البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو، ولخروج ما نكتمه

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد رحيمة

لم يضيئوا الأنوار في سينما زاوية بعد انتهاء الفيلم، لحسن حظي. لأن الدموع كانت تخرج من عينيّ دون إرادتي، بقيت جالسًا أحاول كبح نفسي كي لا أبكي بصوت مرتفع، إذا بدأتُ فلا أعرف متى سأتوقف. لم يكن ذلك ما أردته حقًا. أردت أن أنفجر باكيًا. دون أن أقلق. دون أن أكتم. ولكني علَّمتُ نفسي الكتم واعتدتُّه. لأن من لا يكتم في القاهرة يذهب وراء الشمس. وصنّاع ذلك الفيلم العالمي عبثوا بما في داخلي بصدقهم الملهم المزلزل. لم أكن وحدي. أمامي آنستيْن لم تقوما، أسمعهما تبكيان. وحين قمت رأيتُ رجلًا في الظلام ورائي ما زال جالسًا يضع يدًا على عينيه.

لماذا؟ لأن الفيلم قال ما لم نستطع البوح به. اللقطة الأولى لضبعٍ ينظر إلى الكاميرا بوقاحة وفمه ملوَّث بالدماء. بالأعلى علامة القناة الأولى. صرخ الفيلم بأصواتنا. قال إن صاحب الورشة البلطجي سيأخذ بيتي ويطردني، بعد أن يفتعل الشجار ويضربني وهو يصرخ:

“الورشة دي هتكبر يعني هتكبر.”

ستكبر ولو على حساب أهل البيت. سيأخذ البيت لتكبر الورشة ويكسب المزيد من المال. سيعطيني ثلاثين ألف جنيه لا تكفي لشراء عشة. لأجل أن تكبر الورشة. وليمت أهل البيت.

سيذهب حلمي وعملي إلى الخارج، كما سيذهب رامبو، حيث الطعام الجيد الرخيص والألعاب الملونة. ولكنه لن ينساني، لأني سأبقى هنا. آكل الأرز الأبيض من الحلة القديمة وأشرب الماء المتسخ من الحنفية.

“جعان يا ماما. جعان.”

لا وقت للأكل. عليَّ أن أحل المشكلات. أن أجد مخرجًا. لن آكل الكثير. كما فعل حسن. سأستمر في البحث عن منفذ. رغم أني لا آكل جيدًا إلا أن جسدي قوي. كجسد حسن. سأستمر في التحرك ومن فرط الجهد لن أنتبه للجروح التي تغطيني. ستحاول فتاة لا أستطيع الوصول إليها أن تساعدني، أشتهيها وتشتهيني ولكني لن أستطيع أن أضمّها إلى جسدي. سأنظر إلى عينيها وستنظر إلى عينيّ، ثم ستذهب للزواج من رجل أكبر منها بكثير استطاع جمع بعض المال.

سأستمر في البحث عن المنفذ وأنا أرتدي نفس الثياب ولكنها ثيابي، ثيابي أنا، مثل سترة حسن المكتوب عليها “Cairo” من الأمام طوال الفيلم. اسم مدينتي. اسمي. والمكتوب على ظهرها “Security“، جميع القيم مهدرة ولكن الأمن مستتب؟ ولكن الـ e و الـ r لم يعودا هنا:

S-cu-ity

لتملأ الشاشة في عدد من اللقطات فتشبه كلمة:

Society

“المجتمع.”

لم يعد السيكيوريتي موجودًا كما كان. المجتمع فقط. أنا. ولكن بقايا السيكيوريتي لا زالت هنا رغم كل ذلك. سأمزق تلك البقايا بنفسي وأنا أرتجف بعدما طاردني صاحب الورشة ليحاول قتل كلبي. حلمي. وأنا أجلس كما جلس حسن، لا حيلة لي، لا شيء بيدي، تحت العمود المكتوب عليه: “المعز، المذل”، أجلس وأمزق ما تبقى من الكلمة، مثل حسن، وأنا أرتجف غضبًا.

سأجلس على التراب كما جلس حسن وأمه في آخر مشهد للفيلم، أنظر إلى أطلال مدينتي المقهورة. سيأخذون بيتي وسأجلس على التراب وأنظر. هل سأطفش كما طفش أبو حسن؟

أسير عائدًا في الشوارع التي رأيتها في الفيلم. شوارعي. وسط البلد وقصر النيل والسيدة والمقطم. لا أستطيع كبح الدموع. أريد أن أصرخ. كما أريد دائمًا ولا أفعل. ولكني اليوم لستُ حزينًا ككل مرة، لأن هناك فنانين قاموا بعملهم على أكمل وجه. ناوروا بنجاح، وباحوا بمشاعري. أعلنوا أنني هنا.

مقالات من نفس القسم