نجلاء علام.. شمس دؤوبة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 34
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

صفاء عبد المنعم

تطالعك بملامح طيبة وبريئة ، كأن الأرض لا ترهقها ، أراها باشة فى وجهى ، فأنسى كل مابى من أحزان .

تعرفت عليها منذ أن صدرت لها مجموعتها الأولى ( أفيال صغيرة ) فتابعت قراءة أعمالها ، ربما كنا لا نلتقى كثيرا ، ربما تأخذنا مرارة الأيام فى حضن واسع من الكئابة والهموم ، ربما تأخذنا دوامة الحياة ، ولكن عندما نلتقى ، نضحك سويا وكأننا كنا بالأمس نبيت فى بيت دافىء وحنون ملىء بالحكايات الطيبة ، وسعادة الجدات الكبيرات بنا تفوق كل سعادة ، ونبدأ بالسؤال المعتاد عن الأولاد والمشكلات الدراسية ، وعندما نتطرق للإبداع والأدب ننسى ماكنا نتحدث فيه من قبل ، وندخل سويا فى قلب رحم أمنا الحنون الكتابة ، الشغوفين بها دائما بلا منازع ، هناك هموم للكتابة والإبداع ولكنها تنسى سريعا فى ظل المحبة المتبادلة بيننا .

إنه الإبداع الهادىء الذى يطل فى عينيها ، لا أرى صخب البحر ولا عنفوانه وفورانه الجارف وأمواجه الهادرة ، بل حركة الأشجار وهى تتمايل مع نسمات الجو الهادئة ، وحفيف أوراق الشجر وهو يتبادل القبلات والهمسات مع بعضه البعض ، تشعرنى نظراتها الطيبة بالحب والصداقة والأمان فتزيل أحزان الوحدة والفراق عن قلبى المهموم . وعندما قرأت لها الرواية الأخيرة . طرت فرحا وعشقا ، وكتبت عنها دراسة مطولة مبتهجة بهذا العالم الجديد والمختلف على كتابة نجلاء علام . عالم صاخب بالألوان والمواقف ، لقد عشقت الأحمر النارى ، وعدت معها إلى جدتنا القديمة ( حواء) وجدنا الكبير ( آدم ) وقابيل وهابيل وميراث الدم الذى ورثناه عن جدنا القاتل قابيل ، قاتل أخيه الطيب الحنون المحب لأخته هابيل والذى تقبل الرب قربانه .

نحن أبناء القاتل . ولكن ورثنا عن عمنا القتيل ( الحب والفن والإبداع والعطاء والتسامح والدفء والحنو وكل المباهج المحرمة على قابيل ) كأن الله حرم قابيل من البهجة مثلما حرم هابيل من متعة الحياة .. وأعطاها كاملة لأخيه الغائب / الحاضر هابيل .

إن الفن هو الصورة المثلى لما كنا سنراه فى نظر عمنا الشقيق المقتول . وكم أزعجتنى فكرة أن نصبح رقما فى عالم المستقبل ، ويكون الإنسان بكل حضارته وميراثه على الأرض هو مجرد رقم فى ملف أو فى ترويثة المستقبل الكونى القريب .

كان الشاعر مجدى الجابرى رحمه الله . يضحك معى دائما وهو يقول : بكره نبقى مجرد رقم فى دفتر الحياة الكبير وسوف نفقد أسامينا التى تسمينا بها ، وسوف تركب مكبرات صوت عالية تنادى فى أذن كل مواطن ( المواطن رقم 232 استيقظ لقد حان موعد الصلاة ، المواطن رقم 343 لقد جاء موعد الفطور .. وهكذا ) وكانت تعلو الضحكات بمرارة لو تحققت هذه الفكرة ، نصبح مجرد آلة فى بندول الحياة الكبير . وهذا مافعلته نجلاء علام فى روايتها الأخيرة بحرفية وإبداع . فالأرقام خالية المشاعر لا تعترف بالعواطف والأحاسيس ، هى أرقام مجردة ، وكل كلمات الإنسانية المتعارف عليها سوف تمحى من ذاكرة الإنسان ، هذا شىء محزن ومخيف.

نعود إلى الأم الرؤم الطيبة نجلاء علام التى عندما أرى وجهها وضحكتها الخجولة الصافية ، تعود الروح إلى قلبى ، فتشد من أزرى دون أن تعى معنى هذه الابتسامة بالنسبة لى .

لا يستطيع أن يسقط القلب ويتخلى عن أهوائه وعنفه ، هكذا دائما قلبى شغوف بحب الأصدقاء وطيبتهم ، قلبى المغامر الكبير الذى يبحث عن بسمة حنونة فى وجه صديق أو فى وجه من يقابله ، هى تقابلنى بهذه البسمة الطيبة التى تزيح غبار الحزن ومتاهة الفراق عن قلبى .

 إنها الشمس المشرقة الدؤبة فى سماء الإبداع والحياة المثقلة بالهموم والأوجاع .

 عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم