عبد العزيز دياب
أخيراً أدركنا فائدة أن تتحطم لنا الطاولة، لم نسأل من حَطَّمَها، كنا نتابع أبى عن كثب وهو ينقل حطامها إلى الشرفة، وللمرة الأولى شاهدنا أمى وهى تجهز لنا الكيك، قضينا السهرة كاملة فى الشرفة دون أن نتوقف عن الحديث: جاءت عمتي بعد غياب استمر لأكثر من عام، تقافز حولها الكلب “بوبى” كعادته، طوت المظلة وقالت ستمطر الليلة، جاءت ومعها كتيبات ملونة، ودبادب صغيرة، وسيارت، وقرد يضرب على طبلة، أثنت كثيراً على الكيك الذى صنعته أمى وطلبت كوب نسكافيه باللبن، فضلت أن تجلس بجوار أبى بالشرفة، قبل أن تبدأ الحكى عن يومها وعن “بوبى” عندما خرج الجيران للبحث عنه، جاء خالى ومعه الكاميرا التى ترش الماء، قام بتصويرنا ورشنا بالماء فى وقت واحد، الغريب أنه عندما انضم إلى أبى وعمتي فى الشرفة بدأ يحكى عن كلبها الذى تاه وهو يركض وراء الكرة التى شاطها ولده، وكيف أنه تتبع خطى الكلب ليعرف مهارته فى العودة بها لكنه تاه منه فى الزحام. قَبَّلَت أمى رأسه وهى تضع فى حجره طبق الأرز باللبن والمكسرات، كانوا سيبدؤون الحديث عن الطاولة لحظة مجىء أختي بصحبة زوجها، عرضت علينا الجوائز التى حصلت عليها فى تحريك عرائس الماريونيت، زوجها كان فخوراً بذلك، قال إنهما بصدد إنشاء مسرح عرائس بالحى، لم تبخل على بعروس اسمها “سوسن” وبدأت تعلمنى كيف أحركها. الشرفة ضمتنا جميعاً بعد أن انضمت لنا الجارة مراسلة قناة embo”” الفضائية، وثلاثة من أصدقاء أبى، وثلة من تلاميذ مدرسة “عادل ألفونسو الابتدائية”، وصديقة أمى الأنتيم التى “تفصص معها البسلة” صباحاً، كان الحديث عن الطاولة ذى شجون. لم أقل لهم إنها كانت فرسة ترمح بى لأشاهد عرس الأميرة الزنجية التى قرأت قصتها، وأنها فى كل مرة كانت تنحرف بى إلى حافة النهر لأشاهد معركة ساخنة بين قطيع قردة، لكننى قلت لأبى إننى كنت على اتفاق تام معها شهدت عليه الكراسى والكنب والنيش أن ترمح إلى ورشته وعلى سطحها كل ما يحب من أصناف الطعام. ضحكوا دون أن يتوقفوا عن سرد تواريخ العائلة: انتصاراتها وهزائمها التى تمت حول حوافها، اعترفت أمى أنها كانت ليلة دافئة رغم موجات السقيع وحبات المطر الثقيلة التى كانت تضرب السياج، بيد أننا عندما أشترينا طاولة أخرى شعرنا أن شيئا ما ناقص، انتابنا الاحباط وقام أبى بكل عنفوان وحطمها.