعمل بها، لكن واضح أنه قد خدعه وزور هذه الأوراق ليحصل عليه لنفسه.

 اقتحم جمال شقة معاذ فوق السطوح ورأى الشباب تحت الأقطاب غائبين عن الوعي مستغرقين في الأحلام الجنسية، وثار جمال وحطم الجهاز. لكن عوض ظهر بعدها في الحارة وقد أنشأ مشروعه الجديد: غرزة واقع افتراضي.. كان يؤجر الأحلام على الجهاز للشباب. وذهب جمال إلى الغرزه ليرى المشهد بنفسه، ورأى معاذ هناك فطرده.

 وعلم الشيخ وهبة أن ابنه سهيل يتردد على الغرزة فغضب واقتحم الغرزة وراح يهدد عوض. عرض عليه عوض أن يجرب الجهاز، وبعدها يحكم بنفسه. ووافق الشيخ وهبة وجلس يجرب الجهاز ودخل في الحلم، فأخذ عوض من يده زر الخروج وتركه يعيش المفاجأة السوداء التي أعدها له.. قيل إنه وضع له تجربة رهيبة من التجارب المصنعة خصيصا لتقنية (ألترا في آر) والممنوعة دوليا، لكنها ما زالت موجودة على الشبكة المظلمة. وخرج الشيخ وهبة من التجربة وقد فقد عقله تماما.

ولم يفهم أحد في الحارة ما حدث له، لكن جمال فهم. وراح جمال يتردد على الغرزة بانتظام، ويراقب الروتين الذي يحدث.. وفي يوم ما ضربته ضربته.. استغل معرفته التي تفوق معارف عوض، فنهض من حلمه واخترق الجهاز واقتحم حلم عوض، ودسّ له تجربة شبيهة بالتي وضعها للشيخ وهبة. وخرج عوض من الحلم بالمصير نفسه الذي لقيه الشيخ وهبة.. فقد عقله.

وبمطرقة كبيرة هذه المرة حطم جمال الجهاز تماما.. وخرج الشباب من العالم الافتراضي ليجدوا أنفسهم في هذه الشقة أمام جهاز محطم ورجل فقد عقله وعالم حقيقي مظلم.

٩) نقطة الصفر (٢١٠٠)

في جو من الديستوبيا المستقبلية ‏نرى الشاب رائد الذي يضغط عليه أبوه يدبره على زيارة جدة جدة الذي يعيش في حارة عليوة أو فيما تبقى منها ومن أنقاضها ويقدر رائد الشاب إلى مغادرة غرفته وينزل من المبنى الحديث المعقم ‏لأول مرة منذ سنوات ويزور جده في حارة عليوة القريبة.. يزوره على مضض وهناك يقابل الجد وكما يتوقع فالجد يثرثر، وكشاب ملول يتشاغل بالمعادل المستقبلي للهاتف الذكي وهو النظارة الذكية فيشاهد مسلسلا ما دون أن ينتبه الجد لذلك، ولا ينصت رائد لنصائح جده فيما يتعلق بالكارثة التي حلت بالمنطقة الآن.. فمع اعتماد الحارة المتزايد على تقنيات لا تملكها في كل دقائق الحياة، تأتي كارثة بسيطة تؤدي لتوقف الشبكات ليفاجأ الجميع أن شرايين الحياة نفسها قد انقطعت وأن هذه عودة لنقطة الصفر.. للحياة البدائية. ولأنه من الجيل الأقدم فقد كان لدى الجد ما يقوله ليساعد الأسرة في الخروج من هذه الأزمة، لكن الفتى لم ينصت وأطاحت بهم الكارثة وضاع كل شيء.

 

مقالات من نفس القسم