السخرية من الأساطير.. رواية “ألعاب الهوى” أنموذجاً

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 82
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عقيل عبد الحسين

يقول بارت في مقدمة كتابه أسطوريات: «إنني أطالب بأن نعيش تناقض عصرنا بشكل كامل. هذا العصر القادر على أن يجعل من السخرية شرطا للحقيقة. وليس من شيء يثير السخرية بمقدار السعي البشري إلى إقامة الأساطير، ذلك الذي يحكم عالمنا}. 

وإذا شئنا التفصيل في أساطير عالمنا عبر رواية مثل رواية “ألعاب الهوى” (2004) لوحيد الطويلة، فإن منها ما يتصل بعالم الرواية، ومنها ما يتصل بالرواية نفسها شكلا ودورا، وبسؤالها، الذي يشكل رهانا من رهانات الكتابة الروائية في وقتنا الحالي.

وسأترك الأخيرة إلى نهاية المقالة لأقف قليلا عند عالمها الروائي الذي يسير بشكل متواصل في إطار ما يسميه باختين الثنائية الصوتية. إذ يتشكل خطاب السخرية، الذي هو خطاب غير مباشر تظهر دلالته عبر حوارية اللغات والخطابات التي تؤدي نفسها ببنيات مزدوجة، من صوتين مختلفين (جماليات السخرية، محمد مفضل:9)؛ ففي أحد مشاهد الرواية يجتمع العم الحاج قرد مع ابن أخيه الشيخ حامد.

والأول لص استولى على أموال العائلة كلها بمن فيهم حامد. أما الثاني فهو شيخ جامع القرية الحاصل الوحيد من أبنائها على إجازة الأزهر.

ويبدأ ثانيهما بنصح العم العجوز بأن يذهب إلى الحج ليمحو الذنوب الصغيرة التي له، ويُدفن إن مات هناك في الأرض المدفون فيها النبي.  إن نبرة السخرية واضحة وعالية في صوت الشيخ حامد، فهو يشير إلى الذنوب بكلمة (صغيرة)، وهي ليست كذلك، كما يعرف العم، وكما يعرف قارئ الرواية.

ولو توقفت السخرية عند كلام الشيخ، لبدت سخرية ثأرية تتعلق بحامد الذي يكره عمه؛ لأنه استولى على ميراثهم، وتركهم، هو واخوته، لوضع يشبه الفقر.

ولكن استمرار السخرية بتحولها إلى صوت آخر مقابل، هو صوت العم قرد، جعلها سخرية موجهة إلى المنظومة القيمية التي توجه سيرة الشيخ في الرواية وكلامه الانتقادي لعمه.

إذ لا توجد أرض نقية، ولا مكان مقدس، ولا عالم خال من الآثام والآثمين.

وبذلك تنثلم أسطورة الديني وينكسر مداها الطهراني الذي وجه صوت السخرية الأول، أي صوت الشيخ. وتنتقل التعددية الصوتية إلى الشخصية الواحدة، فهي توجه خطابها لنفسها مفندة ومعترضة في سياق حوادث كثيرة يمر بها الشيخ حامد، منها أنه بينما يقف في مشهد الحساب الافتراضي بين الجنة والنار تنقصه حسنة واحدة يُذّكره صوت مشتق منه بأن المسألة ليست في الكلام الكبير الذي كان يقوله للناس من على منبر الجامع، “المسألة في الفعل. يا حامد لو انك قسمت دكر البط مرة واحدة على إخوتك…لو أعطيت القونصة والكبدة مرة واحدة لنميرة (الزوجة) مرة واحدة من نفسها، لو لم تعنفها حين أعطتها لأمك من وراء ظهرك، وادعت أن القطة خطفتها، لو لم تحرمها من الحوايج في ذلك اليوم عقابا لها. لو لم تقصر في درس العصر حين كنت تتكاسل أيام الشتاء” (ص28). لولا كل ذلك لحاز الحسنة، ولم يحتج إلى أن يطلبها من أمه ومن أخيه ومن أهل القرية من دون جدوى.

والصوت الثاني، الذي يعكس حقيقة الشيخ حامد النفسية والسلوكية للقارئ، يسخر من أسطورة الرجل الصالح الاستثنائي في القرية، ومن سلطته التي تخوله الوعظ واستنكار أفعال الآخرين وذمهم، والتعالي عليهم. 

والسخرية التي تحفل بها رواية “ألعاب الهوى” تنتقل من تفنيد الأسطوري، وإضعاف من يمثلونه ويمارسون سلطتهم باسمه، إلى تجسيد دور مهم من أدوار رواية حقبتنا، هو نقد الجاد، وما يُقدّم على أنه الحقيقة وما يسنده من أساطير، وما ينجم عنه من سلطة، واستبداله بالسخرية وبما تؤديه من تشكيك وإضعاف يسهم، بشكل أو بآخر، في تحرير الحياة من سلطة الوهم. ويكفيها، أي السخرية، قبل ذلك وبعده، أنها تقدم للقارئ المتعة.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم