تشـابك ..
تشابك
مريم عبد العزيز
لسنوات طويلة ظل خط الهاتف بمنزلنا يستقبل الكثير من الأرقام الخاطئة ,كان ذلك قبل أن تتطور وسائل الاتصال ليصبح المحمول في يد الجميع. في أواخر الثمانينات و أوائل التسعينات من القرن الماضي كان يحدث أن تتشابك بعض خطوط الهاتف نتيجة لتدهور الشبكات بعد الحفر الذي تم في بعض المناطق لإنشاء مشروع مترو الأنفاق,و كان لنا نصيب من ذلك التشابك برقمين نستقبل مكالماتهما بانتظام : الأول هو رقم مكتب البريد القريب من منزلنا, و الثاني هو رقم أسرة مدام أيفون و زوجها الأستاذ وديع, و قد استنتجنا من خلال المكالمات التي نستقبلها بدلا منهم أن لهم ابن و ابنة. و عندما كبرنا بعض الشيء دفعنا لهو الأطفال أن ندّعي أن الرقم صحيح فأقوم أنا بدور مدام أيفون و يقوم أخي بدور الأستاذ وديع خاصة في الأوقات التي تتغيب فيها أمي عن المنزل. وخلال سنوات من التشابك تلقينا أخبار كثيرة عن هذه الأسرة الموازية لأسرتنا ربما في بعد أخر. تلقينا خبر نجاح جينا ابنة مدام أيفون في الثانوية و التحاقها بكلية الصيدلة,و تلقينا التهاني بزواج جورج أخيها, و تمنيات بالشفاء للأستاذ وديع عندما مر بوعكة صحية,و أخبار عن هجرة جينا و أخيها إلى كندا بينما كانت المتحدثة تحاول إقناع مدام أيفون بالهجرة معهم لكنها دائما ما تتعلل بمرض وديع. عندما أفكر في الأمر على نحو آخر أظن أنهم حتما يتلقون مكالمات بدلا منا,و أنهم حتما يعرفون عنا ما نعرفه عنهم. و بعد مرض أبي تركنا المنزل, بل و الحي بأكملة و انتقلنا إلى منطقة أخرى. و في زيارة سريعة مني في السنوات الأولى من الألفية الجديدة بعد رحيل أبي لأتفقد أحوال المنزل قبل عرضه للبيع, رن الهاتف فرفعت السماعة, فأتاني صوت رفيع حزين " البقية في حياتك يا أيفون".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصة مصرية، والقصة من مجموعة "من مقام راحة الأرواح" ـ تصدر قريبًا عن روافد