بروفايل الحاجة الطاهرة … فصل من رواية حارس الفيسبوك

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

  

11:40 PM

حالة الفوضى التي ضربت الموقع قبل ثلاث ساعات فتحت شهية زيزو لجمع أكبر قدر من المعلومات، وهو يجلس مسترخيًا وراء مكتبه المليء بأجهزة الكمبيوتر وعلب السيديهات والأسلاك الموصولة، في شقة من غرفتين تطل على ثاني ناصية من شارع ناهيا.

كانت تتناثر حوله هنا وهناك بقايا الوجبات الجاهزة وسراويله الداخلية الملونة وجواربه وأكياس الطعام الورقية الفارغة. فرد أصابع يديه الاثنتين فوق أحرف الكيبورد، وراح يقفز برشاقة من صفحة إلى أخرى. بنقرات بسيطة، وعين فضولية، كان يتلصص على حياة الآخرين. وإن كان جسده الناحل لا يوحي بطاقة الشر الكامنة فيه. يعرف لماذا يحرص فلان على اللايكات لفلانة، ومن يتجاهل من ويعطيه كتفًا افتراضية!

ـ "شكرًا يا عم مارك"!

قالها لنفسه، وهو لا يصدق حجم انهيار الخصوصية. أغلب المستخدمين مازالوا يواصلون دردشاتهم بالشكل المعتاد، دون أن ينتبهوا لحجم الكارثة! ربما هي الثقة المفرطة في تطمينات الشركة بأنهم في أمان، وأن كل شيء تحت السيطرة!

كل الأسرار كانت معروضة أمامه، دردشات ورسائل كافية لتدمير بيوت! ثمة رائحة مغوية، كانت تجذب أنفه وتقوده إلى صفحات بعينها. رائحة مستترة وراء تعليق..غمزة.. لسان أحمر مائل يطل من رأس فسفوري. لقد اعتاد أن يجلس على مقهى "سكر زيادة" في تلك المنطقة الفاصلة بين عالمين.. للاستمتاع بالمقارنة بين أرداف النساء العائدات إلى بولاق وأرداف النساء المتأنقات المتجهات إلى حي المهندسين. والآن كان يروق له أن يجلس على ناصية صفحته، وبضغطة بسيطة يستمتع بالاستعراضات نفسها.

الناس كلها تتصرف مثله حتى لو ادعت الفضيلة. فماذا يفعل الآخرون طول الوقت عدا عن مراقبة بعضهم البعض؟ الفارق الوحيد في المهارة، فملك السبام يصل إلى ما لا يستطيع غيره الوصول إليه. مجرد موهبة خاصة خدمها الحظ الليلة. مثلما يراقب أحدهم امرأة جميلة وهي تعبر الطريق، يفعل الشيء نفسه، لكنه فوق ذلك  اكتشف في نفسه موهبة كشف أسرار جسدها من تحت الملابس.

كلما انتقل من صفحة إلى أخرى، كانت تظهر على يمينه بروفايلات شبه إباحية. كل اسم يتنافس في اكتناز أعلى شحنة إثارة: موناليزا اللذيذة، سونيا الزانية، اسأل وجرب مع فاتنة الخليج. أسماء وصور تدعوه إلى المغامرة. بنات ونساء لا تظهر منهن سوى كتل عارية..صدور..أفخاذ.. سيقان عارية تتنزه على شاطئ البحر! وبعضهن كن يتخفين وراء أقنعة الأوركيد أو..نجمة مضيئة في سماء بعيدة. لا تروق له تلك النوعية من النساء، فلو كانت تثق حقًا في أي شيء لديها لن تتخفى وراء أقنعة بلهاء. ليس معنى ذلك أن اللواتي كن يتخفين وراء عري آنجيل دارك، وياسمين لافيت، أفضل حالًا، لكن صورهن كانت تعطيه وعدًا بمغامرة مجنونة، كما حدث مع صوفي هوارد التي من المفترض أن يلتقيها في الواقع، لأول مرة، في التاسعة صباحًا.

كان قد التقطها قبل ثلاثة أشهر من صفحة "المتعة الحرام للجادين فقط"، استوقفه اسم بروفايلها "الحاجة الطاهرة" حتى كاد أن يقع أسفل المكتب من الضحك لأن كل صورها لا علاقة لها لا بالحج ولا الطهارة! درس بتمعن تضاريسها في عشر صور تُظهر جسدًا لا يشبه بالطبع أجساد بطلات أفلام البورنو، وهنا مكمن إثارته. جسد حقيقي جدًا، بكل عيوبه، بخطوط الزمن وثنياته اللدنة. ضبط يده لا شعوريًا تعبث داخل الشورت وهو يعاود تأمل قبة "الحاجة الطاهرة". قبة عفية وعالية فلا مانع من عبث خفيف على شرفها! ما الذي يمنع أن تكون نظراته الشبقية اصطدمت لحظتها بنظرات شبقية لشخص آخر كان يشاركه نفس الإعجاب باندفاع مؤخرة "الحاجة الطاهرة" إلى أعلى؟ لم يتحمس كثيرًا لعرضها بممارسة "السكس فون" مقابل كروت شحن الموبايل. كانت تتباهى بأنها خريجة "كلية السكس" وتعرّف نفسها بأنها "قحبة...." ثم تضيف بكل فخر اسم بلدها.

ظل يتتبعها لأسابيع حتى بعدما غيرت صورة البروفايل من مؤخرة عريضة إلى ساقين عاريتين بجوارهما يقف وادعًا كلب لولو بفرو كثيف. كان الكلب الصغير مربوطًا بطوق جلدي في رقبته يمتد منه حبل، تمسك به يد لا وجود لها.

كانت تخفي وجهها أو تركته في الجزء الخفي من الصورة. إضاءة دافئة تلتف حول ساقيها وتخترق مسام جوربها الأسود المشجر، والذي ينتهي أعلى فخذيها بفيونكة بيضاء. مثلث منفرج على الإغواء تنتهي قاعدته بفردتي صندل بسيور جلدية حمراء.

أحس صندلها قاتلًا له بكعبه العالي ونعومته ولمعانه. بروفايلها آخر الليل كان له تأثير غامض ومغو. فلو جمع رسائل وتعليقات الرجال على حائطها بأن يكونوا بدل كلبها "اللولو"، لاحتاج إلى مجلدات. كانت لا تفعل شيئًا، ما بين الحادية عشرة والثانية عشرة مساء، غير الموافقة على طلبات إضافة تأتيها من عشرات الرجال. أقصى ما كانت تفعله أن تكتفي ب "لايك" على كل كومنت يتغزل في ساقيها.

ظل يتابعها بصبر قناص وهي تتحول من "الحاجة الطاهرة" إلى "صاحبة الكلب لولو".. أخيرًا غيرت اسمها إلى "صوفي هوارد"، وبعد "المؤخرة" و"الساقين وكلب اللولو وضعت صورة لصوفي هوارد بإطباق شفتيها وتكويرة الثديين الكبيرين لكنها أبقت عينيها خارج الكادر.

كان خبيرًا بما يكفي ليتلقط من بين كل الصور العارية التي تضيفها، صور جسدها الحقيقي. مؤخرتها الحقيقية التي سربتها بين عشرات المؤخرات المزيفات. وقبل أن توافق على اللقاء به في الواقع دارت بينهما حوارات كثيرة عن الأحجام ومقاسات السوتيانات والسراويل الداخلية، كي تتأكد أنه رجل ويتأكد أنها امرأة.

غادر إلى صفحة مهلبية. سخر منها، في سره، وهو يراها مازالت تتمرغ على الوول بجسدها وشبقها ونكاتها. حتى عندما ترغب في التبول كانت تستأذن ممن تفترض أنهم ساهرون مثلها.

كان الرجال يلبدون في انتظارها.. مخلصين، إلى درجة مضحكة، مثل كلب يتشمم شيئًا أُلقي أمامه فجأة، قبل أن يهز ذيله باللايكات.

ثم دفعه الفضول لمعرفة رد فعل منال على رسالته، فاكتشف أنها لم تقرأها بعد. أيضًا هدى لم تكتب أي شيء منذ ثماني ساعات. تقريبًا هي تتعامل مع الفيسبوك كأنه فنجان قهوة في الصباح، ثم تنساه. ولا تكتب أكثر من بوستين في اليوم.

ظل هكذا.. منغمسًا في استقصاء تفاصيل وأسرار كل بروفايلات الحريم التي تلوح أمام عينيه. مثل قصاص الأثر الذي يتتبع حركات الأقدام الناعمة هنا وهناك.

كان وجهه صامتًا ونحيفًا بشكل لافت، يزيده الشارب الرفيع غموضًا، وعلى أنفه انحدرت نظارة من دون إطار. أراح ظهره بالكرسي إلى الخلف، بينما كانت تطل عليه من أعلى الجدار القديسة مريم. من زاوية معينة تبدو وكأنها تتلصص عليه. ومن زاوية أخرى كأنها تباركه بنظرتها الحانية.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 صدرت مؤخرًا عن الدار المصرية اللبنانية

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون