فرقعة البالونات

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 11
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد العزيز دياب

   اقترب منى وأنا على شاطئ البحر، كنت أفرقع عددًا مهولا من البالونات، لما رأيت الدهشة في عينيه قلت له: أنت بحاجة إلى شخص ما يشاهدك.

   هو لا يعرف أن هناك شخصًا ما يشاهدني أنا الآخر، ليس أي شخص، إنما هو الولد الصغير الذي كنته منذ سنوات بعيدة، يرتدى البلوفر البرتقالي، بين يديه دراجة صغيرة، نظرته تستقر فقط على المهرجان الطفولي الذي صنعته، ولتوها جدته رجرجت خياله بالدراجة التي تطير بدون أجنحة…

   بدون أجنحة يا جدتي؟!

   دائما ما يحدث أن تطير دراجة في الفضاء إذا كان كائن فضائي أخضر، كائن لا مرئي يحملها على كفه وأنت تركبها كواحد من الفرسان النبلاء، تذهب بها إلى عمتك، وخالتك، وكل نساء العائلة اللاتي أحببن طريقتك الفطرية التي تهشم بها الكلمات وتجلس بعد ذلك فوق حطامها وأنت تكركع.

   ذلك هو الولد الصغير الذي كنته، ابْيَضّ شعرى الآن، وشاربي كث يعجب البنت التي تطل دائما من الشرفة وفى يدها الكتاب الصغير المكتوب عليه “الشياطين ال 13″، تحلم بأنها تمسك بيدي في مروج واسعة وهى تؤكد لي بأنها ليست هي البنت الصغيرة المنسية التي تطل كل صباح من أفريز الشرفة على أحلامها.

   أنا لست بحاجة هذه اللحظة إلا إلى سماء تسكب زرقتها فوق زرقة البحر وبنات رائحات غاديات على رمال الكورنيش يرمقنني وأنا أفرقع البالونات المهولة  بحوزتي.

   لا ينبغي أن يأتي رجال ابيضت شعورهم ليفرقعوا بالونات مهولة بجانبي على الكورنيش، كل واحد منهم يبحث في سنواته البعيدة عن جدة ترسم له ملامح طرزان الذى أنقذ الأميرة من آكلي لحوم البشر، لا ينبغي أن يفرقع هؤلاء الرجال بالوناتهم وهم يضحكون ضحكات فجة تجفل منها البنات الجميلات.. السائحات.. المتنزهات على الكورنيش، تفر منها عصفورة كانت تتأمل مشهد الغروب إلى أن يأتي عصفورها بنبأ من الأشجار البعيدة.

   تخيلت أشياء كثيرة وأنا أفرقع بالوناتي، المصور الذي كنت بالنسبة له مادة سخية، وكنت بطل فيلمه “الخمس دقائق” الذى أطلق عليه “رجل البالونات”، صنع مقابلة فارقة ما بين فرقعات متفجرات الإرهاب وفرقعات بالوناتي.

   موسيقى بهيجة ملونة أرسلتها إدارة البلاج إلى جانب ألوان بالوناتي المشعة، رقصات تلقائية فطرية للمراهقات اللاتي يسكن الشاطئ تتزامن مع الموسيقى وانفجار بالوناتي، لكن الذى لم أتخيله أبدًا ذلك الرجل الخمسيني الأشيب، عدوى اللدود الذى التحمت معه ذات مرة في مشاجرة عنيفة لم تخلو من الركلات واللكمات والشتائم الطازجة، خياله مريض توهم مغازلتي لزوجته، الغريب أنه جاء، جلس بجانبي يجر وراءه عددًا مهولا من البالونات ذات الألوان المشعة يفرقعها واحدة وراء الأخرى ويكركع، ولا أعرف كيف ومتى قذف زوجته الجميلة إلي البحر، فقد فاجأتني لحظة خروجها من الماء، أما هو فكان منشغلا عن العالم كله بتفجير البالونات، وإطلاق ما تبقي منها إلى الفضاء تلعلع بألوانها السحرية.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون