تأملات على السطح المصقول

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

علاء محمود*

تأمَلت الإضافات التي زادت إلى حنايا وجهها بفعل ضربات معول الزمن ، وتلمست شعرة تبدل لونها إلى الأبيض .. ثم زفرت لتخرج أنفاسها الحارة إلى سطح المرآة لتضببها لحيظات، وسرعان ما يلعقها العدم ..

أنهمرت الدموع غزيرة من مآقيها وهي تتذكره .. لقد عشقته حتى النخاع .. كان سعادتها .. ملأ روحها بالطمأنينة ، وروى نفسها الظمأى إلى الحب . كانت مجالستها له تملأها نشوة ، وتجعلها تهيم كالفراشة ، وتذوب من الوجد . أينتهي كل شيء بمثل هذه السهولة والسرعة ، ولم تمض بضعة أيام على إرتباطهما ؟

بعد أن كان مستقرها وملجأها .. أيغرق زورق أحلامها الجميل ؟

لقد حطمها على صم الصخور . تركها وسط فراغ خاذل ، ووحدة مضنية .. ألقاها من نعمائه إلى فلاة مقفرة موحشة ، قفرة شديدة ووحشة جاثمة .

أينتهي كل شيء ولم يخف بعد تلامس الخاتم الذهبي لإصبعها ؟

تلمسته بحسرة ، وطفرت العبرات من مآقيها ، وهي تشهق في ألم :

– يا إلهي .. لم تمض سوى بضعة أيام .. بضعة أيام فقط .

ضغطت بأسنانها على شفتها حتى أدمتها . هتفت بكل المرارة والثورة في أعماقها : لماذا يا حبيبي ؟ لماذا دمرتي أحلامي بهذه الوسيلة المفجعة ؟ لماذا ألهبتي قلبي بذلك السوط الموجع الأليم ؟

عادت تتأمل ملامحها على السطح المصقول، وتتساءل بلوعة :

– ألن أعيش الحب أبداً ؟ كم أشتاق إلى موسيقى هادئة على ضوء الشموع . وردة نضرة . يد حانية تربت على كتفي ، وصياح طفل داخل مهد صغير.

عادت إليها ذكراه عندما عرف الحقيقة .. لقد شلت المفاجأة أطرافها ، وتملكها الشعور بالهوان والأنقباض البائس اليائس ، ولم يقو فاها على النطق ببنت شفة؛ كجرذ يرى الموت هر زاحف. كان الموت عندها أهون بكثير .

تحسست وجهها بأناملها، لقد بدأت الأعراض في الظهور، والألم هائلاً في كل مرة .

أخذت تقلب رأسها يمنة ويسرة كاشفة كل مرة عن عارض من وجهها المنقبض، الذي أستقرت في صفحته شحوب مغبر مندى بحبات العرق.

ثم صاحت بصوت هادر : آآه .. يا إلهي متى ينتهي هذا العذاب .

ثم بدأ التحول بشكل مروع .

أنتشرت تلك الشعيرات المخيفة على جسدها بالكامل، وتضخمت شعيرات رأسها حتى صارت ألاف من الديدان المخيفة بلونها الأسود، وعينيها الحمراء المضيئة.. وتجعد وجهها بطريقة مريعة حتى صار أقرب إلى وجه قرد عجوز له من العمر ألف سنة .. ثم التصقت قدماها ببعضهما حتى أمست كذيل وحش الكومودو ..

وجاءت نهاية التحول عندما أشتعلت عيناها كشموس صغيرة ..

بدأت تزحف إلى خارج الحجرة، وهي تحاذر بشدة من شيء واحد فقط ..

شيء تعلمته منذ بداية تحولها ..

ألا تنظر إلى السطح المصقول للمرآة ..

أبداً ..

فنظرة واحدة ستفعل بها كما فعلت هي بضحاياها على مر العصور..

وكما فعلت بحبيبها الوحيد .. الذي ذهل وكاد يفقد عقله ..

كانت ستحيلها إلى تمثال .. من حجر .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

* قاص مصري

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم