عبد النبي: الكتابات الجديدة عادت إلي ما قبل محفوظ

عبد النبي: الكتابات الجديدة عادت إلي ما قبل محفوظ
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره: عمرو رضا

محمد عبدالنبي قاص وروائي لفت الأنظار منذ منتصف التسعينيات بعد حصوله في عام 1999 علي جائزة صندوق التنمية الثقافية عن مجموعته القصصية الأولي "في الوصل والاحتراق" وهو ما رشحه للسفر إلي روما. ثم حصل علي جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة عن مجموعته القصصية التي لم تصدر بعد "شبح أنطون تشيكوف". له رواية قصيرة "أطياف حديثة" ومجموعة قصصية "ورد للخونة" صدرت عام 2003 وشغل الناس مؤخراً بصدور المتتالية القصصية "بعد أن يخرج الأمير للصيد".

حاوره: عمرو رضا

محمد عبدالنبي قاص وروائي لفت الأنظار منذ منتصف التسعينيات بعد حصوله في عام 1999 علي جائزة صندوق التنمية الثقافية عن مجموعته القصصية الأولي “في الوصل والاحتراق” وهو ما رشحه للسفر إلي روما. ثم حصل علي جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة عن مجموعته القصصية التي لم تصدر بعد “شبح أنطون تشيكوف”. له رواية قصيرة “أطياف حديثة” ومجموعة قصصية “ورد للخونة” صدرت عام 2003 وشغل الناس مؤخراً بصدور المتتالية القصصية “بعد أن يخرج الأمير للصيد”.

* في المؤتمر الأخير للرواية اختلف النقاد والأدباء الشبان حول الصلة بين الروايات الجديدة ونهر الرواية المصرية. فادعي البعض انكم امتداد طبيعي لنجيب محفوظ وجيله. وأكد البعض الآخر أنكم تنتمون لتيار أكثر انفتاحاً علي الكتابة في العالم وأكثر تأثراً بالوسائل الرقمية النت والشات والمدونات برايك أيهما أقرب إلي الصواب؟

** بداية. نحن لسنا كتلة واحدة متجانسة. لكي نكون امتداداً لنجيب محفوظ أو لا نكون. إن كنا نتحدث عن الكتابة السردية في مصر الآن. فعلينا أن نكون قادرين علي رؤية ما يحفل به المشهد من جميع ألوان الطيف. هناك من عادوا بتقنيات الكتابة إلي ما قبل محفوظ. أو حتي إلي بعض مراحله الباكرة وادعي أنه بهذا يستطيع الوصول ويقصد بالطبع النزول إلي القارئ العام. وهناك من نجح في أن يرسم لنفسه خطاً مفارقاً. ولكن للأسف علي حساب أشياء كثيرة مهمة. من قبيل العلاقة بالقارئ أو الانشغال بالهم الإنساني العام.

أضاف: لا أميل لإعطاء النت والشات والمدونات أكثر من قيمتها في التأثير في حالة الكتابة الراهنة. بقدر ما كان ظهور السينما مثلاً. أو تغلغل الثقافة التليفزيونية مؤثرين في زمنيهما لا أكثر ولا أقل الكتابة كفن مستقل وله تراثه العريق قادر علي استيعاب هذه المستجدات دوماً في داخله. الاستفادة منها دون الوقوع تحت وطأتها. كما أننا نحتاج لوقت أطول لنحكم علي دور هذه الوسائط المستجدة في تشكيل وعي جديد بالكتابة عموماً.

* صرعة أكثر الكتب مبيعاً وحفلات التوقيع وغيرها من مظاهر تسليع الثقافة وتحويلها لمنتج يخضع للعرض والطلب برأيك هل ستؤثر في الكتابة الجديدة بمعني هل ستكتبون وفقاً لمعطيات السوق أم تعتبرها موجة عابرة؟

** كان المنتج الثقافي وسوف يظل سلعة في إطار مجتمع رأسمالي. هذه حقيقة قديمة ومؤسفة. لكن الجديد علينا هو أن نكتشف فجأة إمكانية رواج هذه السلعة. أي أن لها زبائن حقيقيين. مستعدين لدفع مبلغ ولو صغير في كتاباتنا. هذا له جانب إيجابي من قبيل استعادة قارئ انصرف عن الأدب لأسباب عديدة. وكذلك شعور المبدع بثقة أكبر في نفسه. بحيث لم يعد مضطراً لتسول النشر. سواء الحكومي أو الخاص.وواصل حديثه قائلاً: أظن أنه بعد سنوات من الآن يمكن لمبدع في منتصف العمر أن يملي شروطه الخاصة علي ناشره. أما الجوانب السلبية فهي واضحة كالشمس. وتعرف في السينما بظاهرة: الجمهور عايز كده. ليس في سوق الكتابة الآن معطيات واضحة. يمكن تحديد ميول القراء بناء عليها. لكن الخطير أن نحاول التفتيش عن تلك الوصفة. من أجل إعادة إنتاجها. بغض النظر عن أي شيء آخر. وهو ما ظهرت بوادره في الهوس بنوع الرواية. علي حساب الشعر والمسرح وحتي القصة القصيرة.. النزول للسوق كارثة للمفلس. ومحنة لمن يملك بداخله شيئاً لا يباع ولا يشتري. أما العيد الحقيقي فسيكون من نصيب البائع الشاطر. الجاهز بكل أنواع البضائع المناسب لكل المواسم.

* ظهور للحياة الأدبية يدين بالكثير للمؤسسات الثقافية الرسمية. فأنت نشرت ضمن اصدارات قصور الثقافة ونلت جوائزها وسافرت إلي الأكاديمية المصرية في روما ثم انقطعت عن المؤسسة فجأة وقررت اصدار عملك الأخير عن دار نشر خاصة. هل المؤسسة فقدت قدرتها علي تحقيق الحد الأدني لرعاية الكاتب. أم أن النشر الخاص يضمن دخولك “سوق الرواية” بآلياتها المعروفة الآن؟ بالمناسبة هل الفارق بين المؤسستين فيما يخص حقوق المؤلف ملحوظ؟

** مازلت أتعامل مع المؤسسات الثقافية الرسمية حتي الآن. بدليل الجائزة الأخيرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. هذا حقي كمواطن مصري في الأساس. لكن منذ فترة لم يكن هناك بدائل إلا المؤسسة الرسمية بكياناتها المختلفة. كانت الأم الوحيدة. إلي أن ظهرت أمهات بديلات كثيرات من قبيل دور النشر الخاصة والمؤسسات الثقافية الخاصة. الاتجاه للنشر الخاصة ليس مجرد مهرب من قوائم الانتظار في مؤسسات الحكومي. لأن الانتظار في دور النشر الخاصة قد يمتد لوقت أطول. ولكنه رغبة في التحرر من الرقيب الحكومي من ناحية. وطمعاً مشروعاً في شكل أفضل للكتاب تحققه بعض دور النشر الخاصة. وهو ما أصبح مسألة حاسمة في وجود الكتاب بالسوق. مادمنا لا يمكننا إنكار تأثير السوق. في كل شيء حولنا.. أما حقوق المؤلف فهي قصة أخري حزينة. تحتاج لأن تنضم لملفات أخري متراكمة عن حقوق الإنسان والحيوان وذوي الاحتياجات الخاصة. إلي آخره.

* يندر في حياتنا الثقافية أن يجمع مثقف بين الموهبة واتقان لغة أجنبية ولا يخوض تجربة ترجمة الابداع. أنت تجيد الإنجليزية لماذا لم تترجم حتي الآن ابدعاً؟

** لا أعتقد أنه أمر نادر لهذه الدرجة. ولعل الترجمة تحتاج لجهد ووقت وثقافة عريضة لا تتوفر لي حالياً. لكنها لم تخرج من طموحاتي ومشاريعي المستقبلية إن سمحت الظروف وأعانني الله.

* “متتالية قصصية” مصطلح غريب نوعاً ما عن حياتنا الأدبية والبعض اعتبر وضعك له علي غلاف عملك الأخير “بعد أن يخرج الأمير للصيد” بمثابة رغبة في الانتساب للرواية وانسلاخ عن فن القصة؟ بالمناسبة روايتك الأولي كانت بالأساس مجموعة قصص قصيرة تم تعديلها لتصبح رواية؟

** لا أظن أن المصطلح غريب عموماً. فمنذ وقت قريب أصدر سعيد نوح متتالية قصصية. ومن قبل أستاذنا إدوار الخراط قام باللعب علي حدود الأنواع السردية. فكتب المتتالية القصصية. بل والمتتالية الروائية والنزوات الروائية. إلي آخره. المهم في المسألة هو العمل علي توسيع حدود النوع. والتمتع بأقصي قدر ممكن من حرية الكتابة. لو كنت أحاول الانتساب لكان أسهل شيء هو كتابة كلمة رواية علي الغلاف. كما نصحني الجميع. بل وكما رأي آخرون أن ما كتبته أقرب إلي الرواية. ولم أنسلخ عن الفن القصة لأنها ليست تهمة. بالعكس مازلت أري أنها أصعب فنون الكتابة الأدبية علي الإطلاق. ولدي مجموعة قصصية تحت الطبع حالياً. وأعمل علي إنجاز رواية الآن. رواية تنتمي لنوعها بكل ارتياح. دون أن نخوض كثيراً في معني ومعايير هذا الانتماء للنوع. لأنها مسألة شديدة التعقيد. لا أظنني حتي قادراً علي سبر غورها.

* تحتفل المتتالية بلعب لفظي ولغوي يستمر طوال الحكي يذكرني دون الشعور بشبهة اقتباس بقصص يحيي الطاهر عبدالله. ويدفعني للتساءل هل يمكن أن يصبح الحكي وهو أقرب للفنون الشفاهية التيمة الأقرب لروح العصر بدلاً من السرد الذي هيمن علي كتابة العقدين الماضيين؟ هل تنحاز أنت شخصياً للحكي علي حساب السرد؟

** اللعب علي اللغة رقص علي الحافلة. يمكن أن يؤدي بمقترفه للهلاك في حين يقدم له متعة لا مثيل لها. ولقد دفعت إليه دفعاً في بعض نصوص المتتالية. كمحاولة للإمساك بالسؤال الصوفي الخاص ببطل المتالية فؤاد. ولا أعتقد أن المتتالية مع هذا تحفل به. بل هو موضوع بقدر محسوب تماماً. وفي مواضعه كما أتمني.. وهذا كله شيء والشفاهية شيء آخر. لأننا بمجرد أن نواجه الصفحة البيضاء أو شاشة الكمبيوتر تنتفي الشفاهية وتبدأ الكتابة بمعناها الحديث. ولو كنا نكتب بالمناسبة باللغة العامية. من يحاول الحصول علي تدفق الشفاهية ورعونتها وقوتها من خلال الكتابة لن ينجح في هذا. ولا أعتقد أن هذا سر تميز يحيي الطاهر عبدالله. لقد كان عليه أن ينقي لغة الكلام اليومي ويتعب عليها لكي تصبح نسيجاً واحداً مع لغة الحكاية سواء بأبعادها التراثية المختلفة أو في بنية القصة الحديثة.. الشفاهية تبقي عند الحكاء البدائي. وما أن ندونها تتحول إلي شيء آخر. لأنها تفقد أهم مقوماتها وهي الصوت الإنساني الحي واللقاء المباشر بمصدر الحكاية. هذا شيء قديم ومازال يكافح للحياة لكنه غير الكتابة.

* قلت سابقاً لابد من وجود حكاية كبري في أي عمل روائي هل تري في روايات جيلك حكايات كبري؟ وهل تعتقد أن إيقاع العصر يسمح بحكايات كبري؟ أصلاً ما مواصفات تلك الحكاية الكبري؟

** كل ما كنت أقصد بالحكاية الكبري هو حكاية تتناول شروط الوجود الإنساني. وتلح في السؤال عن معناه. بغض النظر عن الوسيلة التي تتبعها في هذا. حكاية حب صغيرة لدي آني أرنو مثل قصتها الطويلة “عشق بسيط” تفي بالغرض تماماً. بقدر روايات ساراماجو وكويتزي ومن قبلهما كازانتزاكيس أو هيرمان هسه. والقائمة تطول.. مسألة إيقاع العصر هذه تربكني تماماً. فالمفترض أننا توفر لنا الآن وقت أطول. نتيجة لمنجزات التكنولوجيا. وصرنا أكثر استعداداً لقراءة نصوص أطول. لكن الحقيقة أننا نوفر الوقت لنهدره في اللهاث نحو شيء آخر وآخر. وكأننا في ماراثون مجنون.

أضاف: أما عن روايات جيلي فأنا لا جيل لي واضح ومحدد. بدأت الكتابة في منتصف التسعينيات. ومازالت تجربتي قيد التطور والتبلور. ولا أظنني وضعت يدي علي مشروع أدبي واضح يمكنني إعلانه وإشهاره كبطاقة هوية.. وروايات اليوم محاولات مخلصة للكتابة دون قيد أو شرط. لكن النوايا الحسنة غير كافية كما نعلم. فالكتاب شأنهم شأن أغلب الشباب اليوم يفتقدون أي رؤية صافية لأنفسهم وللعالم. يعوزهم أيضاً موقف جيد الصياغة مما حولهم. لو اقتصرت المسألة علي التقنيات والألعاب السردية فهم عفاريت وأتعلم من كل واحد منهما شيئاً جديداً كل يوم. لكن بالعودة إلي الحكاية الكبري. هي ما يمكن أن تحمل بداخلها أسئلة الإنسان عموماً وأسئلة اللحظة خصوصاً. وهو ما نحتاج جميعاً لجهد وصبر ودأب غير عادي لتحقيقه.

* قلت من قبل أن السياق الأدبي مرتبك ومحكوم بقوانين صارمة. ليست طرافة أو جدة الكتابة من بينها! ما الذي بينها؟!

** هذه أمور معروفة للجميع. من بينها من هم أصدقاؤك. ومن يحبك ومن لا يحبك. ومن يتوجب عليك أن تمتدحه من وقت لآخر. وإلي آخر الهراء الإنساني المعتاد والقديم.

* تلقيت تعليماً أزهرياً خلال المراحل التعليمية المختلفة. حتي حصولك علي “ليسانس” الترجمة الفورية قسم اللغة الإنجليزية العام 2002 من كلية اللغات والترجمة. جامعة الأزهر ومع هذا لا يشغل التراث الفلسفي الإسلامي بكل أسئلته البكر انتباهك لماذا؟

** لا أعرف ما هي نوعية تلك الأسئلة التي يجدر بها أن أنشغل بها والتي تنتمي للتراث سواء كان عربياً أم إسلامياً بما أنني خريج جامعة الأزهر. ولكن لا أظنك تقصد أن القبطي مثلاً عليه أن يكتب عن الأقباط وألا يقترب من التصوف الإسلامي. أعتقد أن علاقتنا عموماً بالتراث تأخذ أبعاداً مختلفة في مراحل حياتنا المختلفة. ربما هناك التمرد والرافد والقطيعة الحمقاء. ثم هناك النبش والتنقيب المغرضين. حيث نبحث عما يوافق أهوائنا وميولنا الخاصة. ثم ربما الوفاق الودي والمحمود حين نحاور تراثنا بهدوء وروية. دون انبهار أعمي أو تحامل مريض.. لا أعرف في أي المراحل أنا الآن. لكنها علي الأقل ليست القطيعة. فبدون ما سبقنا سنكون عرايا في وجه الريح. ولعلها ستكون تجربة لطيفة. لكننا غير مستعدين لها تماماً كبشر وكمبدعين.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم