جنون

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عباس علي موسى

صباح الخير، أو ربما خير الصباح، أو ربما لا خير إلا في الصباح

تلكَ مسألةٌ أخرى ربما تتعلق بالمسألة الوجودية، حول "أن تكون أو لا تكون"

في هذا التوقيت الذي أنا فيه الآن والهارب من توقيت هذه الأيام حيث التوقيت يقول أن الساعة هي 7.25 من صباح صيفي 2012

المكان في دمشق – دمر/ الحارة الجديدة، في أعلى نقطة بناء فيها داخل غرفتي

الباب مشرّع على آخره، لكنّ السماء تمطرُ بغمامةٍ طائشةٍ كمثلي هذا الصباح، لم أرَ أحلاماً لأهرع هذا الصباح وأهمّ بالكتابة، وليس هذا شعوراً طائشاً. الرغبة في الكتابة، هي فعلٌ كالحياة بالنسبة لكائن لغوي، وربما اخترت أن تكون وجهة الرسالة إليك، ولأول مرة في موضوع لا يخصنا كلينا بل يخصني ويخص الحياة، باختصار مسألة وجودية للحيلولة دون بلوغ هذه الأغنية التي أسمع الآن إلى عظامي (بعض الأغاني تستبد بالإنسان وتتغلغل في عظامه)، وما لكِ وللأغاني، ربما تفضلين أغنيةً أقلَّ وقعاً، أغنية جميلة، أحببتها مؤخراً بعيداً عن الذاكرة.

منذ زمن بعيد ولم تستبد بي مسألة الحياة كفعلٍ معاشٍ مستحقٍ أو لا، لكنه فعلٌ بكافة الأحوال، اخترنا أن نكمله طالما لم نختر القيام به منذ لحظة ميلادنا، ونستطيع أيضاً أن نضع نقطةً في آخرها، تلك مسألة بسيطة، كبساطة الكتابة الآن على الكيبورد.

ماذا يعني لنا (أقصد نحن البشر، كل الضمائر التي ستمرّ في اثناء الكتابة لا تخصك بطريقة مباشرة بقدر ما يخص أي شخصٍ آخر)، أن نكون واقعيين، هل يعني أن نركض كمثل هؤلاء الناس جميعاً صوب سرفيس المهاجرين – صناعة، صوب طريق نحفظه، أو أن نقوم بالرياضة في صالة الجلاء في المزة – فيلات، حيث الازدحام وفعل الحياة أقل وقعاً، ربما الموضوع هو في كثرة الضجيج أو قلته.

(الحياة)

لا أحمل في هذه اللحظات أي مشاعر تجاهها ليس لأنها جديرة أو لا، فتلك مسألة أخرى، إلاّ أننا يمكن أن نسميها مشاعر سادة، بدون توصيف، بإمكاننا أن ننظرَ إلى الموضوع بهذه البساطة إن نحن شئنا. أستطيع الآن أن أخرج من الغرفة من الباب الخارجي وأقرع باب الجيران فتخرج الجارة الغبية، وعلى عينيها آثار نعاسِ مدينة بأكملها وأقول لها: (ماذا تعني لك الحياة)

هل هذا سيعطيني الجواب. لا تفكري بالسيناريو الذي سيحصل بعد أن أفعل هذا لأن التفكير بما سيحصل سيكون كارثياً، حسب قواعد اللعبة الحياتية، أو أن أجد طفلاً في الحي يركل كرته في هذا الضيق من الحارة، لربما من أحلامه أن يركل الكرة دون أن تصطدم بجدار (الجدران دوماً تمنع أحلامه)، إن سألت الطفل هذا السؤال ماذا سيقول يا ترى، بالطبع لن أنتظره كي يرد ولا تفكري مرة أخرى عن ردة فعله، لربما كان كل شيء هكذا، هذا السؤال بإمكاني أن أسأله لأي شخص سأمر به هذا الصباح (هذا إن خرجتُ في هذا الصباح لأي مكان أعرفه أو لا).

الغيم، هذا أيضاً سؤال يؤجج سؤال الحياة، لم نحيا؟!، إشارة استفهام واحدة وإشارة تعجب واحدة كافية لهذا السؤال العظيم، إن نظرنا إلى الحياة نظرة كبيرة أو أنها كافية للحياة إن نظرنا إليها كأتفه فعل نقوم به.

إن ثنائية الموت والحياة هي فعلٌ هزليٌ بالفعل، هذه النتيجة يمكن أن نصل إليها في صباح مشوّه كهذا الصباح، صديقي الذي يقاسمني الآن هذه الأمتار المربعة يرمقني باستغراب إذ أكتب دونما النظر إلى الكيبور أو إليه ، أو…

تلك أيضا مسألة ساذجة وحدها الأغنية تمضي، وتمضي…

الأغاني هي أكثر الأفعال الدالة على مشاعرنا (ربما أغنية أسمعها الآن) غير تلك التي سأسمعها في سرفيس دمر – البرامكة أو الجسر، حيث سأمضي به إن قيض لي الخروج بهذه المشاعر الـ …، بالفعل لا أملك وصفها، سأرجئ الوصف لتوقيت آخر، ولن أنتظر أي تفسير، ربما الآن أستطيعُ وأنا أمارس فعل الحياة (العظيمة / التافهة) سأختار الصفة التي أحسها في نهاية هذه الكتابة، هذا إن انتهت بالفعل.

لم أحس أن هذه الكتابة لا تنتهي، هل تعرفين أني أتمنى الآن أن تنقطع الكهرباء في غفلةٍ مني، ربما كي لا تقرأي هذا الجنون، ربما ستقولين عنه جنوناً، وربما كي أظن أنني كنت في حلم إذ أرجع بعد معاودة التيار الكهربائي، سأقنع نفسي أني لم أكتب ما كتبته طالما أني لن أحتفظ بهذه المشاعر للأبد.

أنا أؤمن أن هذه المشاعر هي وليدة لحظة ما، لن أوقف اللحظة كي لا أكون مجحفاً، ها قد بلغت الأغنية نقطة تحول أخرى، جميل أن تسمع أغنية لا تفهمها تماماً كي تسبغ كل ما تريده من معنى عليها، لذا ربما أحب أن أسمع موسيقى دونما كلمات لكي ألصق عليها ما أشاء من انفعالاتي، ربما خرجت عن السياق، لكن هل فعلاً كان ثمة سياق في الأساس!.

دوماً أحب أناقة الكتابة واللغة، ربما الآن لا أكرث لذلك، وهذه الفواصل والاشارات ربما هي من قبيل التعود – ليس إلاّ، انظري إنّ الأغنية تتصاعد كمثل غيمة ستمطر لتوها، هل فعلاً أن الجو اليوم تافه، أم أنه جميل؟!.

إن ولدت جارة لنا هذا الصباح بطفلة أو طفل سأقترح بكل وقاحةٍ اسما عليهم، ربما اسماً أحبّه، مرة أخرى لا تكملي السيناريو ولا تفترضي شيئاً سيحصل بعد ذلك، طالما أني أشعر أو أحب ما أريده الآن.

حسنا سأحاول أن ادخل المسار، أتذكر أني بدأت في الحديث عن الحياة إن لم أكن مخطئاً، (الحياة)، ماذا سأقول عنها، إن كان كل شيء يعيش داخلها، لأجلها ربما أو حتى لأجل تفاصيل داخلها، ما رأيك لو تدخنين اليوم سيكارة تكريساً لفكرة اتفقنا على تركها يوماً، أنا سأدخن اليوم، ليس بسبب مشاعري المتناقضة أو السوية أو المشوهة وإنما لأجل شيء أجهله، أو أعرفه، المطر يشتد في الخارج، الأغنية تتصاعد، لو أن بإمكاني أن أنهض الآن وأغلق الباب أو حتى أن أفتح النافذة التي لم أرها مفتوحة قبل الآن، فعلاً لا أقو على ذلك، فعلاً لا أقوَ!

الأغنية تبلغ مبلغاً عظيماً، إنّ المغني يغني الآن وكأنما من داخل كهف ضميره، المغني يغني لحظة جنون، أو ربما لحظة كشف عن ما يخفى علينا نحن الساذجين في نظره في هذه اللحظة.

ستسألين نفسكِ،لم هذه الرسالة ولم هي موجهة إلى أنا بالذات؟

هو سؤال مشروعٌ، ولك أن تسأليه، ولي أن أجيب أو لا، تلك مسألة متعلقة بشيء لا أعرفه، لكنها موجهة إليك لتقرأيها، لكن ليس لتبني عليها رد فعلٍ بشيء، هل بإمكانك تحمّل كل هذا الجنون أو بعضه؟

لديك من الأشياء ما تكفي كي تبقيك على الحياد من هكذا رسالة، لكن مع ذلك أحس أنه عليك أن تقرأيها ولأكثر من مرة، لا كي تفهميها، بما أنني الآن لا أعلم ما كتبته قبل أن تتغير الأغنية أو أن يقوم المغني بإطلاق صوته من أعماقه.

فعلاً هناك ما يدعو إلى السخرية في هذه الحياة، هو إذاً سؤال مشروع، أو مشروع سؤال، تختلف الصياغة والجنون واحد، هل بإمكاني أن أسمع بعد كل هذا إلى شاكيرا وهي تغني للأفارقة أغنية كأس العالم، أو أن أسمع لويس بموسيقاه المعبرة عن العبث في الحياة، أقصد آرمسترونغ، هذا الأبله الذي يوصلك إلى الغيم وفجأة يصدمك بطائرة فتنزل أسفل السافلين، هذا هو لويس آرمسترونغ، لكن لا تجربي حتى أن تسمعيه.

جنونٌ بدرجة أقل أو أكثر يدفع للحيلولة للقيام بفعل الحياة التافهة أو العظيمة

لكي أن تقرري فيما بعد.

لا أعرف إن قلت في بداية هذه الرسالة، صباح الخير أو لا، لكن مع ذلك صباح الخير

هل هناك من حبوب لآلام المعدة غير تلك التي يبيعونها في الصيدليات؟

سؤالٌ ساذج

هل من مبرر لهذا المطر؟

أو من مبرر لهذا المغني كي يمضي في الغناء.

لكن ومع كل هذا، أو دون هذا، لا أعرف ما سأقوله، لكن لم تنقطع الكهرباء هذه اللحظة أيضاً، أخيراً صباح الخير، أو لا أعرف، ربما أريد أو لا أريد شيئاً، صباح الخير مرة أخرى.

ـــــــــــــــــــــــ

قاص من سوريا

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون