الصياد والطريدة .. الحكاية التي روتها الإنسانية أولاً

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ماهر شريف 

في أقصى أركان الأرض، وفي أوج سقوط المطر، تبدأ لعبة الصياد والطريدة. الطريدة تقطع الأرض قفزا مجتازة طرقها المتعرجة بمهارة، وعلى مسافات متفاوتة تتوقف قليلا لتحك جلدها بأحد الأشجار، وتترك عليها شيئا منها، وهكذا حتى تخلق دائرة واسعة، تغلقها بمهارة عند نقطة بدايتها.

تعلم الطريدة أن الرائحة التي بعثرتها في المطر تجعل اللعبة أكثر تشويقا، فكلما زاد هطول المطر انتشرت الرائحة في كل مكان، تتشابك الرائحة مع كل موجودات المكان لتخلق دائرة أخرى، الطريدة تعيد تشكيل نفسها في كل الأرجاء. بينما يقبع الصياد متشمما الأثر، للصياد حدس إضافي يجعله يتخطى جميع الألغاز التي تصنعها الروائح في المكان، يفرز الحقيقي من الزائف بسرعة فائقة، سرعة تعادل تفكيره بالطريدة، وكلما كان صادقًا وحقيقيًا كلما كان إحساسه أقوى بطريدته، يتطلب ذلك علاقة من نوع خاص تنمو بين الصياد وطريدته، علاقة مبنية على النقصان والاكتمال، الحقيقة والصدق، عند تمام العلاقة تتم الدائرة، ويلتقط الصياد إشاراته الحقيقية، عندها يجد طريدته في نهاية الدائرة جالسة تنتظر.

الطريدة لا تخشى الصياد. فقط ينمو خوف الاكتمال كالعشب البري النقي. الطريدة تعطي الصياد علاماتها ممزوجة ومبعثرة، وأحيانا خاطئة وغبية،إنها تصنع لذة التتبع.

قانون الاكتمال يقول إن الصياد الذي يجري في تتبع لانهائي لطريدة لا يجدها يتلاشى ويذوب، والطريدة التي تفر من صياد لن يجدها أبدا تتهاوى وتنتهي، وهذا ما أوجد افتراض الطرائد أو افتراض الصياد؛ شئ كاذب وجميل خلق سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب البشرية التي تجعل الحياة أكثر عذرية وتشوشا. هذه هي لعبة الإنسانية الأولى، اللعبة التي انبعثت خلف زفرة الوجود الأولى، فشقتها.. طريدة.. وصياد، صياد فارغ وأجوف يطارد طريدته الأولى الصغيرة العصية.. يطارد الحياة.

إنها المطاردة الأولى والتي بتمامها بدأت الإنسانية في الوجود، بدأت ولن تنسى أبدا لعبة المطاردة، كما لن تنسى الحياة أن تفر من الإنسان هاربة عند أول لحظة استطاعة، وتتركه جسدًا فارغًا مهملاً كما بدأ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 من مجموعة “الهباء” لـ ماهر شريف … الصادرة مؤخرًا عن دار صفصافة 

ماهر شريف كاتب ومصمم كتب وسينوغرافيا من مواليد الإسكندرية في 1963. تخرج في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية وعمل فترة بالمحاماة قبل أن يتفرغ للكتابة والعمل الفني في منتصف التسعينيات. شارك في تحرير وتصميم مجلة خماسين (1996-1998) ومجلة مينا (2005-2009). نشر قصصه في عدد من الدوريات الأدبية والكتب الجماعية. أصدر في عام 2004 على نفقته وبتصميمه مجموعة (نصوص الكل) وضمت مجموعتيه القصصيتين (قبو الاشتهاء) و(يا حواديت إيمان) ومجموعة مشتركة مع الكاتبة إيمان عبد الحميد بعنوان (…..). قام بإنشاء وتنفيذ وتحرير سلسلة كتب منفذة يدويا بعنوان (يدوية) ومن ضمن إصدارتها مجموعته (حكاية وحكاية) عام 2005 ومجموعته (نصوص العشق) عام 2015. حصل على منحة الصندوق العربي للثقافة والفنون عن مشروع يدوية خلال عام ‏‏2011‏، وجائزة مؤسسة اتجاه 2013.

مقالات من نفس القسم