فل عليك يا صاحبي!

فل عليك يا صاحبي!
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسن عبدالموجود

خلال، المقابلة الأولى، في أتيليه القاهرة تيقنت أننا سنصير صديقين. تحدثنا كأننا نستأنف حواراً قديماً. ستلاحظ لو أنك جلست إلى أحمد يماني أنه يتحدث وينقرك بنظرة خاطفة ثم يشيح بوجهه بعيداً، أو ينشغل بشىء ما، وهمي في الأغلب. لكنه يكون شديد التركيز، يصغي بانتباه، ويتحدث في اللحظة المناسبة.

لم أكن أعرف شيئاً عنه، أقصد شيئاً شخصياً، باستثناء أنه صديق أسامة، وقد أضاف “أس” تعريفاً له ونحن في طريقنا إليه: “ابن الحرام”، ولكن فيما بعد اكتشفت أنه يُطلق ذلك اللقب على كل من يحبهم. التقينا في “لحظة المفارقة”. كان كل منا يبحث عن هدف، مضاد للآخر. أنا قادم من الصعيد بحثاً عن فرصة عمل واستقرار، وهو، بعد قليل جداً، سيتخذ قراره بالسفر إلى إسبانيا، بحثاً عن أرض وحياة جديدتين، وهكذا لم يعد لدينا الكثير من المشتركات، في الفترة القصيرة التي أمضاها في القاهرة بعد قدومي إليها، وإن كانت المحبة عنواناً.

ربما سيبدو كلامي غريباً حتى بالنسبة إليه. حينما كنت أسمع صوته في التليفون، لم أكن، لوهلة، أفرق أيهما يحدثني، هل هو أم أسامة. قال لي يماني في وقت لاحق إنه هو وبقية الأصدقاء كانوا شديدي التأثر به، خاصة فيما يتعلق بـ”تُقل السمع”. كان أسامة أقرب إلى “الطرش”، ولكن يماني كان في ذلك التوقيت يحاكي، حتى، صوت “فيلسوف الشلة”، وكنت أعرف أنه لزاماً عليك كي تكون قريباً من أسامة أن تكون قريباً من أصدقائه، أو على أقل تقدير عليك أن تتقبلهم. في كل مرة كنت أتفق مع أسامة على المقابلة في وسط البلد، كان يقول لي إننا سنقابل يماني، أو أنه لن يخرج لأن يماني “عنده ظروف ومش هيقدر ييجي”. كنت أعلم حتى تلك اللحظة أنني لم أصبح صديقاً له، لأنه كان على الأقل يُرهن ظهوره في الحياة بتوافر يماني.

حضور يماني طاغ في ذهني، ليس بـ”لازمته”، ولا بطريقة تحدثه في الحياة والأدب، وحتى بضحكته المفاجئة القوية، ولكن بغيابه. في الوقت الذي قد يكون فيه صديقاً عظيماً ستفتقده. يملك يماني قدرة هائلة على السخرية. في “الجريون” كنا نحاول الحديث في حضور شخص لا يتوقف عن الحديث، في المرأة والأدب والسياسة والنقد. ومال على أذني وقال لي: “لا أعتقد أنه يفهم في كرة القدم. ما رأيك؟ على أحدنا أن يستغل أي فرصة ويغير الحديث. أنا سأتحدث عن حسام حسن”، وقد كان، ولكن صديقنا بدا كما لو أن يماني منحه فرصة لاكتشاف نفسه في مجال آخر، واستمر لنصف الساعة يتحدث عن حسام حسن، مطبقاً عليه شيء “شنيع” أقرب إلى “عتبات النص”، ولم يكن يلحظ أن يماني يضحك بشكل هيستيري، متخلياً عن حذره، وقدرته طوال الوقت على إظهار إنسانيته واحترامه للجميع، ولكن صديقنا لم يكن مهتماً، فقد كانت أذن واحدة تكفيه.

غادر يماني، وحافظ طوال الوقت على ظهوره بحساب. لن تجده، مثل بعض أصدقائنا الذين نحبهم أيضاً، حريصاً على التواصل، ولكنه حينما يكتب حرفاً على فيسبوك، سيجلجل صوته في أذنك بكل أكلشيهاته: “يا صاحبي، الوقتي، وفل عليك”.

 

عودة إلى الملف

  

مقالات من نفس القسم