رضوى عاشور: بعض مثقفى النظام السابق مستمرون

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

منى أبو النصر1301839512_87365563

«رضوى أُجريت لها ثلاث عمليات جراحية وللأسف لابد من الرابعة، كلما استيقظت من البنج سألت عن مصر وأغفت، عائلتنا الصغيرة تحبكم أينما كنتم وأينما كنا»، هكذا كان الكاتب الفلسطينى الكبير مريد البرغوثى يدوّن بحروف حزينة على صفحته بـ«الفيس بوك» اليوميات الحرجة لرفيقه دربه رضوى عاشور التى كانت تمر بظروف مرضية عصيبة زاد من كآبتها الشعور بالغربة عن وطن كان يشهد هو الآخر جراحة دقيقة تحدد مصير شعبه، ولم تخف فى لقائنا معها مدى تأثرها لعدم وجودها فى القاهرة أثناءها «هى لحظات كنت أتمنى طيلة عمرى أن أشارك فيها، لكن شاءت الظروف أن أكون بعيدة».


 

التقيت الكاتبة والناقدة الكبيرة رضوى عاشور قبل عدة أيام فى منزلها بوسط المدينة، راق لى طرازه الشرقى وعلم صغير لمصر وضعته فى صدر صالة استقبال الضيوف، وروت لى قصته: استقبلتنى ابنة خالتى فى مطار القاهرة بعد عودتى من رحلة علاجى وهى ترفع هذا العلم وراحت تهتف «يسقط يسقط حسنى مبارك» كانت تروى هذه الحكاية بعيون لامعة متقدة لأديبة وأستاذة جامعية لم تكن يوما سوى معارضة لنظام الرئيس المخلوع مبارك.

تحدثنا فى بداية اللقاء عن رحلتها العلاجية التى بدأت فى ديسمبر الماضى «كنت أتصور أننى سأتغيب 3 أسابيع على الأكثر ولكن حالتى الصحية تعقدت ودام العلاج حتى نهاية مايو»، واستطردت فى شجن مفهوم «كان سوء حظ»، ثم سرعان ما انخرطت فى أحاديث الثورة، استهلتها بقولها «أعظم ما حدث هو استعادة المصريين الثقة فى أنفسهم وفى قدرتهم على مواجهة الظلم والقمع، والانتصار عليه، كانت أياما مجيدة، وإن كان ثمنها غاليا… دماء الشهداء».

دارت بيننا أحاديث حول توصيف المرحلة التى نمر بها الآن خاصة أن رضوى عاشور من الروائيات المعروفات فى كتاباتها بالاهتمام وتحرِّى الزمن التاريخى فى حياة الشعوب، قالت «الثورة لم تنته فى تقديرى، هناك انجازات لا يمكن إغفالها: تم إسقاط مبارك وحكومته وأعوانه، وتمت مواجهة سلطة القمع لوزارة حبيب العادلى، تم فتح العديد من ملفات الفساد ومنها مشروع الغاز المُصدر لإسرائيل، والأهم تم إسقاط حاجز الخوف بعد خروج الملايين فى جميع محافظات مصر لتقول: لا للظلم والطغيان والمهانة»

غير أن هذه الانجازات التى عددتها عاشور لا تنفى أن هناك مهام شعبية لا تزال مطلوبة «يجب أن نواصل، يجب أن نكون على وعى بما يهدد الثورة من مخاطر، ليس فقط المقصود هم فلول الحزب الوطنى وإنما أيضا جحافل الانتهازيين المتلونين وهم كثر، ويجب أن نذكر دائما أن الذى أسقط مبارك ليست هذه المجموعة الحزبية أو تلك إنما جموع الأهالى غير المنتمين لأى تيار سياسى ولا المنظمين فى أطر حزبية، عموم الناس الذين كانوا يدفعون ثمنا يوميا من كرامتهم وهم لا يستطيعون توفير لقمة عيش لأولادهم».

ما هى إذن تلك المهام التى تقصدها صاحبة «ثلاثية غرناطة»؟ أجابت عن ذلك بما أطلقت عليها «حرب المواقع»، وهى باختصار «مئات المعارك الصغيرة التى يجب خوضها على جميع الجبهات» وضربت على ذلك مثلا بمعركة انتخاب القيادات الجامعية داخل الجامعات، مستشهدة بتجربة كلية الآداب جامعة القاهرة مؤخرا. «فى كل موقع يتعين على العاملين فيه خوض معركتهم ضد الفساد والاستغلال والانتهازية وانعدام الكفاءة، وإرساء علاقات ديمقراطية، ولا تنفى هذه المعارك المعركة الكبيرة التى تضمنا كلنا للحفاظ على الثورة من إفراغها من مضمونها أو التحايل عليها أو حرفها، الثورة فى بداياتها على ما أظن ولا يقلل هذا من إنجازاتها وإن كان يؤكد على أن المعركة تتطلب نفسا طويلا وعملا دءوبا، كان الشعار الأبرز فى الثورة: «الشعب يريد إسقاط النظام»، تمكنا من إسقاط حسنى مبارك ووزرائه ولكن إسقاط النظام مسألة أكبر وأكثر تعقيدا تشمل من بين ما تشمل خلق علاقات جديدة ومؤسسات مختلفة تتيح أن يكون أداؤنا أفضل، فجزء من جرائم النظام الساقط هو الإهدار المنظم لمواردنا وإمكانياتنا وأحلامنا، والثورة على النقيض من ذلك تطلق طاقاتنا وهى طاقات هائلة اكتشفها الناس فى أنفسهم، وهل هناك أبلغ من ميدان التحرير وغيره من الشوارع والميادين فى السويس والإسكندرية والمنصورة وعشرات المدن الأخرى؟ أقول إن الثورة فى أول الطريق، لماذا؟ لأن العلاقات القديمة ما زالت قائمة رغم تغير بعض الوجوه: فالمحليات على حالها، رؤساء الجامعات هم أنفسهم (هل تتخيلين أن الطلاب النشطين سياسيا الذين سيمجد الإعلام دورهم فى الثورة والذين كانوا واجهوا مجالس تأديب لنشاطهم السياسى وعوقبوا بحرمانهم من امتحانات الفصل الدراسى الأول قبل الثورة ما زالوا ممنوعين من دخول الامتحان فى بعض كليات جامعة عين شمس؟) أما الإعلام الرسمى فسوف تجدين تحت سطح العناوين المتحمسة للثورة خطابا مغايرا، وبالمناسبة لا تقتصر فلول النظام السابق على البلطجى والمنتفع وضابط أمن دولة بل تتعداه إلى أصحاب مصالح فى تثبيت الأمر الواقع وإن رفعوا شعارات الثورة».

أثنت على حالة الحوار المجتمعى الذى فتحت له الثورة أبوابا وأبوابا واعتبرت أنه مفيد فى هذه المرحلة «الحيز مفتوح ليس فقط تعويضا عن فترة السكوت القسرى، وإنما أيضا لإنضاج الأفكار والتصورات عبر أوسع مشاركة ممكنة»،وفور أن بادرتها بتعليق عن جدوى ما عرف بجلسات «الحوار الوطنى» و«الوفاق القومى» ردت فى حسم «لا أقصد أبدا الحوار الوطنى وغيره، إنما أتحدث عن الحوار المجتمعى ليس ذلك الذى يدعى إليه البعض دون الآخر من نجوم المجتمع، فمن أهم إنجازات الثورة أنها فتحت مدرسة كبيرة للشعب المصرى للمناقشة والتحاور والانشغال بهمومنا المشتركة كشعب يريد العيش والكرامة والعدالة الاجتماعية».

«أشعر بدرجة عالية من القلق بعد ظهور انقسامات بسبب الفتنة الطائفية رغم أنه كان يجب أن يكون موقفنا مختلفا بعد أن اكتشفنا أن من وراء تفجيرات كنيسة القديسين هى وزارة الداخلية، كان يجب أن ننتبه أن للسلطة ما قبل الثورة ولبعض فلولها ما بعدها، دورا فى إشعال الفتنة»، هكذا تعبر عن بعض ما يقلقها فى هذه المرحلة، ليس هذا فحسب «انقسامات أخرى ظهرت فجأة حول الإسلاميين والعلمانيين، وحول الدستور أولا أم الدستور لاحقا..إلخ، مطلوب جهد كبير لمواجهة هذه الانقسامات، فهناك فرق بين خلافات فى الرأى تخلق حوارا يثرى الجميع، وبين محاولات مقصودة لخلق انقسامات فى الشارع، تفتتنا وتعوق إمكانية أن نحتشد معا لمواجهة ما لا يفى بمطالبنا، وأشعر بدرجة عالية من القلق إزاء المحاكمات العسكرية للمدنيين، وأشعر بقلق إزاء التأجيل غير المفهوم لمحاكمة مبارك أو نقله إلى السجن، كما أشعر بقلق إزاء وقائع يومية تفاجئنا من حين لآخر كأن الثورة لم تقم بعد: ألا يثير القلق أن تعتبر المطالب المشروعة للعمال مطالب فئوية لا يحق لهم الإضراب لتحقيقها؟ لماذا شارك فقراء مصر فى الثورة إذن إن كان من غير المقبول مطالبتهم بعدل الميزان بما يتيح لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة؟!».

بشأن الحديث المحتدم حول الدستور أولا أم الانتخابات أولا، قالت «لو كنت فى مصر خلال فترة الاستفتاء لقلت لا للتعديلات الدستورية، ورغم ذلك لا أرى مفيدا أن نغرق فى هذا الحديث فيلهينا عن قضايا أهم»، وأشارت عاشور إلى مقال المدوّن الشاب علاء عبدالفتاح فى جريدة «الشروق» حول من الذى يكتب الدستور، والتى أعقبها بمبادرة يقترح فيها نزول آلاف المتطوعين إلى القرى والنجوع والأحياء ليسألوا الناس عن المواد التى يريدونها فى الدستور، وعن مصر التى يحلمون بها، مسترشدا فى ذلك بتجربة جنوب أفريقيا وحزب مانديلا، الذى نزل إلى الناس واستمع إليهم فأمكن بلورة الموقف الشعبى فى وثيقة صيغت قبل 40 عاما من تسلم مانديلا للسلطة، ساعتها كان الحزب فى موقع التلميذ فيما كان الشعب يقوم بدور المعلم، واعتبرت رضوى أن هذه المبادرة هى واحدة من بين عشرات المبادرات التى يطلقها الشباب والتى تتبلور فى ظل حوار عفى.

وتعليقا على صعود التيارات الدينية قالت عاشور «نحن فى بلد لا خلاف على هويته: نحن مسلمون وأقباط، نكوِّن معا نسيجا متشابكا وهذا مدعاة للثراء والفخر، رغم كل الفتن ومحاولات إذكائها سواء من قوى داخلية أو خارجية، نعم هناك خوف من التيارات الدينية وهو خوف لم يأت من فراغ ولكن به مبالغة، فالإخوان المسلمون فصيل مهم من فصائل هذا البلد، واختلاف الفصائل يجب أن يكون فى إطار الصالح الوطنى العام ، وفى النهاية يختار الشعب من يختار، لا يجوز أن نكيل الديمقراطية بمكيالين شرط ألا يكون هناك تزوير فى الانتخابات، لا يمكن تنصيب الإخوان ولا القوميين ولا الليبراليين ولا الشيوعيين أو غيرهم كأعداء، فكلهم خرجوا مؤخرا من تجربة موت ونصر مشترك».

«هناك ثورة مضادة، والحزب الوطنى لا يزال موجودا بأشكال مختلفة»، وأشارت إلى البطء فى محاكمة رموز النظام، والتركيز على الثروات المنهوبة فى حين أن هناك جرائم أكبر، «الرئيس ومن معه أقسموا على حماية هذا الشعب ثم فتحوا عليه النيران، أليست هذه جريمة؟ وعندما يسهل رئيس الجمهورية لصديقه صفقة الغاز لإسرائيل أليست هذه خيانة وطنية؟ تتساءل عاشور التى ردّت فى حسم على سؤالى التالى: «نعم أنا مع المحاكمة العلنية للرئيس مبارك، أليس من حق الشعب الذى نهبت أمواله وأهينت كرامته واستشهد أبناؤه، أليس من حقه معرفة التفاصيل؟»

«طبعا كانت لطمة على وجه المشروع الأمريكى الصهيونى فى المنطقة، والمأمول أن تخرج الثورة بمصر من القبضة الأمريكية، فالإرادة الشعبية تريد لمصر أن تكون بلدا مستقلا غير تابع، وبلدا يدافع عن مصالحه المتناقضة مع مصالح إسرائيل، وليست كما كانت فى عهد مبارك الذى وصفه أحد القادة الإسرائيليين بأنه كان كنزا استراتيجيا لإسرائيل، أليس هذا من الموضوعات التى تستحق التحقيق والمحاكمة؟»، وأحالها ذلك الحديث لأحداث السفارة الإسرائيلية الأخيرة «كان من الأشياء الصادمة ما لقاه الشباب عند تظاهرهم أمام السفارة الإسرائيلية من ضرب وإهانة، وكأنه لم تحدث ثورة، فهذا الشباب كان يعبر عن مشاعره ومواقفه الوطنية، أما القول بأن هذا قد يدفعنا لحرب لسنا مستعدين لها فهو قول يفترض فينا البلاهة، لأن التعبير عن الرأى عند سفارة لا يشعل حربا».

فور أن طرحت التطور فى ملف القضية الفلسطينية بادرتنى رضوى عاشور «كنت أتمنى أن يبقى السفير نبيل العربى وزيرا للخارجية لأنه ذو خبرة وقيمة كبيرة» واعتبرت أن «مصر الحرة تغير المعادلة فى المنطقة»، وعبرت عن وافر تقديرها لهذا الشاب الفقير «علينا فى كل بلد عربى أن نصنع تماثيل للتونسى بوعزيزى، الشاب الذى قدم نفسه فداء وأحرق نفسه غضبا ولم يخطر بباله ما سيترتب على ذلك، وأعتقد أن المصريين التقطوا الرسالة بسرعة فقالوا ما دام التونسيون استطاعوا أن يسقطوا رئيسهم فلا بد أننا نستطيع. وهكذا انتقلت الشرارة وهو ما يؤكد أن المنطقة كلها شعب واحد من تونس لمصر إلى اليمن وليبيا وسوريا، والبقية تأتى.

الحديث عن أحوال الجامعة المصرية حديث ذو شجون، وبعد الثورة يكون من المفيد الحديث عن مستقبلها المرتقب مع رضوى عاشور ليس فقط بوصفها أستاذة جامعية مرموقة وواحدة من أبرز أعضاء جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعات، بل ولأنها اعتبرت هذه القضية إحدى أهم قضايا عمرها وعبرت عنها حتى فى كتاباتها الأدبية كما فى روايتها «أطياف» (1999).

أكدت عاشور أن الحديث عن نهضة الجامعة لا يمكن أن يستقيم دون الحديث عن النظام التعليمى داخل المدارس «مدرسة يخاف فيها الطالب ويُلقن لا يمكن أن تكون مدرسة فى بلد ثورى أبدا، نريد مدرسة يفرح الطفل أنه ذاهب إليها»، تطرح أستاذة الأدب الإنجليزى ضرورة إعادة النظر فى النظام التعليمى برمته، «أنا مختلفة تماما مع الدعوى لإلغاء مجانية التعليم، وفى الوقت نفسه ليس قدرا أن تكون المدارس العامة بلا تعليم، وألا يذهب طلاب الثانوية العامة إلى المدارس معتمدين على الدروس الخصوصية فهذه نكبة، نريد تعليما ملهما للطلبة يعتمد قواعد ديمقراطية ويعلم حقوق الإنسان من خلال علاقات راقية بين المعلم والتلميذ، فالتعليم عملية مرتبطة بالمتعة والإثارة وهذا غير موجود عندنا»، وأضافت «لا أتحدث عن يوتوبيا، وهذه ليست معضلة ولا تحتاج منا استلهاما لتجارب دول أخرى فى التعليم، فلو توافرت الإرادة والأمانة والرغبة الحقيقية سنستطيع أن ندرس كيفية رفع أجور المعلمين وتأهيلهم»، واعتبرت أن إلغاء الحرس الجامعى كان خطوة إيجابية «فكرة سور الجامعة من الأساس فكرة انقرضت بالخارج، كان لدينا سور وحرس داخل السور وخارج السور وأى مظاهرة صغيرة لا يتجاوز المشاركون فيها مائة طالب تستدعى تطويق الأمن المركزى للحرم الجامعى. وكما سبق أن قلت فى موضع آخر: الكتاب الجامعى بوابة مغلقة، والدرس الخصوصى، والأستاذ الذى يملى على طلابه فكرته التى لا شريك لها، والعميد المعيّن، ومشاريع الجودة المزعومة عناصر منظومة كاملة تجسّدها قضبان الحديد. منظومة كاملة لا بد من تغييرها لأنها تحول بين الجامعة ودورها كموقع لتحرر العقل والروح، فيسمح بقلب الموازين وخلخلة المستتب من القناعات، والمفاجأةِ السعيدةِ بولادة جديد نضر وبهى».

ولحال المثقفين ودورهم فى هذه اللحظة الثورية وقفة، «تعبير المثقف بالنسبة لى يثير القلق» «هناك مثقفون احترموا أنفسهم ودفعوا ثمن ذلك من سجن وتهميش، وفى المقابل هناك مثقفون كانوا يخدمون النظام وبعضهم لا يزال موجودا ولهم أعمدة فى الصحف وبرامج فى التليفزيون! هناك من يتخذ مواقف أمينة وهناك الانتهازى وهناك من يؤثر السلامة ويختار الصمت. لذلك عندما أقول مثقف لا أعطيه ميزة مسبقة، فالمهم ما الذى يفعله بثقافته ومعارفه، أين يقف، هل ينحاز إلى العدل أم يتواطأ مع الظلم… إلخ؟».

وعما إذا كان من اللائق الآن الحديث عما يسمى «أدب ما بعد الثورة» قالت «هذا سابق لأوانه، على ما أظن. طبعا هناك فنون (الجرافيتى مثلا) وموسيقى وأغان وقصائد نشأت فى لحظة الثورة وستبقى مرتبطة بها، وربما يوميات لو توافر فيها القدر اللائق من اللماحية والعمق، لكن الحديث عن أدب ما بعد الثورة سابق لأوانه،. فالأدب ليس شعارات أو هتافات أو موقف مهما كان نبيلا بل هو ظاهرة لها قوانينها المركبة. وهى قوانين ليست عشوائية بل شديدة الارتباط بتجارب متجذرة فى الواقع، وإن لم تعكسها بشكل مباشر، لقد شاعت فى العقود الثلاثة الأخيرة نصوص ينحصر عالمها فى حيز الغرفة الضيقة للفرد، وهو فرد مُنْبَتّ فى الغالب الأعم ومكتئب. وأتوقع أن الثورة ستفتح بابا أوسع فى المستقبل للكتابة، أتوقع تغييرا لأن الشباب بنزولهم الشارع وتفاعلهم الواسع مع الآخرين وخوضهم تجربة جماعية تاريخية لن يتمكنوا من التعبير عن أنفسهم كذوات مفردة منغلقة على نفسها».

«كنت منذ عدة سنوات مسئولة فى لجنة تحكيم جائزة الدولة التشجيعية وراعنى أن معظم الروايات الممتازة كان موضوعها الموت، حيث كان الواقع ضاغطا لدرجة أن الموت كان حاضرا كتجربة أساس فى النص الأدبى، وفى تقديرى الآن أنه رغم عدد الشهداء وتجربة مواجهة الموت فى الثورة إلا أن أن الموت لن يكون المهيمن، لأن اللحظة هى لحظة انتصار الحياة. لقد عاش العديد من شبابنا ومنهم أصحاب الموهبة الذين سيكون لهم إسهامهم فى الأدب العربى تجربة ثرية ستسهم حتما فى تشكيل نصهم الإبداعى».

مقالات من نفس القسم