الشاعرة ذات المؤخرة الكبيرة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 حذفت شاعرة شهيرة من صفحتي. ليس هناك سبب محدد. من وقت لآخر تعودت على حذف عدة أشخاص لأن ذلك كان يُحسن مزاجي. هذه المرة لم أكن متضايقًا ولا مكتئبًا.

سألتُ نفسي: لماذا حذفتها؟!

 

كانت نشيطة تعرض صور الكتب المهمة التي صدرت هنا وهناك. وكان لديها قائمة تناهز خمسة آلاف صديق، فما إن تضع صورة كوب القهوة عالقًا بين إصبعيها اللدنين، حتى تنال في ثوانٍ أكثر من مائة لايك. فقط مجرد إصبعين ضخمين بظفرين طويلين وملونين. هذا ما كان يضايقني. العناية المتكلفة بإصبعين يفتقران لأي جمال. ألوان طلاء غريبة. مرة أزرق قاتم أو وردي صارخ.

لا أقول إنني حذفتها بسبب ضخامة إصبعيها أو لون طلائهما المستفز. لكنهما كانا يذكرانني بما يشبه المأساة. مأساة أن تعافر امرأة بكل قوة، وتنفق نقودها، للإيهام بأنها تملك جمالًا لا وجود له من الأساس. ولعلها تظن أن مائة لايك استفتاء على جمال إصبعيها. ليست أكثر من نفاق رجال.

طلتها لا تقارن بجميلات سوريات ولبنانيات شابات كن يحصلن على أكثر من ألف لايك في دقائق على أي صورة لهن. لأنهن جميلات حقًا. هذا الجمال الصريح الذي لا يختلف عليه اثنان.

قد يبدو كلامي ذكوريًا. مهينًا. لكنها الحقيقة. أي رجل سيفكر مثلي. صحيح أن هذه الشاعرة تدعي على الدوام أنها نسوية، ومتجاوزة التقييم الذكوري. لكنه مجرد ادعاء. فهي مشغولة تمامًا بأنوثتها، وراغبة في نيل استحسان الذكور.

مثلًا، عندما تنشر صورتها في مقهى على النيل، وسط إضاءة شاحبة، وهي تدخن الشيشة وتعلق: “أموت في الشيشة”.. يمكن تفسير الصورة بأنها رغبة في المساواة المطلقة مع الرجال وتدخين الشيشة مثلهم. ويمكن تفسيرها بأن وضع مبسم الشيشة في فمها، مع اتساع عينيها ونظرتها الشاردة، ليس سوى رغبة شبقية واحتياج إلى ما يملكه الرجل.

ما الذي سيعجب الرجل في شعرها القصير الأجعد مثل ليفة الاستحمام؟

في مثل سنها، وقد بلغت الخمسين ولم يعد لديها أي مشمش تتباهى به، كان الأولى بها أن تغطي شعرها بحجاب بسيط.

ليس هذا ما ضايقني منها. بالعكس كنت متعاطفًا معها، ولم أبخل عليها باللايكات، لأنني متفهم لاحتياجاتها.. فامرأة تسهر وحدها في مقهى على النيل وتدخن الشيشة، بحاجة إلى الحنان أكثر من أي شيء آخر. تقاوم بؤس وحدتها بنشر صورتها على الفيسبوك والاستمتاع بحنان وإعجاب من يعلقون عليها.

لا أستطيع أن أحدد سبب ضيقي وحذفها فجأة، رغم أنها هي التي أرسلت تطلب إضافتي، وكانت لطيفة معي، وإن لم نتبادل أية رسائل خاصة. كان هناك شيء متشابه بيننا. تقريبًا لدينا نفس الآراء في السياسة والدين والكتب والأفلام، وكلانا من النوع المتشبث بصفحته الافتراضية على مدار الساعة. وإن كنت أميل إلى وضع المراقب الصامت الخفي. أطالع كل ما ينشره الآخرون ولا أقوم بأي تعليق أو لايك. ليست سمعة جيدة أن يشعر الآخرون أنك مدمن فيسبوك. أما هي فكانت صريحة جدًا في إدمانها، ولا تتوقف عن اللايكات ونشر بوستات وصور متلاحقة، ومقاطع شعرية من أسخف ما يكون: “ضمني بقوة كي أغرق في حضنك”. أليس مثل هذا الشعر رسالة احتياج واضحة؟

فكرت أن أنشر بوستًا موجهًا إليها، أطالب ألا يزيد ما ينشره المرء في اليوم عن خمس بوستات، حتى يتاح للجميع فرصة التعبير عن أنفسهم أيضًا. هل هي مهووسة أم متسلطة؟ لا تمر ربع ساعة دون أن تنشر تعليقًا على حدث ما، حتى لو كان عن انقراض الباندا في الصين.

الصور لديها أكثر من الكلام. مرة في رحلة نيلية.. ومرة في المتحف المصري بجوار تمثال إخناتون ببطنه البارزة. فكرت أنها مثله لديها بطنًا مترهلة ومصابة بالاستسقاء، لأن فساتينها المحبوكة عليها، عارية الصدر والكمين، لا تخفي شيخوخة جسدها. يمكن يوضوح تخمين ضخامة حلمتيها وتهدل ثدييها قرب سرتها. الأكياس الدهنية حول خصرها وترهل جلد ذراعيها العاريتين. السمينتين.

لا أدعي أنني كنتُ مهتمًا بالوصف التشريحي لها، لكن لكثرة الصور التي نشرتها انطبعت شيخوخة جسدها في ذاكرتي. فكل فساتيها قصيرة فوق الركبة، وبلا كمين، وألوانها صريحة مثل الأصفر الزاهي. لن أتحدث عن ضخامة فخذيها، وشعوري السيء بخشونة ملمسهما.

هناك فكرة طاردتني قبل حذفها، أنني بت أشتهيها. لكثرة صورها، تسلطتْ عليّ، فرضت نموذجها الجمالي، أو غير الجمالي، على رغباتي. أحيانًا تكون المضاجعة بدافع الكراهية. شيء عدواني يدفعنا للانتقام بمضاجعة مذلة. فلو ضاجعتها سأنتقم من كل صورها التي شوهت نموذج الجمال الأنثوي في مخيلتي.

لستُ متأكدًا ـ بعد التخلص من إلحاح صورها ـ أنني استعدت سلامة ذوقي وما يجب أن يتوفر في المرأة المثيرة مثل كيم كارادشيان. المسألة ليست نسبية فقط، بل هناك سحر غامض يجعل أبشع امرأة مثيرة في لحظة ما. فحتمًا من بين آلاف شاهدوا نصف يدها وهي تحمل فنجان القهوة، هناك شخص ما وجد في ضخامة إصبعيها إثارة لا تُحتمل.

هذا ما أدركته الآن على نحو ملتبس. هذه الشاعرة صيادة ماهرة، تدرك قوة البرمجة العصبية مع توالي صورها. الألوان الزاهية المبهرة. الكتل العارية. حتى لو كانت مترهلة. الأجزاء الناقصة في الصورة. مثل تصوير شفتيها تطبقان على مبسم الشيشة مع إخفاء عينيها.

لا أنكر أنها كانت تختار، أو تطلب ممن يصورها، زوايا بعينها.. مثل لقطة بعيدة لها، بفخذيها العاريتين وسط موج البحر. الموج رومانسي وشبقي جدًا، كان يكثف حضور نصفها العاري، وهو يستسلم أسفل قدميها المخفيتين في الماء.

آخر صورة نشرتها ـ قبل حذفها ـ بدت بفستانها الأزرق منحنية على وردة جورية. هذا التباين بين ضخامة ردفيها ورقة الوردة لا يُمكن أن يمر مرور الكرام.

لماذا حذفتها فجأة؟ لا أجد إجابة قاطعة. هل هو الحسد لأنها تحصل على لايكات أكثر مني.. الرغبة المكبوتة وعجزي عن الحصول عليها.. جمالها ـ إن اعتبرناها جميلة ـ الذي كسر وحظم كل نماذج ومقاييس الجمال في داخلي؟!

ماذا لو أرسلت إليّ رسالة قصيرة تخبرني برقتها المصطنعة أنها فوجئت باختفائي من قائمة أصدقائها؟!

حضرت إجابة مقتضبة: “آسف.. ربما حدث خلل تقني أخرجك من قائمتي”.

 أنا وهي نعرف أنها جملة كاذبة بلهاء. لكن سيترتب عليها أن أرسل إليها طلب إضافة، ومن باب الذوق ستقبله.. وسأستأنف غصبًا عني رؤية إصبعيها الضخمين وترهل ذراعيها وصدرها ومبسم الشيشة في فمها.. وتلك الوردة المسكينة بجوار مؤخرتها الكبيرة.

مقالات من نفس القسم