ثلاث قصـائد .. نورا عثمان

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نورا عثمان 

(قمر)

قمرُ الليلةِ مُحتَقِنٌ كمزيجٍ مِن لبنٍ ودمٍ

قمرٌ يتأنَّثُ حينَ يكونُ مريضًا

ويفكِّرُ في وحدتِهِ:

“ماذا أَكسِبُ أو أَخسِرُ في الأعلى، وحدي؟

ماذا أفعلُ في بيتي الشَّاسعِ

في الشُّرفاتِ العاليةِ الزَّرقاءِ، بعيدًا؟

ماذا يتغيَّرُ إلّا أنّي يومًا تِلوَ الآخرِ

طيلةَ شهرٍ قمريٍّ

يَنحُلُ أو يَسمُنُ جسدي؟

ولماذا أتذكَّرُ مِن مرآيَ دمي أنّي امرأةٌ؟

ولماذا لا أنسى حينَ أُنَظِّفُهُ

دائرةً حمراءَ،

تُذَكِّرُني، وتكونُ الشَّامةَ في خدِّي؟

أصطَبِغُ الليلةَ بالطَّمثِ القاني..

مَن تُبصِرُ غيرُ امرأةٍ

حزني وشحوبي،

تفطنُ لمزيجٍ -يتكرَّرُ- مِن لبنٍ ودمٍ

وترى قمرًا مُحتَقِنًا

قمرًا زاهيةً كالوردِ؟!”

……………………….

 (رقص)

 

على أنَّها تتمايلُ كانتْ تُحِسُّ بخَطوَتِها ثابتةْ.

غبارٌ قليلٌ تَحَرَّكَ في حَلْقَةٍ

وهواءٌ كثيرٌ يدورُ لدورتِها..

وبخَصرٍ -بكاملِ قدرتِهِ- يَتَثَنَّى

وحِسٍّ فريدٍ يُرَقِّصُ أطرافَها

وَفقَ نَغْمٍ وقانونِ فَنٍّ:

تُبَدِّلُ أوضاعَها

وتُطَوِّعُ بُنيَتَها -مثلما يفعلُ الماءُ في قالَبٍ- لَدْنَةً، لافتةْ

متى بدأتْ “وَصلَةَ الرَّقصِ” دارتْ ببطءٍ

كأنْ سوف تَفتَحُ -أسفلَ أقدامِها- مَعبَرًا هائلًا

وستفتحُ نافذةً في السَّماءِ بفعلِ يديها

وتجذِبُ كالجِرمِ ما حولَها.

بَعدَها: تَتَثَنَّى مع الدَّورانِ البطيءِ

كمَن تتخيَّلُ في ذِهنِها مشهدًا، فيهِ تَخطِرُ مَزهُوَّةً، هادئةْ

برقصتِها دِقَّةٌ لا تُضاهى.

تُرى ما الّذي لا تفكِّرُ فيهِ

ليُمكِنَها أن تُحَقِّقَ أسلوبَها العبقريَّ

بلا قلقٍ وخُطًى طارئةْ؟

ولكنَّها لا تُبالي، وتنظرُ للأمرِ نظرةَ بَحرٍ

تضيفُ لأوصافِهِ مَوجَةٌ حُرَّةٌ.

ليسَ أمرًا غريبًا إذا فكَّرتْ هكذا،

بِهِما شَبَهٌ واضحٌ غيرُ هذا،

كلا الكائنينِ -على دَعَةٍ فيهما- يَنزِعانِ

إلى عنفوانٍ، وعاطفةٍ غالبةْ

غرقتُ برقصتِها، وتحقّقتُ أكثرَ مِن مرّةٍ -بيدٍ فوقَ قلبي-

إذا كانَ قلبيَ في رُكنِهِ لم يَطِرْ

بينما هي تَخفِضُ مِن سُرعَةِ الرَّقصِ

تُظهِرُ أقصى اقتدارٍ لها:

تتحرّكُ كالشمسِ، أو ربّما هي شمسٌ

وإيقاعُ دَوْراتِها يحكمُ الأرضَ

يصنعُ أسفلَ أقدامِها هالةً،

ويكلِّلُ بالضوءِ هامتَها.

وبدا أنَّها سوف تغربُ حقًّا،

وكالشمسِ:

تدخلُ -في آخرِ الرَّقصِ- مقصورةً،

خلفَها ذيلُ تنُّورَةٍ كالشعاعِ،

يغيبُ، وتبقى نعومتُهُ في المكانِ دليلاً

على شمسِهِ الغائبةْ

………………………………………….

(تحفة فنيّة)

تملَّكني الخوفُ،

في مَشغَلٍ وضعوني

وأرخوا على جسميَ الصَّلبِ هذا السِّتارْ

 

وقد كنتُ مِن قبلُ أجلسُ في رقعتي

وتناوشُني بأشعتِها دائمًا حيثُ أجلسُ: شَمسُ النَّهارْ

وجاؤوا وفي صَخَبٍ ونظامٍ

أحاطوا بكاملِ جسمي

وفي مَشغَلٍ -لستُ أعرفُ مالكَهُ- أودعوني

ولم يحفلوا إن بفعلتِهم روَّعوني!

توسَّطتُ هذا المكانَ الجديدَ

وحولي بكُلِّ اتجاهٍ جِدارْ

هنالكَ نافذةٌ تدخلُ الشَّمسُ منها

وفي أُلفَةٍ يَلمِسُ الضَّوءُ جسمي، ويؤنسُني،

بينما ربُّ هذا المكانِ

بكفّينِ واثقتينِ

يصوِّرُ مِن هيكلي ما يثيرُ فضولي

وأيضًا يثيرُ المرارةَ في داخلي

وأحسُّ الدَّمارْ

لقد كنتُ صخرًا

وتلكَ حياتي على فقرِها أعجبتْني

فماذا أكونُ هنا؟

ولأيِّ مدًى سوف يرضى غروريَ

عن مظهري المستعارْ؟!

لأقدارِنا حِكمَةٌ

-كنتُ أجهلُ هذا-

وعاطفتي أصبحتْ كُلُّها تترقَّبُ.

يومًا بيومٍ تعمَّقَ في داخلي

حسُّ حبٍّ تجاهَ الّذي صارَ بي،

أو كما قالَ لي صانعي

“كنتَ يا حجري كوكَبًا مُعتِمًا واستنارْ”

بقدرِ الضِّياءِ على مرمري

كنتُ ألمعُ مثلَ الكواكبِ في فُلكِها:

يتوهَّجُ حُسني، ويبرُقُ ثغري وعينايَ

مثلَ اللآلئِ وقتَ انفراجِ المحارْ

مِن الصَّخرِ أُنشئتُ

لكنَّني صرتُ أملسَ مِن مُخمَلٍ

وتعلَّقَ بي صانعي عاشِقًا، ومُصابًا بما كانَ يجهلُهُ دائمًا

ظلَّ يهتفُ بي “يا ملاكي”

وتأخذُهُ غَشيةٌ واصفرارْ

يُصلي، لكي تدخلَ الرُّوحُ في مرمري

بينما ربَّةُ الفنِّ ترفضُ هذا،

برحمتِها وبعلمٍ مُحيطٍ لها

جنبتْنا تجاربَ مَن سبقونا مِن المُلهَمينَ وربَّاتِ إلهامِهم.

ورأى صانعي أنَّها لا تقدِّرُ مأساتَهُ

بينما كنتُ أعرفُ دافعَها جيِّدًا:

ربَّةُ الفنِّ مِن عبقريَّةِ صُنعي تغارْ!

 ــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة مصرية 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم