شهادتان حول الشعر بينهما سبع سنوات

شهادتان حول الشعر بينهما سبع سنوات
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

علاء خالد

1

بدأت  كتابة الشعر وفى نيتى أن أقول " الحقيقة "، وأن يستوعب هذا البناء الحساس كل ما أفكر به. كانت علاقتى بالشعر مشوبة بهذا المس من الاعتراف. حاولت أن يكون الشعر هو الوسيط الذى يطابق بين داخلى والخارج، بالرغم من طول المسافة بينهما. جرنى قول الحقيقة أن أبحث فى الماضى، فى تلك الأزمنة التى نختزنها فى ذاكرتنا، دون الالتفات لمسافة أخرى بدأت تتضح مع لحظتى الراهنة، كأن الشعر له زمن خاص به.  هذه واحدة، والأخرى أن الشعر مثل الإنسان يمكن أن يلتفت وينتبه لكل الأزمنة ولايفضل إحداها. مع الوقت بدأ فهمى للحقيقة يتغير، وبدأت علاقتى تتغير بهذا الآخر الذى كنت أعترف أمامه وأكشف له كل علامات ضعفى، وعيوب نفسى.

وكما تغير فهمى وإحساسى بالحقيقة، بدأ يتغير شكل وحساسية هذا الآخر الملازم لأى نشيد أو وحدة أو فرح. لم يعد الاعتراف هاماً، فهذا البناء الحساس المسمى الشعر يستوعب ماهو أكبر من الحقيقة، وماهو أكثر من الاعتراف، وماهو أكثر من الموسيقى. ربما فى اللحظة التى نسيت فيها هذا الآخر، بدأت الكتابة تتجاوز مأزق “الحقيقة”، التى لا وجود لها، والاعتراف والتطهر. (الغريب أن نقد الثقافة لايمر إلا عبر أفكارها الأساسية كالاعتراف على سبيل المثال) أو أن هذا الآخر بدأ يظهر بشكل أكثر خفاءً وحناناً، بدون أن يشعرنى بثقل وجوده أو سلطته. لذا أصبحت كل لحظات التماس تحمل شعرا بداخلها، مع حدث، فكرة، تذكر. تعددت محاور البناء داخل القصيدة أو الشعر، كأننى أصبحت متعادلاً مع ذاكرتى، ومع مستقبلى. أى تفاعل مشحون  محمل برغبة البقاء أو الموت، أو الانتساب لأشياء الحياة الباقيه؛ لهى لحظة شعرية. وأى مأزق للوعى مع الذاكرة، أو مع الحاضر، سيحمل داخله  قدرا كافيا من الشعرية. كذلك أن ينسى الجسم هويته، لأنها مؤكدة، ويبحث كيف تتحول هذه الهوية إلى علاقة بآخرين وتقاطعات مع أفكار جذرية. فليس هناك معنى لعلامات الهوية ورموزها، مهما كانت ثمينة، بدون أن تقوم بمخاطرة الرحلة نحو الآخرين. لم يعد هناك آخر واحد أتوجه اليه بشعرى، ولكن هناك آخرين.

 

                                                                                        عام 2007

 

2

أخذت هذه “الحقيقة”، فى شعرى، الشكل السردى، واهتمت بالحدث أكثر مما وراء الحدث. ربما كون هذه “الحقيقة” غير متجذرة فى أرض اللاوعى، وبالتالى ﻻتوجد اللغة السابقة التى يمكن أن تظهرها أو تصفها؛ بدأت هذه “الحقيقة” تشكل اللغة بطريقتها، أو من أقرب معين وهو السرد الاجتماعى، وتحاول أن تلتقط من اللغة زلاتها الشعرية، مثل زلات اللسان، التى تصلها باللاوعى، وبالتالى بشعرية أصيلة.

“الحقيقة الشعرية” هى المادة الخام قبل أن تُروى وتُسرد، ماقبل أو مابعد الاجتماعى، احتراما لهذا المكان الغامض الذى يأتى منه الشعر؛ لذا حدث تضاد بين كون “الحقيقة” غير مروية وغير محكية، كونها جزءا من، وشذرات غير مكتملة؛ وبين “الحقيقة الروائية” التى تسعى لاكتمال ظاهرى. ربما لهذا السبب أصبحت عضوا أساسيا فى هذه الحكاية. وأخذ الشعر شكل السيرة الذاتية. وتوزعت الحقيقة مابين الوعى واللاوعى تحت عناوين عدة أهمها ” الجسد، التحرر، الآخر، تفاصيل الحياة الصغيرة، إلى آخر تلك العناوين المرحلية والمؤقتة. والتى كانت تشير كلها لحدود التمثيل والوجود الاجتماعى.

يبدو أننى كنت أبحث عن “حقيقة روائية” لها بداية ونهاية وهو ماأعتقد ضد الشعر ونموذجه الذى أميل إليه الآن، والذى يجب أن يزيح ضفتى البداية والنهاية قبل أن يبدأ، ﻻأدرى. ولكنه يبدو مأزقا جوهريا، كون شعرية الحياة أصبحت لايُعبر عنها إلا عبر السرد، الحكاية، الصورة، الفيلم. وربما ضاع منها جزء أصيل من مكونها، زاغ بدون رجعة فى ثنايا وظلام اللاوعى المقدس، سواء لذواتنا، أو لثقافاتنا.

ربما أهمية الشعر أنه يجترح “حقيقة جديدة” لأنه ليست فقط حاصل منتجات الوعى واللا وعى، بل مغامرته هى إضافة مساحة جديدة للخيال ولرموز النفس، مساحة نزيهة للوجود الاجتماعى، مهما كانت الملابسات والضغوط  للمجتمع أو للذات التى تتحدث.

 

                                                                                عام 2014   

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم