(كنت أشاهد التليفزيون فارداً ساقيّ فوق كنبة الأنتريه المجاورة للكرسي الذي أجلس عليه .. كانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل، وكانت كفي التي شكلت حضناً أسطوانياً لقضيبي تحت الشورت والكلوت تصعد وتهبط سريعاً بدعم ذهني يحاول إكساب خيالات الشاشة الضبابية ملامح وألوان .. كان تركيزي في هذه الليلة محصوراً في إعطاء ما كنت أظن أنها امرأة عارية تنام تحت رجل ما جسد طفلة العاشرة في المسرحية كما وصفتها أمي .. فجأة فُتح باب حجرة المعيشة ودخل أبي .. تشتيت الانتباه في بداية الاستمناء خاصة لو كان ناجماً عن مفاجأة صادمة سيؤدي في الغالب إلى انهيار تدريجي سريع للانتصاب، أما عند حدوثه بعد مرور الوقت فالنتيجة ستكون قذفاً فورياً تعيساً)* نسيت أمي الشرفة مفتوحة، وكادت الرياح أن تقتلع الأشجار بالخارج، انهالت علينا الأوراق الجافة وغطت أرضية المنزل. لم تعبأ أمي بالفوضى فقد كانت تحدق في المسلسل الهندي؛ تحب البطل الرومانسي، أعرف ذلك مهما أنكرت. أبي يستمع إلى الأخبار بصوت عالٍ؛ فهو يكره سخافاتنا، تخرج ألسنة شامتة من غرفته، صارخة بأن سوريا دُمرت؛ وأن قول: “ادخلوها بسلام آمنين” كان لليهود ونحن لا نعلم؛ والأزمة بين إيران والسعودية تشتد، (في هذه الفترة لم يكن أبي يعرف ماذا يفعل بخرائه .. كان يُخرج الأعاجيب البنية المزعجة، متفاوتة الأحجام من شرجه، ويقلبها بين يديه ليتفحصها باستغراب وغضب ثم يحاول التخلص منها في بيجامته، أو في أغطية الفراش والكراسي والكنبات، أو في ملاءة السرير ومسنده وحوافه، أو في الحوائط، أو يمدها إلى أي منا طالباً منه أن يأخذها ويجد تصريفاً لها كانت أمي تواجه صعوبة بالغة في الانتهاء من كتابة مسرحيتها (حفل الإرجاء)، ولم يكن ذلك راجعاً إلا لتهكم أختي من رغبة المؤلفة العجوز في الانتصار لوجهة نظر بطل المسرحية وهو قاص شاب يعتقد أن الكاتب العظيم لا يقدم أبداً تعريفاً واضحاً للحياة) *.
كان ممددًا؛ يشرب الشاي كثير السكر الذي أعددته له. فجأة، توهجت الشمس بشكل غير طبيعي، انفجر التكييف ولم يلحظ أحد، أشم رائحة الاحتراق؛ سقطت أسراب العصافير ميتة في شرفتنا وفي الطرق، لاذت الخفافيش بمنزلنا؛ امتلأت الشرفة، فاضت إلى الصالة؛ زحفت نحوي، ارتجفت خوفًا؛ كانت الخفافيش مغمضة العين، اتجهت نحو غرفة أبي، كان المذيع يزعق :” إن السلام قادم، سيسود المنطقة العربية قريبًا”. رنوت بعينيّ إلى شاشتي الصغيرة كانت المسرحية شيقة (أخرج أبي من جيب بيجامته كرة متوسطة الحجم من الخراء، ثم ألقاها أمامي على الأرض بنفاذ صبر كشيء فشل في تشغيله .. صوته المهموم كان خافتاً بوعي للحرص على عدم إيقاظ أمي النائمة داخل حجرتها في نهاية الصالة، وأختي النائمة داخل غرفة مجاورة تشارك حجرة المعيشة في نفس البلكونة: (شوف هتعمل فيها إيه) .. أخرجت كفي المبتلة، ودون اهتمام بتجفيفها قمت لأربت على كتف أبي محاولاً تخفيف ضيقه، ثم أجلسته على الكرسي .. أمسكت بكرة الخراء، وقربتها منه: (عارف تعمل فيها إيه .. تاكلها) .. حدّق في عينيّ بدهشة لم تفقده هدوءه دون أن يتكلم .. (هي مش بتاعتك .. خلاص .. كُلها) .. قربتها أكثر حتى كادت تلامس شفتيه فزادت حدة الاستغراب في نظرته، ومع ذلك كشف فمه عن ثغرة صغيرة .. (شاطر .. افتح بقك كمان) .. تحولت عيناه من وجهي إلى كرة الخراء للحظات قليلة كأنه يُخضعها لتشريح أخير ثم مد رأسه وقضم قطعة ضئيلة مزينة بسائلي المنوي، وبدأ يمضغها بطقم الأسنان الأمامي)* الخفافيش تتخبط في زحمتها؛ سحبت أبي من قدميه، أسقطته من فوق سريره، كان يصرخ مستغيثًا، صوته كفحيح الأفعى، جسده الضخم أزاح الكثير من الأوراق الجافة، أثناء جرجرته في كل أركان المنزل. لم تغلق أختي هاتفها، ثقبت أمي الشاشة، تسللت داخلها، احتضنها البطل، وشاهدتنا بذات الشغف للمسلسل، ولدت ابتسامة فوق شفتيها. اقتربت الشمس نحو الاشتعال، اخترقت الخفافيش جسد أبي الذي أصبح لزجًا، تنفذ أفواجًا داخله؛ حتى صار أبي خفاشًا محترقًا، تعرق جسدي، أسدلت ستائر المسرحية وكنت سعيدة جدًا وشعرت بالانتشاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الفقرات بين قوسين من قصة (حفل الإرجاء) للكاتب (ممدوح رزق).