ابتسامةٌ حمراء!

هيثم أبو الغزلان
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هيثم محمد أبو الغزلان

أُصِبتُ بدهشة غريبة ذات مساء، حين رأيت طفلة صغيرة تركض فَرِحة في الحديقة العامة. لم  أدرِ هل هو حسد من عندي نفسي، أم دهشةٌ تغلغلت في ثناياي؟ أصابتني حيرة لم أفهمها بعدما مرّت من أمامي فتاة بعمر الورد كفراشة تنتقل من مكان إلى آخر ولا تعرف أين تتوقف وهي تُسابق رجلًا بلغ من الكِبَر عِتيّا.

ارتسم الفرح على وجه (فرح) التي تطابق اسمها مع قمر يرسم الفرحة على وجهه، وربما تخطفها من فراشات تقلّدهن، أو غزالة يتربّع في وجهها الجمال وأكثر، أو ربما مثل قمر يرتاح في وجهٍ بريء يستظلُّ به البشر. تكاد أن تقبض عليها حين تهرب منك، وتشعر بها حيث تأسرك إبتسامتها البريئة، وترنو لها وهي لم تكد تغادر مكانها.

لم تكن ملاك الرحمة كما أسميتها، بل فتاة عادية تبدو كطفلة عادية يظهر عليها (شيطنة) الأطفال، وكذلك براءتهم. لا أعلم في تلك اللحظة لماذا وجدت والدها أمامي ليسألني وكأنّه يعرفني منذ زمن طويل، أو بيني وبينه علاقة حميمة، ليبادرني بالقول:

هل نزعجك؟

فأجبته على الفور وكأن الإجابة كانت على طرف لساني:

لا

أكاد أجزم أنه لم يسمع إجابتي المختصرة بسبب (فرح) التي زلّت قدمها وهي تتسلّق شجرة طويلة، بعد أن غافلت والدها الذي توقّف ليحدّثني أو ليستريح من (شيطنتها) المُحبّبة، كما يبدو عليه.

..مرّ شهران تردّدتُ خلالها إلى الحديقة مرات عدة، لكنني لم أر الطفلة ووالدها.. أصابني قلق حين جئت الحديقة مرارًا ولم أعثر عليهما. تمنّيت في نفسي أن لا يكون قد أصابهما أو أصاب أحدهما مكروهًا، فعدم مجيئهما بعد أن كانا ضيفين دائمين في الحديقة ربما يعود إلى سبب ما، وعسى أن يكون خيرا. لم أكن وحدي من يبحث عنهما، بل اتسعت رقعة التساؤلات لتشمل عددًا من زوار الحديقة الدائمين الذين افتقدوا وجود الطفلة ووالدها.  

..الوالد مات. قالها بصوت لا يكاد يُسمع شيخ كبير في السن، يتّكئ على عصاه، ويسير وهو لا يكاد يستطيع الوقوف على قدميه. نظرنا إليه منتظرين أن يضيف شيئًا، لكنّه التزم الصمت المطبق.

فبادرته: أين مات؟ وكيف؟ وما مصير الفتاة؟!

طأطأ رأسه ونظر إلى الأرض، وبصوت لا يكاد أن يُسمع:

توفي والد الفتاة بعد أن دهسته سيارة مسرعة تركه سائقها في الشارع دون أن يسعفه. وبعدها لم يعرف أحد ماذا حلّ بالفتاة الصغيرة!

ساد المكان صمت رهيب لم يخرقه إلا جلبة عالية جذبت انتباه الموجودين في المكان. نظرنا حولنا قبل أن نتأكد أن تلك الجلبة آتية من خارج سور الحديقة، فتوجّهنا مسرعين نحو مصدر الصوت في محاولة لمعرفة ما الذي حدث؟

ركضت مثل الآخرين باتجاه صوتٍ أرعبنا، حين وصلت رأيت أناسًا كثيرين يتحلّقون كأنّهم يُشكّلون دائرة. لا تسمع منهم غير طنين النحل، وهمهمة غير مفهومة. وبصعوبة اخترقت الجمع لِأُصدم بما رأيت. إنها هي. الفتاة التي يسأل عنها الجميع. والتي كانت تلهو مع والدها قبل أن يفتقدها الجميع. فهذه الفتاة تشعر أمامها بروح تتسلّق الجبال، وغزالة تعدو في صحراء، رغم أنها تحمل وردة حمراء وعلى فمها تعلو إبتسامة بلون الدم!

 

21-10-2019

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون