اللعنة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

-سامحيني

-من فضلك اغفري لي ..

كل هذه السنوات  الطويلة ، كل الصلوات التي وهبتك إياها ، كل الختمات التي كانت لك ، كل الدعوات ، كل هذا الحضور في حياتي،  ألا يجعلك ترقين لحالي، وتغفرين غفلة ما قصدتها، غفلة كنت شريكة فيها  بابتعادك وعزلتك ، ما أبديت  احتياجا لي. أينا كان يتجاهل الآخر، كنا قريبتان في العمر، هل يزيد عمري عنك أربع أو خمس سنوات ؟، كنا على أعتاب الحياة ، فغافلت أنت التعب والكد، ومرقت كسهم عرف جيدا طريقه، وانغرس في روحي. 

التعب الذي أعيشه يحاصرني يأكل جسدي ينهكني، أتمنى أن أنام، دون أن  تباغتني الأرجل السوداء وتنشب مخالبها في جلدي.

حين كان أخوتك صغارا ، كنت أعزو تعبي للمجهود والجري وراء أطفال صغار، فتسخرين منى، وتكدرين يومي بعبارة:

-أما كان لي من هذا التعب  نصيب ؟

.. اعتبرت التعب زكاة للنعمة .. لكن الزكاة لها نصيب معلوم وقد صار تعبي يجور على أصل المال وما هناك من زيادة أو بركة . لماذا تردين كل محاولاتي .

في منامتي كأني بكل تضرعاتي تتجمع في صرة تلقينها في وجهي،  وتبتهلين  للرب

-أريد حقي منها .

أبكي وأبكي ..

 وأنت تحرنين كطفلة لا ترضى عما تريد بدلا .. ماذا يضيرك لو أنك سامحتني ، لو قبلت سلة ابتهالاتي ، لو أخذت نور دعائي وأضأت به طريقك

أما من توبة ؟

على العتبات أقف .. أعترف لم أرك ، لم أهتم بك ، وما اهتمت بشيء في هذا البيت ، حين دخلته ، كانت روحي هناك ، حيث عالم بعيد عن قدراتي وتصوراتي ، عالم تخايليني روائحه ، وأطيافه في مناماتي ، فأطوف في نومي في مدارات مالها مكان في كوني ، عالم من الهدوء والصمت والجلال والترانيم ، عالم لا ينتمي لظاهر حالي. فتاة وحيدة لأب وأم يعملان بالسيرك ، حيث النهار صياح وصخب وفوضي وسباب وشجار ، والليل ارتباك واجهاد وتصفيق ، حلبة السيرك كانت  الشيء الوحيد المنضبط في عالمي  ، منذ صغري وأنا  اتخذ مقعدا في آخر كراسي السيرك  ، رويدا رويدا أصبح ما يدور على حلبة السيرك هو عالمي هو الحقيقة وما عداه هو الوهم.. ما شيء كسر أوهامي غير أبيك

كنت تائهة وممتنة .. وكنت بعيدة وجامحة وحزينة ويتيمة .

من خلف حجاب الغفلة ما رأيتك ، ولا أدركت أنك تحتاجين إلى.

ومن خلف الحكايات والأساطير ، استقبلت زوجة الأب .. التي تذبح بقرة الأيتام ، وتطهو الديك الصبي ،.. وتنظر في المرآة وتصيح هل هناك  أجمل مني ؟

 ولم يتح لنا من الوقت ما يسمح لي أن أملس على شعر اللطيمة،  وما يجعلك تدركين  أني بلا أنياب . أبوك لم تلفت انتباهه غفلتي ، كلنا كنا معلقين في حبال الأيام القادرة على التسوية والتطيب  ،

لكن الأيام باغتتني ، كنائم استيقظ ليس على صوت يناديه أو حتى يد تهزه ، لكن على صفعة على خده ولطشت في طريقها أذنه .. هلعة مذعورة ، كان حالي بجوار سريرك أوقظك  ، أوصاني أبيك للمرة الأولي بك

أجلسني إلى جواره وقال:

– أريدك أن تهتمي بسعاد ، عايزها تاخد عليك . هي طيبة وحنينة قوي ، وأنت كمان  .

انتبهت ، وربما كانت هذه التوصية ، هي إجابة السؤال الذي يملاني ماذا أفعل هنا ؟ ما لذي جاء بي إلى هذا البيت

دققت على باب غرفتك ، لم تجيبي ، خمنت أنك نائمة ، فتحت الباب ، فعلا كنت نائمة  ، في منتصف السرير بالضبط على جانبك الأيمن ، لا شعوريا وكما سأظل أفعل طيلة أيامي إن رأيت نائما أغطيه أولا ، ثم أوقظه ثانيا .

-سعاد ، سعاد ، اصحي يا حبيبتي

-كنت صادقة جدا  ، كأنك كنز وجدته ، سمح لي بلمسه ، وكأني كنت  أما طول عمري وحتى قبل أن أولد ، تسربت أمومة لروحي . وفي الساعات القليلة التي تلبستني أمومتك ، ما بين دخولي غرفتك وخروجك من البيت دارت كل أيامي

جلست على طرف السرير ، مسدت شعرك ، طبطبت على ذراعك ، اقتربت منك أكثر ، على جبهتك اليسرى  حسنة سوداء ، سعاد اصحي ، دققت النظر ، لكنها تتحرك ،  شهقت يا حبيبتي ، وضعت يدي على فمي ، اعتصر الوجع قلبي ، امتدت أصابعي نزعت القملة من جبهتك ، ضغطها بين أصابعي،  اعتذرت لك ألف اعتذار ، يا حبيبتي ، الغفلة تولد كل الهوائم ، الغفلة تولد كل الذنوب التي ترعى في رؤوسنا ، الغفلة تقتات  دمنا وأرواحنا

-هل ستقبلين  أن أسرح لك شعرك؟

ما كنت أقبل لأحد أن يسرح شعري ، هذا سر البنات وأمهن ،  لا تطلع عليه حتى الخالات،  وعندما  كنت أسأل أمي وهي تسرح شعري بعد غسله بالمشط الأبيض ذي الأسنان الرفيعة

-ماما شعري فيه حاجة ؟

-كانت تدير وجهي عن الشال الأبيض الذي تضعه على ظهري ، وتقول بحزم :

-أبدا شعرك زي الفل.

ومن غير الأمهات يباح لهن الكذب ؟

قمت من جوارك ، أغلقت الباب حتى لا يخدش سرنا أحد ، انحنيت على رأسك ، أفرق شعيراته ،أصل للفروة البيضاء ، استعددت لمعركة حربية .. وكنت كقناص يتتبع أثر فرائسه واحدة تلو الأخرى ، آثار دمائك المندفعة من الأجساد المضغوطة ما زلت تتراءي لي .. دليل ذنب أم علامة مغفرة .، كل قملة كانت ذنبا وكنت أنتقم بموتها لك ، وأسألك  السماح، انتهيت من الناحية اليسرى ، هل أحرك رأسك .وأنظف الناحية اليمنى ؟ ترددت ماذا لو استيقظت؟ ، ، ماذا أفعل؟

 بهدوء حذر عدلت رأسك ، أصبح وجهك مواجها لي

-أنت جميلة ، ملاك  غارق في سرمديته ،  لابد و أنك تشبهين  أمك.

باجتهاد وثقة أكبر ، قضيت على المتطفلات على شعرك الكستنائي الجميل ، وما تبقى من أثارها ستزيلينها اليوم بالاستحمام ،  تاهت غفلتي ، ليس لها أثر ، قضيت عليها.

آه ،آ ه آه   كنت صغيرة . لم أختبر  بعد  أن الغفلة قدر ، لعنة ، آه .. آه  متى أفيق؟؟؟

كان وجهك قريبا جدا من فخدي ، ولكنك لم تتحركي ، أو تظهري تمللا ، نظرت لوجهك ، وضعت  يدي على أنفك ، حركت جفنا عينيك، لا. لا. هل يمكن لي أن أحتمل ؟؟

أنا من تمنيت أن تطول نومتك وألا تشعري بي. فقط أرد ت بعضا من قرب لا مزيدا من خجل  ومهانة.

لماذا فعلت بي هذا ؟ أي قسوة تملأ روحك ؟ أي لعنة وشمتني بها؟ بأي خوف كبلت روحي ؟ إلى أي يأس قدمتني قربانا؟

لا أعرف كيف خرجت من غرفتك ، غير أني كنت أتابع بعيني ابتسامة طافيه على وجهك وأنا أملأ الوعاء بالماء وأناوله للمرأة التي كانت تعدك للخروج الأخير

لم أنطق اسمك أبدا ، لكنك ملكت  كل خاطري ، اعتقدت أنك سامحتني ، وأنا ما كان هو سرنا ،  وأنا تفكيري فيك توبة، لكنك أبدا لم تغفري ،  وظللت  ابنتي التي عققتها ،  ولم أوفها حقها صغيرة ، فهجرتني و عقتني كبيرة ، كنت و أدفع ثمن ذنوبي  بصمت  الخطائين المقرين بذنوبهم ، اللوامين ، المرددين لأنفسهم:

 – كله حق،  أنا اللي استأهل .

لكني تعبت  ..

فألا من توبة؟ ،

وهل من مغفرة

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون