د. مصطفى الضبع
منذ بداية الجامعة المصرية وحتى عام 2000 منحت الجامعات المصرية الحكومية درجتي الماجستير والدكتوراه لـ 1700 باحث في الأدب والبلاغة والنقد من بين هؤلاء 380 باحثة امرأة (الأرقام بحسب ببليوجرافيا الرسائل العلمية في الجامعات المصرية منذ إنشائها حتى نهاية القرن العشرين للدكتور محمد أبو المجد الصادرة عام 2001 عن دار الآداب سنعود إلى الجهد العلمي المتميز لصاحبها لاحقا).
معظم هؤلاء انخرطوا في سلك التدريس بالجامعات المصرية والعربية وكثير منهم رقوا إلى درجات علمية أعلى (أستاذ مساعد وأستاذ)، مما يعني استمرار العلاقة باللغة العربية وآدابها وهو ما يثير حزمة من الأسئلة:
- كم باحثا من هؤلاء فتح آفاق عقول طلابه على المنتج الأدبي وحفزهم على مكاشفة النص الأدبي الحديث متجاوزا تراثا أدبيا من المنطقي أن ندرسه وليس من المنطقي الانغلاق عليه ؟
- كم باحثا واصل عمله البحثي والنقدي بعد درجة الأستاذية (أقول هذا متجاوزا التوقف عند مئات يتوقفون بعد الحصول على الدكتوراه فلا يقاربون البحث العلمي بعد الحصول على الدرجة ولن أكون مبالغا إذا قلت إن بعضهم تنقطع صلته تماما بالقراءة في تخصصاتهم أو خارج تخصصاتهم متجاوزين مبدأ أساسيا يحكم العلوم الآن: في ظل علمية الأدب والبلاغة والنقد فإن لكل علم فتوحاته التي تكاد تتجدد يوميا، ويستطيع المتابع لتخصصه أن يجد فيه الجديد ولو شهريا على أقل تقدير)، أعرف عددا كبيرا من هؤلاء ليس لدى الواحد منهم مكتبة خاصة في بيته تكون بمثابة قناة اتصال معرفي بعالمه وحلقة تتماس مع دوائر معرفية أوسع ليس بإمكان الباحث المعاصر إغفالها.
- كم رسالة علمية نشرت لتكون متاحة لمجتمع من أبسط حقوقه نشر أبحاث تنجز داخل مؤسسات هى ملك للمجتمع بالأساس ومن ثم فإن من المنطقي أن يكون مردود ما ينجز فيها عائدا إلى دافعي الضرائب؟.
- والحال هكذا فالسؤال المنطقي: بم تنشغل هذه الأعداد من الباحثين في الأدب والبلاغة والنقد ؟ وأين هم من ساحة أدبية تضيف المطابع إلى رقعتها جديدا كل يوم ؟.
أنثويا كانت سهير القلماوي (1911- 1997) أول امرأة مصرية تلتحق بقسم اللغة العربية فاتحة المجال أمام المرأة لدراسة الأدب العربي ومنجزة نموذجا مثل بداية غاية في القوة للمرأة المصرية التي تقدم نموذجا للعمل في مجال جديد وفي ظل ظروف ربما لا تدعم عمل المرأة ولا تعينها على التقدم ولكنها انطلقت إلى آفاق تليق بامرأة في حجم سهير القلماوي الباحثة والناقدة والشخصية الأكاديمية التي عملت على توثيق العلاقة بين المؤسسة الأكاديمية والمجتمع خارجها عبر تشكيل قنوات اتصال متعددة (الكتابة في صحف عصرها – الأحاديث الإذاعية – التأليف – الترجمة – تأسيس جمعية خريجات الجامعة (1953) – عضوية مجلس الشعب (1979) وغيرها من الأنشطة الكاشفة عن شخصية لم تتكرر)، وقد كان من البديهي أن تكون هذه البداية القوية باعثا على مشاركة نسائية فعالة ووفق منطق الزمن والتطور كان من المأمول أن تكون المشاركة أقوى وأكثر فاعلية وتأثيرا غير أن الواقع ( وفي ظل تزايد أعداد خريجات الجامعة ) لم يقدم من الأسماء الفاعلة والمؤثرة إلا أسماء متناثرة على مساحة الزمن (ألفت كمال الروبي – نبيلة إبراهيم – أنجيل بطرس سمعان – فاطمة موسى – أمينة رشيد – سيزا قاسم) يلاحظ أنهن يمثلن جيلا أقرب لجيل الرائدة الأولى سهير القلماوي مما يجعل السؤال قائما في سياقه العصري: الآن كم باحثة مصرية من الحاصلات على درجات علمية لديها استعداد بدرجة ما على المشاركة فى العمل الثقافي أو النقدي؟.
يطرح الواقع إجابة محدودة المساحة أخشى أنها تكاد تنحصر في عدد محدود من الأكاديميات المشاركات في الساحة الأدبية الآن وفي مقدمتهن : د. هويدا صالح، ود. أماني فؤاد.
وللحديث بقايا