” لهّاية الرعيان “([1] )على الرغم من نزعة ِ المزاحِ وتاريخ من ألاعيب ِ الفطنة ِ لا يغامر ُ بالطيران فوق أرض ٍ مأهولة ٍ بجناح ٍ مكسور ٍ وقدم ٍ تعرج ُ
……..
يفعل الغراب .
1
حاول أن يبدو في عينيها مثقفاً , فقيهاً في الأمر , قال : ” أتصدقين َ هذه الخرافات ؟ , تابع وهو يحاول استمالتها بعد أن تحولت برأسها إلى بطل المسلسل المدبلج : ” نهانا الإسلام عن التطيّر .. ” , فاجأته بعين ٍ ضاقت فجأة وشفتين مضمومتين على ضجرْ ؛
لم ينتظر تعليقا ً بعد أن هربت بكامل رأسها إلى صندوق لهفتها وغرقت هناك .
2
حسناً سأفعل , قال لنفسه وهو يغادر الغرفة ويمنّي نفسه بشيء لعلّه يصلح مزاجه , ويعدّل – ولو قليلاً – ميل جزعها اللامهتم , صعد إلى السطح ببندقية صيد أكل الصدأ حافة فمها لكنها بضربة طائشة – غير واثقة كذلك – أفلحت في الإيقاع بأحدهما , ما أغاظهُ أنه لم يفلح في اصطياد الوليفة ! , على أية حال – بعد أن ظلت تتقافز هنا وهناك وتنعق بتحدٍ واضح – أراحتهُ من التأنيب , غادرت بجناحين لم يتبين جيداً إن كان عليه أن يأخذ حزنهما على محمل الجد وهو يهبط بالجثة السوداء لغرابٍ لم يرتكب سوي حماقة أن يغازل أنثى من جنسه ربما أقل قليلاً من حجمه لكنها مغرية بمعايير الغربان التي لن يفصح عنها .
حدث هذا فوق سطح بيت رجل فعل ما رآه ضرورياً , وكان ما كان . بدا كما لو كان محتاراً وهو يهبط مزهواً بريش داكن ولحم لم يزل ساخناً بما يكفي لأن يعتدل جزعها , تهبّ واقفةً , خائفةً , بلا شك ليس من جثة الغراب , ولكن من القاتل الذي اختبأ في ظلام علاقتها بهذا الزوج الذي لم يشدها من شعرها ولا مرة ! , ولا دفع الجيران للحدث المعتاد , يضعون اّذانهم على حوائط البيت لالتقاط توسلاتها ونحيبها وتلك الجملة التي تمنى هو لو تخرج من فمها ولو مرة واحدة : ” حرمت خلاص ” , هذا المشهد الذي تعرفُ من خبراتٍ تراكمت لدي من هن في وضعها أنه ينتهي بروائح الغابة على سرير .
من الاًن وتبعاً لهذه الإحداثيات الجديدة في علاقتها معه ستمني نفسها بأن يحدث مثل هذا وأكثر.
3
وهو يصعد لسطح بيته في الصباح التالي لمجاملة جيرانه , ومحاولة ترميم الكارثة التي حلت بسماء الحي كله لم يكتفِ بسب أصحاب محلات العطور المقلدة , ولا بالحك المتكرر أعلى عانتهِ , ندمٌ أو أنه كان ينعي السنوات الأخيرة التي ظل فيها على كرسيه ملتصقاً بالشباك مرتاح البال , يدخن ويشرب الشاي و يصطاد من خلف زجاج نظارته مؤخرات المراهقات ليس أكثر .
4
على الدرجة الأخيرة من السلم لم يفاجأ بغيمةٍ من الأجنحة السوداء وهي تتقافز , وتحرك أجنحتها لتتقافز بحركة بدا لهُ أنها ملتاعةً , أساساً هو لم يتحرك من سريره إلا بعد أن كاد الجيران أن يكسروا باب البيت , الذي فاجأه أن الجناحين اللذين لم يحسب لهما حساب هما من كانا يقودان تلك الأوركسترا التي فهم أخيراً أنها جنائزية . بتحدٍ واضحٍ كانت تنشب مخلبها أعلى “طبق الدش” , ودون أن تتقافز تنعق لترد عليها أجنحة سوداء ظلت تتقافز دون أن يجرؤ أحدها على أن ينضم إليها هناك عالياً فوق طبق الدش .
5
من رأسه طرد فكرة أن يحظى بجنازةٍ مهيبة كهذه , لكنه أدرك أن عليه أن لا يفوت فرصة ترميم ما حدث ليلة أمس , بعزمِ من عثر على طريقهِ استدار , هبط إلى أسفل , دون كلمة واحدة – لزوجته التى كانت تحدق في الزوج الذي ظلت تعرفه – دخل المطبخ , جهز براد الشاي وليس في باله سوي أن الكرسي الملتصق بالشباك يحتاج إلى وسادة قطنية , فقط لتريح عظامه التي لم تعد تحتمل .
[1] –” لهاية الرعيان ” نوع من الصقورمعروف في الصحارى والبوادي العربية يقترب من الرعاة للدرجة التي يظنون معهاأنباستطاعتهمالإمساك به في حين يستحيل ذلك فيبدو الأمر أنه يمازحهمويلاعبهم من هنا جاء التسمية