لعبة الشطرنج

لعبة الشطرنج
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البشير الأزمي

أذرف دموعاً أمسح بها آثار الانكسار اللاحقة بي..

أتثاءب وأغمض جفني في إيقاع متتابع في محاولة لطرد خوف أضحى يسيجني.  أفتح عيني أجيل بصري الحسيف.. ما عدت قادراً على الحلم.

أخرج إلى الشارع والليل باسط رداءه الأسود، أملاً أن ألتقي ب"ميدوزا" وأسلِّم لها عينَي.. ما عدتُ بحاجة إليهما.. ما عدت قادراً على التحديق في عيني الشبح الذي أضحى يلاحقني من مدة غير قصيرة.  أينما حللتُ أجده متأبطاً رقعة الشطرنج، يمدُّ ساعده وبسبابته النحيلة يشير صوبي. نظراته تخترق جسدي، تصل إلى مضغة قلبي، وتنفض ما بقي عالقاً بها من آمال وأحلام. أغافله وأنزوي إلى شارع أو زقاق في محاولة فرار تعفيني من جولة لعب أعرف مسبقاً أني سأخسرها. كما خسرتها الأجساد، وبقايا الأجساد، والأشلاء الملقاة في الأزقة والشوارع.

ألج زقاقاً لا مخرج له، أصطدم بجدرانه العالية.. أرى الشبح واقفاً عند نهايته، ورقعة الشطرنج مبسوطة أمامه. أشار إلي أن أقترب.. تسمَّرتُ في مكاني، لم تعد قدماي قادرتين على حملي.. أرقص على نغمات حزن ينخر عظامي.. أحدِّقُ إلى طيفه.. أسعى للاقتراب منه.. أتعثَّرُ في حجر عنادي وأقع.. أنهض، أستجمع قواي وأسعى للحاق به.

ثقيلة هي الأحزان التي خلَّفها صمته، وأوقد حرباً صامتة دوى عراكها بين قلبي المؤثثة صفحاتُه بِطَيْف الأمل، وذكرى جفاء الفراغ القاهر المتَّقِد اتِّقاد ظهيرة صيف قاهر..

شَلَّ الخوف قدرتي على لَمِّ الأمل الذي بدأت خيوطه تتآكل..

لأفسح المجال لعيني لتذرف ما شاءت وما استطاعت من دموع علَّها تجرف غبار الألم والمعاناة العالقة بتلابيب القلب..

سرق مني العمر أشهراً أخرى.. سيَّجَني، خلالها، في دائرة الحزن والتيه.. صلبني على صخرة المعاناة.. تحت شمس خوف حارق جلدني بسياطه…

أرتَدُّ إلى دهاليز قلبي المُخَضَّبِ بالأسى، المغلَّفِ بالهزائم.. أقف عند عتبات أبوابه وأُطِلُّ..

أقف على حافة الجنون..أرقص على جمرات ضياعي، أستسلم لضعفي، أستجمع منه ما أؤثث به ذاتي وألملم أشلاءها.. أغتسل من أوضار وأدران حياة  قاسية.. غرقت في يمها..

امتلأ صوته وهو يصيح: “اقعد والعب.. دافع عن وجودك..”

أرنو إلى الأفق باحثاً عن طيف أمل يحبو على صفحة قلبي.. يغزوه.. يغرس في مضغته بذرة الحياة.. أتشبث بها علني أنجو من شباكه..

أقف على طوار الحياة، ومن وراء خصاص نافذتها يلسعني جفاء كبرد قارص.. لم تعد ذاكرتي المثقوبة قادرة على مسايرته اللعب. تتراءى لي قطع الفيلة والفرسان تسير في اتجاهات بغير هدى.. تتعارك.. دماء تنساب.. تغطي رقعة الشطرنج..

صمت طافح بالأسى، يغطي المكان.. خمد الضجيج.. سكنت الحركات..

أسقط الشبح قطعة الملك.. انتدب من دوني مكاناً، لبستْ وجهه سمةُ الجِدِّ وقال:

شاه.. مات..

شعرت بجفاف في حلقي، بدقات قلبي المتسارعة، بقطرة عرق تنزل من جبهتي لتستقر عند الزاوية اليسرى لفمي.. تجرَّعتُ غصَّ الألم.. شعرتُ بعبث البكاء..

خمَدَ أملي في الحياة.. لم أعد قادراً على البكاء.. جَفَّتْ مقلتاي..  أستجدي وأستجدي عينَي.. تبخلان علي بالدمع..

أحاول أن أنفض رداء قلبي، لأطرد عنه غبار حب حياة لازال عالقاً بين تلابيبه، وأفتح نوافذه لأستقبل نور عشق حياة جديدة، تُرَمِّم الخراب الذي خلَّفه خذلان عمر مضخَّم بالأسى..

حلمي أردية الملائكة..

أراني، أسعى لالتقاط فراشات..

مبعثرة بين ركام جسمي..

كنثار قش تناثرت أحلامي..

أراني..

ألوّح بكفي عالياً..

وأنا أَسيرُ جرحي..

أَسيرُ نحو قبري..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فكرة القصة مستوحاة من فيلم Le septième sceau  للمخرج السويدي Ingmar Bergman (1957)

وهى من مجموعة القاص الثالثة “أطياف الفرح”، الصادرة عن منشورات باب الحكمة تطوان 2015

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون