قصص قصيرة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

فوزية حجبي

 

 

الطــاليـــــان

عاد في يوم صيفي قائض ، يسوق سيارة ضخمة من نوع رونو ترافيك، ووقف الجيران مشدوهين أمام حجم علب الكارتون التي حملها ميلود من بلاد الطاليان لأمه.. تغامزت الجارات وفاحت عبارات الغيظ :

 ــ تقولي الحوايج غادي يهربو..خواو الطاليان .. الله ينجيك من المشتاق إلا ذاق.. غادي يطيرو .. ربي كا يعطي الفول للي ما عندو ضراس.. ياخيتي ومنين كايجيبو لفلوس.. الغبرا ومــا تــديـر.. اخدو طايح علا شي شارفة كايكشط فيها... راه كايغسلو غير الكوابن ويجيو يتبوزاو علينا.

كانت السيارة المشحونة بالسلع ،  تلفظ  صناديقها  في دار مي هنية بائعة الديطاي، وأدعية الرضى على ميلود مشفوعة بعروس منتقاة من بنات الجيران بعد إقصائيات عسيرة في صفوف الصبايا، تحملانه على استفراغ السيارة بكل همة.

سنة بعد ذلك وفي نفس الموعد من يوم صيفي قائض، كان ميلود يتوقف أمام بيت عروسه بنت الجيران.. وتسمرت أمه كما جيرانها أمام العتبات منصعقين أمام حجم الأكياس التي كان ميلود يحملها بنفس الهمة إلى بيت غير بيت أمه..

ــ ادعي معانا ألوليدة قال ميلود وهو يزور امي هنية  بعد استراحة غير قصيرة عند أصهاره ..

ــ مرحبا باللي جا وجاب واللي ما جاب ماليه وجاب، قالت، وأشاحت عنه بوجهها، غير آبهة بقطعة التوب التي أحضرها لها والتي قال أن عروسه هي التي اختارت لها لونها وشكلها وأيضا ثمنها.. وقال أن عروسه ستحضر لها ثوبا أجمل منه عندما يأخذها معه إلى الطاليان في نهاية العطلة.

ــ ظريفة مسكينة ..الله يعمرها.. دار قال بابتسامة باهتة

ــ بحالك، تمتمت أمــــه بسخط، وغادرت الغرفة.

 

“بـــــــــــا نــــــــــاشــي”

 أعدت الزوجة مائدة الطعام وجعلتها بهجة للناظرين بالشمعدان الأرجواني التقليدي، وباقة الأزهار الملونة وطاقم الصحون الخزفية المبهرة الزخارف، وقد توزعت على صفحتها وصفات شميشة بين السلطات، وأكلة اللحم بالأرز والمشمش واللوز المقلي، وصحون المملحات المشهية، وطبق الفاكهة الهرمي التصفيف..

وآن أنهت الإعداد، دلفت إلى الحمام المعطر المياه  بنبتات الخزامى والورد والفانيليا، وفركت جسدها من كل الشكوك ولسعات الظنون وسحب الإكتئاب التي تزيدها نفورا منه.. ثم لبست معطفها الأحمر الشفاف العاري الكتفين ودلقت عطر جيفانشي  بسخاء على حواف أذنيها وعنقها، وأنهت الرتوش الأخيرة لأصباغ وجهها، وهي تتبخثر أمام المرآة بسحر جمالها الذي عزمت على أن توجه به الضربة القاضية لبرود زوجها، ثم جلست لتنقر في المحمول بعناية، الكلمات الآتية:

ــ أنتظرك على العشاء يا فارسي  “لا تترك الحصان  وحيدا”..

وكان هو بمكتبه يقرأ رسالتها التي وصلت لتوها بغير قليل من البرود.. ويتلمظ طعم شهيوات السكرتيرة العاشقة التي تصر على أن يأكل مقرمشاتها وأشياء أخرى قبل خروجه من المكتب.. ويستعجل في اللحظة نفسها ساعة المغادرة ليشرب قهوة المساء بكعيكعات ولويزات في بيت المرأة الثالثة.. ويداه على صفحة الحروف تنقران للرابعة المثقفة  شعرا لمحمود درويش، كانت زوجته الأولى  قد وضعته له في بريده الإلكتروني لتحرك حنينه لزمن مضى وهما عاشقين متيمين بشعر درويش، وكان هو يعيد كتابة القصيدة إياها مترجمة، لإهدائها لامرأة شقراء طرية  تحرك حصانه وراء الحدود، بلا وعود.. وبأقل كلــفــة.

 

شمس منتصف الليل

دقائق قبل منتصف الليل، سلم رئيس العسس آخر التقارير عن شمس المدينة مرفوقة بعشرات الصور لأشعتها وهي تدفئ المشردين، وترافق في جلساتهم السرية ، السياسيين المعارضين، وتركض حارقة، خلف الصغار المشاغبين وتتلف خضراوات الباعة المتجولين ..

ــ وماذا بعد قال الحاكم وصهيل غضبه المفاجئ يكوم رئيس العسس في وقفته  المترنحة الآيلة إلى انكسار من هلع..

ــ عفوك سيدي لم أفهم ؟؟

ــ كل هذه الفوضى يحدثها مجرد قرص متهور في جمهوريتي ليخرج شعبي عن برودة رأسه  ..إنه يفيق العميان لضرب الحجر ..

ــ  سيدي .. قال رئيس العسس والحروف تصطدم ببعضها في فمه وتأبى الخروج وهو يجهد ليقذفها متلعثمة مضطربة

ــ إن المتعب في كل هذا هو مجاملاتها التي لا تنتهي لمعارضينا   ومعاكساتها للبؤساء والصغار الحمقى لتأليبهم علينا ..

ــ أنت مطرود لتجرئك على تكدير خاطري بتشظيات عجزك في مركز يجب أن لا يزهق فيه البق   ، أحضر لي الشمس ، قبل أن يرتد إلي طرفي  ثم ارحل .

 ــ أمرك مولاي ..

ودقائق بعد ذلك سمعت جلبة عارمة، واستأذن رئيس العسس للمثول ..

ــ سيدي الشمس غائبة.. عيوننا أخبرونا برحيلها إلى القارة المجاورة ولن تعود إلا غدا،  لذا  فقد جمعت لك كل معارضيك الذين تتآمر الشمس معهم عليك

ــ أينهم قال الحاكم مغضبا ؟

ـ تفضل سيدي إلى الشرفة إنهم هناك

كان كل أفراد الشعب يموجون في بعضهم البعض بقمصان نومهم وأحلامهم وكوابيسهم ..

ـ ما هــذا قال الحاكم ؟

ــ كلهم متآمرون ..كلهم يصطلون بنارها التي سخنت رؤوسهم وللاحتياط أحضرتهم جميعا ، ولك واسع النظر.

 

ـــــــــــــــــــــــ

فوزية حجبى

قاصة – المغرب

ــــــــــــــــــــــــــ

اللوحة للفنان: عمر جهان

ــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون