د. مصطفى الضبع
في مصر 23 جامعة حكومية مما يعني أن هناك 23 كلية للآداب والعدد نفسه من أقسام اللغة العربية وأقسام اللغات الأجنبية وآدابها (أضف إلى ذلك أكاديمية الفنون بكل معاهدها وأقسام اللغة العربية بكليات التربية، وثلاث كليات لدار العلوم تابعة لثلاث جامعات مختلفة وكليتي ألسن (عين شمس – المنيا) و 5 كليات للغة العربية تابعة لجامعة الأزهر وكلية للغات والترجمة و 9 كليات للدراسات الإسلامية والعربية تابعة للجامعة نفسها، إضافة إلى عدد من كليات الشريعة والقانون وأصول الدين وكلها تصب في خدمة اللغة العربية وآدابها).
بلغة الأرقام تخرج هذه الكليات جيوشا من الطلاب المتخصصين سنويا، وباللغة نفسها يحصل العشرات سنويا على درجات الماجستير والدكتوراه في الأدب والنقد ويحصل العشرات على درجة الأستاذية في التخصص نفسه، وبلغة المنطق المفترض أن هؤلاء جميعهم متخصصون في اللغة العربية وآدابها القسم الأكبر من هؤلاء الخريجين والمتحصلين على الدرجات العلمية لديهم القدرة على العمل بالنقد تدريسا وتطبيقا ويمتلكون وعيا نقديا صالحا لإقامة حركة نقدية لها دورها على المستوى التعليميى والاجتماعي والأدبي، فإذا ما اعتبرنا أن صناعة الناقد تتطلب مواصفات خاصة فمن المنطقي أن يكون في كل قسم ناقد (واحد فقط ) تقدمه هذه الأقسام والأكاديميات ولو كل عامين على أقل تقدير بما يعني أن يكون لدينا في كل جيل عشرات النقاد والباحثين الذين لا يقف دورهم عند حدود أسوار الجامعة، وإنما ينضمون إلى الحركة الأدبية التي تقف في انتظار هؤلاء ويحلمون بناقد قادر على الاشتباك، قادر على تقديم مايؤكد أنه ابن لمؤسسة أكاديمية في القرن الواحد والعشرين.
وبلغة المنطق كان في مصر يوما جيل من النقاد والمفكرين شكلوا شخصية مصر الفكرية ووضعوا مقومات طبيعتها التنويرية (من الطهطاوي حتى د. سهير القلماوي مرورا بطه حسين والعقاد والمازني وغيرهم ممن يشكلون خارطة هذا الجيل )، وتلاهم أجيال من النقاد أبناء الأكاديمية المصرية ( من د. عبد الحميد إبراهيم حتى د. سيد البحراوي مرورا بـقائمة طويلة تضم الدكاترة (هجائيا ) : جابر عصفور – سيد فضل – صلاح فضل – عبد الغفار مكاوي – محمد حسن عبد الله – محمد عبد المطلب – محمود الربيعي – يوسف نوفل وغيرهم ممن يمثلون هذا الجيل، وهى القائمة الأطول ممن أسهموا في تشكيل حركة نقدية متعددة وطولها سيكشف ضيق القائمة الممثلة للجيل التالي.
بلغة الواقع المخالفة لكل اللغات والأعراف والتقاليد والأيديولوجيات والشرائع والملل والنحل فإن من يشاركون في الحركة النقدية وربما الثقافية من يشاركون من الأجيال الجديدة لا يتناسب عددهم مع عدد المؤسسات الأكاديمية والعلمية المنتشرة في محافظات مصر (هذا على مستوى النقاد من الذكور سأعود لدور المرأة نقديا في مقال لاحق).
بلغة الواقع تختفي جامعات كاملة بكل كلياتها وأقسامها من المشهد ولم تقدم أستاذا واحدا مشاركا في الحركة النقدية منذ سنوات (هناك جامعات لم تقدم ذلك خلال تاريخها الطويل ).
بلغة الواقع تضيق مساحة النقاد طرديا مع زيادة عدد الجامعات، فيوم أن كان عدد الجامعات المصرية نصف عددها الآن تخرج الجيل الأكثر عددا وجاءت القائمة الأطول من الأسماء، ويوم أن تضاعف عدد الجامعات المصرية تضاءل عدد المشاركين وضاقت القائمة.
بلغة الواقع تتوافر للأجيال الجديدة بداية من جيلنا الذي بدأ العمل الأكاديمي مع ثورة الكمبيوتر وتطبيقاته وانتشار العمل به، تتوافر من الإمكانيات المعرفية والعلمية ومقومات البحث العلمي مالم يتوافر لأساتذتنا ومن سبقهم.
إنها النتيجة الحتمية لما قدمناه من تفاصيل بعض ملامح صحيفة أحوال التعليم المصري فماذا تنتظر من تعليم يقوم على التلقين والحفظ وقتل المواهب، ونظام جامعي متكلس لم يطور نفسه طوال عشرات السنين.
وللحديث بقايا