تناغم  (4)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

فيما يبتكر العالم طرائقه العصرية في التعليم، والترسيخ لما يعرفه الجميع بالتعلم المستمر نظل – بشكل من أشكال عبادة الماضي – محافظين على التلقين والحفظ ولا شيئ غيرهما في إصرار غريب وغير مبرر على إيقاف الزمن وإعادة طرح ما سبق طرحه، ويمكن التمثيل بمثالين فقط:

  • العودة لأسئلة أجاب عنها مفكرون يندر الوصول إلى عقليتهم الآن أمثال محمد عبده (1849- 1905) الذى حسم أمر قضايا ماكنا فى حاجة إلى إعادة طرحها دون تطويرها .
  • طوال حياته التعليمية يظل الطالب المصري يدرس مقررات حتى يتخرج فإذا ماعمل بالتدريس يدرس المقررات نفسها كأن العلوم لم تتقدم خلال عشرين عاما.

إنها الطريقة التلقينية التى لم نعرف سواها ولم نراجع نتائجها وما ترتب عليها من فقدان التعليم أحد أهم مبادئه: الحوار خير وسيلة للتعلم، الحوار بما يقيمه من تكافؤ إنساني بين طرفيه، وبما يمنحه للمتعلم من ثقة بالنفس، ومن ترسيخ لحرية الفكر، لقد أقام الرسول عليه الصلاة والسلام كثيرا من مجالسه العلمية على الحوار، وهو ما يتجلى في كثير من أحاديثه عليه السلام، مدركا ما في الحوار من قيم فكرية وآثار نفسية وفوائد اجتماعية  وهو ما أنتج جيلا من الصحابة وتابعيهم نبغوا في حياتهم ونجحوا في إدارة متطلبات الرسالة المحمدية بعد وفاته عليه الصلاة والسلام وهو ما لم يكن  ليتحقق عبر التلقين كما اعتمدناه  ففقدنا الكثير وفي مقدمته الوعي والحرية، وهو ما نعانيه الآن من أزمات تقوم فى مجملها على أزمة وعي حادة، فعندما تعتمد التلقين طريقا فأنت تفقد – طواعية – حريتك لأنك ببساطة تركت غيرك يقود حياتك، لذا لا عجب أن تعليمنا لا ينتج – في الأغلب الأعم – أجيالا قادرة على التأثير الإيجابي في الوعى، أو يتشكل وعيها وفق رؤية عصرية، مما يفتح الباب واسعا لتأثير الجهل وغلبة التخلف، وماذا تنتظر من إنسان سلم قياده لغيره يبث في عقله ما يزيد من نطاق التبعية.

في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” يرى طه حسين أن شعوبا مستقلة حرة  لم تعصمها الحرية من الاستعمار ومن أن تعتدي عليها أمم أخرى، فالحرية والاستقلال ليستا كافيتين فى غياب قوى أخرى يراها شديدة الأهمية ويراها لا تنفصل عنهما:”  الحضارة التي تقوم على الثقافة والعلم، والقوة التى تنشأ عن الثقافة والعلم، والثروة التي تنتجها الثقافة والعلم، ولولا أن مصر قصرت طائعة أو كارهة في ذات الثقافة والعلم لما فقدت حريتها، ولما أضاعت استقلالها، ولما احتاجت إلى هذا الجهاد العنيف الشريف لتسترد الحرية وتستعيد الاستقلال “، ماذا لو طبقنا الرؤية نفسها على الفرد في افتقاده قوى العلم والثقافة لنطرح سؤالا قصرت الأنظمة المتوالية عن طرحه: هل بمقدور تعليمنا أن يقدم أجيالا تتمتع بالعلم وتعتمد على الثقافة في بناء مجتمعها ؟.

إن وضعا مأساويا على مستوى الرؤية كارثيا على مستوى النتائج يتشكل خلال سنوات دون أن يحرك تفكير القائمين على الأمر مما يجعلك تستحضر نظرية المؤامرة مالم يفصح النظام عن أسبابه في إهمال التعليم، متجاوزا الأسباب العقيمة التي صدعتنا بها الحكومات السابقة وقد راحت تردد مقولة واحدة حفظها الجميع وراحوا يعزفونها فيما يشبه السيمفونية النشاز: زيادة السكان تلتهم كل معدلات التنمية، وهى مقولة صدقها قائلوها فقط ولم يكتفوا بذلك بل أضافوا لها تطبيقات واسعة الانتشار ( إذا اشتعل حريق كبير فالسبب زيادة السكان، وإذا فشلنا في بطولة رياضية فالسبب زيادة السكان، وإذا هبت عاصفة فالسبب زيادة السكان ) وهنا تحولت المقولة من كونها نظرية إلى كونها تطبيقا عمليا وجد صداه في أرض الواقع.

وللحديث بقايا  

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (23)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)