بهدوء تسير عين الكاميرا لديه.. وفق تقنية (الفلاش باك).. مظهرةً لنا حكاية المدعوة «ياسمين- كيت بلانشيت».
من لحظة البدء.. التي تبدو فيها وهي تنتقل من مكان إقامتها نيويورك لخسارتها حياة الترف والغنى، إلى حيث أختها في سان فرانسيسكو، يعمل مكوك «الزمن» كخيط يشابك بين الأحداث التالية لقدومها والأحداث الماضية.. يُطلعنا على تفاصيل حياتها السابقة.. ونقطة الوصل التي تحيل ذاكرتها إلى الوراء تتمثل غالباً بموقف تعيشه أو كلمة تسمعها لتنفتح بوابة التداعيات لديها.
على هذا النحو يبقى المتلقي بين ضفتي الأحداث.. أو بين شطري حياة بطلة العمل «ياسمين» التي تعاني بسبب إفلاسها من انهيار عصبي يدفعها في كثير من الأحيان لمحادثة نفسها استغراقاً في تأمل ما جرى لها وما آلت إليه أحوالها.
تقرر البداية من جديد والعيش لفترة في بيت أختها التي ليست سوى أخت بالتبني.. لها طفلان وانفصلت عن زوج سابق خسر ما لديه من مال كان وضعه في استثمار لدى زوج «ياسمين» الذي تكشف الحكاية عن كونه محتالاً يسرق أموال الغير ويتاجر بها.
ظاهرياً.. ربما لن يرى المتلقي أي جديد يحمله العمل لا شكلاً ولا مضموناً.. ولا أي إدهاش يجعلك تتوقف قليلاً لتتأمل حالة إبهار نصي.. بصري.. أدائي.. موسيقي.. أو أي من المؤثرات التي يعمر بها الفن السابع.. ولعلها إيماءة مقصود من كاتب ومخرج العمل «وودي آلن».. بمعنى الاكتفاء بالنقل الواقعي دون مبالغات أو زخرفات إخراجية.
ولكن.. هل علينا إغفال مجمل الغاية من كل ما نرى ويُقدم إلينا عبر (Blue Jasmine).. وهل استطاعت تلك الأسلوبية السلسة الهادئة المتّبعة في نقل قصة العمل، التمويه عن إيحاءات مخفية تعطيها الصورة العامة عن المجتمع الأمريكي التي ينجح «آلن» بتصويرها.. ؟
ينفلش الفيلم باتجاه التقاط حالات من التداعي الاجتماعي.. فالزوج «هال» يخون زوجته «ياسمين».. التي بدورها، كما يبدو في الخاتمة، كانت سبب الإبلاغ عنه لأنه صارحها بحبه لأخرى ورغبته بهجرها.. تبلّغ عنه للمخابرات الأمريكية، وهي ذاتها لم تكن على علاقة جيدة بأختها.. لكنها تلجأ إليها حين تفلس.. تتعرّف على رجل آخر يحبها ويريد الزواج منها ليكتشف أنها تكذب عليه.. ويطول حبل الخداع.. دون أن ينسى « آلن» تظهير نماذج أخرى صادقة.. لكن الغلبة في نصه تميل لصالح إظهار نماذج إنسانية مهترئة داخلياً.
ولربما لم يكن هدفه إلقاء أضوائه على حالات فردية بمقدار ما حاول إعمال مجهره السينمائي وتصويبه نحو شبكة علاقات اجتماعية زائفة تُعاني بعمقها من تفسّخ يُحيل المرء إلى الانهيار والوحدة اللذين كانا مصير بطله العمل.
المفارقة.. التي يصيدها المخرج، عبر عنوان عمله «ياسمين أزرق- Blue Jasmine).. تكمن بضدية يُحسن الإمساك بها.. فالأزرق والياسمين لن نراهما إلا بطريقة رمزية، في العنوان، فلا هدوء الأزرق ولا شذى الياسمين.. ولا أي شيء من هذا القبيل سيلوح بحياة «ياسمين- كيت بلانشت» إلا عبر رقة مظهرها الخارجي.
أما المباشرة في العنوان، فربما كانت بمطابقة اللون الأزرق مع لون عيني «ياسمين» الذي كان أزرق هو الآخر.. وليبقى الأساس في غالبية العمل أداء مميز لكلتا بطلتي العمل (ياسمين- كيت بلانشت) ومن أدّت دور أختها «جنجر» الممثلة «سالي هوكنز».
عبر إعطائها ملامح الشخصية التي تجسدها.. وضبطها بحرفية عالية بأداء بدا الرافعة الوحيدة القادرة على انتشال الفيلم من اعتيادية الإيقاع الاجتماعي ونمطية هكذا شخصيات.. تمكّنت بلانشت من نيل جائزة أحسن ممثلة في فيلم درامي لجوائز «الكرة الذهبية- الغولدن غلوب» لهذا العام الدورة الـ(71) التي تمنحها جمعية النقاد الأجانب في هوليوود وأحسن ممثلة في «الأوسكار».