البشير الأزمي
أضمرتُ في داخلي شهوة جامحة وأنا أسترق النظر إلى المرْأَةِ من خلف ستارة النافذة..
المرأة في الغرفة بالبناية المقابلة بضة؛ بربلتين ممتلئتين، وجسد مكتنز. تفطنت إلى حركاتي، التفتت نحوي، ضحكت بامتلاء كأنها آخر لحظة مسموح لها فيها بالضحك، اختفت عن ناظري للحظة. عادت بعد هنيهة، اقتربتْ من المرآة وبدأتْ تنضو عنها الثياب وتتأمل جسدها. غذت تتنقل، داخل الغرفة، بغنج فتزداد شهوتي اشتعالاً ونفسي مترعة بالرغبة..
غذت متابعتي المرأة البضة من خلف النافذة هواية بل طقساً لا أكاد أتخلى عنه إلا حين تضبطني أمي متلبساً باستراق النظر من خلف ستارة تلك النافذة، إذَّاك فقط أعتذر وأغادر الغرفة، وكثيراً ما يذهب اعتذاري عبثاً، وأعود إلى عادتي المفضلة رغم أن كلام أمِّي يضفي طبقة من الحرمان إلى الطبقات التي تراكمت وغرزت نبال الأسى في نفسي المكلومة.
عزيزي القارئ لا تسألني عن هذا الحرمان، لأنني قررتُ أن لا أبوح به لأحد.
في الغرفة رجلٌ قاعدٌ على أريكة من الجلد، ينظر إلى المرأة البضة، يرشف من كأس، تتجول عيناه عبر تضاريس جسدها، حادت عيناه عنها وتمتم بكلماتٍ لم تصل إلى أذنيَّ.. إذّاك فقط اهتديتُ إلى أن ضحكتها لم تكن لي، فسقط قلبي في جوف بطني، حاولتُ إعادته إلى موطنه فلم أفلح.
المرأة البضة، نظرت إلى الرجل القاعد على الأريكة، زوت ما بين حاجبيها، التقطت حمالة الصدر الملقاة أرضاً، وبصقت في اتجاه الرجل. اندلق لسانُ الرجل بالشتائم، تَصَدَّتْ له المرأة البضة، هي الأخرى، بشتائم وقحة وكلامٍ نابٍ. نَبَتَ لغط على لسانيهما.
قالت المرأة البضة بصوت متهدج اخترق الفضاء ووقع في أذني:
“إن الشارب لم يكن يوماً للتزيين، احلق شاربك وضع بأذنيك أقراطاً..”.
استحضرتُ صورة أبي وهو يعبث بشاربه، وما سمعتُ، يوماً، أمي تعيره بالشارب. لم يستسغ الرجل الأمر. قلتُ في نفسي لو لم تعيره بالشارب لما ركبته موجة غضب.
بلغ بي الوله بجسد المرأة البض وأنا أتابع حركاتها وهي تنحني لالتقاط حمالة صدرها ؛ نضارة وصفاء، ووجه طافح بالملاحة. امتلأ صدري غيظاً بلا مبالاة الرجل وبتهديداته. عجزت تهديداته عن إسكات صرخاتها وقد ركبها الذعر. ازداد صراخها، وما توقفت عن تكرار:
“احلق شاربك وضع بأذنيك أقراطاً..”.
أحسَّ الرجل أن قلبه تَحَوَّلَ إلى شظايا متناثرة والمرأة البضة تهينه. بقيتُ صامتاً أراقبُ ما يجري أمامي. قام الرجل من حيث كان قاعداً، اقترب من المرأة، وبكل ما يملك من قوة ألقاها أرضاً وانهال عليها ضرباً مبرحاً وهو يصرخ. صراخ المرأة كان أعلى وأعتى. المرأة تخفي وجنتيها بصفحتي يديها، والرجل لا يتوانى عن ضربها وركلها. غادرَ المكان وهو يهدر غضباً. فيما قعدت هي تبكي ضياع شبابها الريَّان..
غادرتُ البيتَ، الظلام يعشِّشُ بكثافة. خرجت حاملاً، في ذهني، صورة المرأة وهي تتلقى ضربات رجل عرضت عليه أنوثتها، ورنين صوتها لا يخلو من غنج وبجرس يزيد الفرد إغراءً.. غربان كثيرة تعبر السماء، تُحَوِّمُ وتقتربُ من الشجرة التي أقف عندها، أحدِّقُ فيها وهي تزداد اقتراباً مني.. أقعي، ألتقط أحجاراً بأحجام متفاوتة وأرمي صوب الغربان، لم أصب أحداً منها، يزداد اقترابها أكثر، يزداد نعيقها.. أقف عند البركة المائية الراكدة، أرمي الحجرة الأخيرة المتبقية في يدي، أنتظر حركة الدوائر.. يخيب انتظاري.. أبتعد من البركة، أقترب من الشجرة، أتمدد على بساط الأرض، أتفيَّأُ ظلال الحلم وأغفو..
استرجعت في حلمي يوم صاحبت والدي إلى المسجد لصلاة الجمعة، تذكرت الإمام وهو يخطب قال: “إن ابنَ سيرين يرى أن في رؤيا الضرب منفعةً من الضارب للمضروب، ومن رأى أنه يضرب غيرَهُ في المنام قد يُقَدِّمُ له منفعةً ومعونةً..”.
أنا الآن أبحث عن المنفعة والمعونة التي حصلت عليها المرأة.
أراني، في غفوي، أُضمرُ في داخلي شهوةً جامحةً وأنا أسترق النظر إلى المرأة من خلف ستارة النافذة..