إلى قصيدة مصوغة في كتلة نثرية ، فيها ترجع الذات بفاعليتها خلف أشياء العالم الموضوعي، بعد أن أحست بهشاشتها أمام ما أنشأته يد الإنسان في العالم من أنظمة ومؤسسات، ترزح هي تحت جبروتهم المهيمن، مستشعرة سذاجة حلم الحداثة وادعائيته.
“منتصر عبد الموجود” شاعر يحتفي بخياله إلى أقصى حدوده الممكنة، مأخوذا برغبته الطاغية في الخلق . عناصر قصائده هي أشياء العالم الطالعة من تصوره الخاص والذاتي، بخلافٍ مع اتجاه يراهن على شعرية موجودات العالم كما هي عليه، ينقصه فقط لحظة رؤيا كي يشير إليها، إشارة موحية.
لا يخطئ قارئ الديوان ملاحظة لغة تحقق قيمة “المعاصرة” في أفضل حالاتها؛ أسماء أماكن واقعية، أسماء شخصيات، مفردات معربة حديثا، مصطلحات سيكولوجية، مسميات تكنولوجية، كل هذا مكتنف بوسطٍ من تجربة معيشة، بمصداقيتها وحرارة محياها، تذيب ما كان نابيا في شعرية سالفة، تسـتند إلى كونه تفصيلة ًمن يومنا ذي المجالات المتداخلة، مانحة إياه حقه الطبيعي في التعبير عن أمور حية، تؤثر في تصورنا لحياتنا على الأرض، ونؤثر فيها.
وهي لغة، مع هذا، رصينة التركيب، جزلة المفردات، أبعد ما تكون عن ركاكةٍ وتداولية مغلوطة، شاعتا مؤخرا في المكتوب من الشعر الفصيح.
***
يستطيع الدارس أن يرى في الديوان مراحل ثلاثا، تتمايز فيما بينها من حيث ظروف نشأتها ذاتية ًوموضوعية، ومن ثم من حيث مقترحها الإبداعي، شكلا ومضمونا، الهادف إلى إنجاز تعبير صادق عن نفسه، وفيّ لدوافعه الأولى.
المرحلة الأولى: وهي القصائد المكتوبة قبل قصيدة “حروب وهزائم”
(ستكون لحظة رائعة
صبايا أحببتهن يخرجن مني
أتأملهن – دون إجفال-
بمنأى عن
الشعور بالخجل
والرغبة في المضاجعة
وأجد داخلي
قابلا للتشكيل خارج نطاق الجاذبية.)
تبدأ النصوص وتنتهي عند حدود اللحظة المعيشة، تاركة ًلتوترها الآني الفرصة الكاملة للتعبير عن نفسه. والتعامل الفني مع اللحظة يستدعي أن تُـقتنص اقتناصا، إذ ليست كل أيامنا ذرواتٍ تراجيدية، وعليه فلن يجد القارئ علة التأزم مرصودة قبلا في هيئة التراتب المنطقي للزمن(ماضي- حاضر- مستقبل). بل سيجده ذائبا منصهرا في اللحظة المرصودة قيد النص. وهذه المهمة الإضافية تقع على عاتق الأداء اللغوي، مما يعطي هذه النصوص عمقا أكبر للصور البيانية من استعارة وتشبيه وكناية، وتبتعد المسافة بين المعنى الأول (المعنى المباشر لمفردات الاستعارة) والمعنى الثاني(المجرد المستهدف من عملية التصوير)، ويعطيها كثافة ملحوظة لطرائق التخييل.
تحتفظ النصوص للسياسة بصورة المتسلط، الدافع إلى ممارسة العقم وانعدام الجدوى ( العثمانلية مستمرون في ترقيش بردتنا/ وأنت لم تنتبه بعد/ لفحيح الأنوف العالية/ كأنك لا تزال تستحلب فص الفصام/ خلف قفص العصافير/ عاقدا حبل الجدل/ حول المقارنة بين/ الشقشقة والسقسقة ) حتى يصل التسلط إلى أشد خصوصيات الأنا ( عندما نجحوا في/ تقليم قدرتك على الحلم/ لم يكابدوا/ لغوايتك بالفخاخ؛/ وسقطت كالأرنب )
أما الفرد فضائع متقزم (تنمو الشهوات/ على أرض من الحرمان/ ويصير الاسنمناء/ البديل المتاح/ لطلاء الغرفة/ الغرفة/ المنغلقة على نفسها/ والمنقسمة عليك) حتى في مشروع انتحاره سقوطا من السطح، وقد أسقط معه ملابس منشورة ًللجارة (فقط ستشفق على نفسك/ أن تموت والأرض تحتك غير مسفلتة ،/ وأن يزيحك المارة/ – بمروءة شديدة -/ ليعيدوا إلى جارتك/ أغراضها)
أما الولد والبنت فقد(اتخذا هيئة طيور دجنت/ من شدة الإحباط/ فنبتت لهما أجنحة لا تصلح للطيران) وانتهى بهما الحال إلى أن (انكب هو على كتابة الشعر الردئ/ ولبت هي نداء أول ابن حلال )
في هذه المرحلة الذات عاكفة على نفسها، مطالعة واستبيانا. وهذا العكوف حريص على تخليص نفسه من شبهة كونه تأملا ميتافيزيقيا أو ترفعا رومانتيكيا (قبة السماء لم تعد صالحة للحلم/ وعلك الذي يناطح ضميرَ البازلت/ أغنى دلالة).
في الوقفة الطويلة مع النفس يعثر الكاتب في نفسه على شيزوفرنيا / فصام. وهو يتحدث عنه حديث العارف بمعناه وأسبابه وأعراضه، وليس حديث المصاب الغافل عن الدوافع والأسباب. معلوم أن الشيزوفرنيا shizophrenia هي “مجموعة من المركبات تسيطر على الشخصية وقتا ما، بينما تصبح مجموعات أخرى من الأفكار أو الدوافع في حالة انفصام كأنها فقدت قوتها جزئيا أو كليا.” وبذلك يكون التشظي أكثر المظاهر وضوحا، حيث هناك “استجابتان متباينتان بوصفهما النقطة المركزية لانقسام الأنا Ego” (1)هما إشباع مطلب غريزي يخص الهو Ide أو الاستسلام لخطر حقيقي موجود في الواقع يمنع من تحقق الإشباع .
(هذه هي التي أنبتتك
وهذا هو أنت الذي رحل
وهذا هو الحنين الذي اشتعل
هكذا..
تستكمل المعادلة عناصرها ؛
فتصير – أنت – اثنين ناقصين
سينصحك الأصدقاء بوصفة العطار
و “فرويد” يزكي حبوب الإثارة
وأنت لا تعود إلى أنت
إلا من خلالها
هي .. فاتحة الصراع مع أبيك )
وسوف يقترح الكاتب من واقع تجربته الخاصة على مدونة التحليل النفسي psycho-analysis رموزا واختلافات طريفة
( القطارات وسيلة مشابهة
لم يدركها “فرويد”
ربما لمناطحتها عزلتك بقرني “الرجوع”
وفي الوقت ذاته تفدح ثنائيتك.
سيقسمون لأبيك على أنهم شاهدوك عند عدة مزلقانات.
قل لأنك تمارس التزحلق على الحديد )
على مستوى الكتابة، تجلى ذلك في اعتبار الضمائر (هو – أنت – أنا ) أسماءً لمسميات محددة أو كأنهم أعلام ومعارف باصطلاح النحو.
وطغت الكتابة بضمير المخاطب (أنتَ) على هذه المرحلة، فالقصائد خطاب يوجهه الشخص إلى نفسه، أو باعتبار التشظي خطابٌ يوجهه شطر من الذات إلى شطر آخر، ونبرة المخاطبة هذه حفزت سريان شحنة انفعالية تمرق بين كلمات القصائد .
والتجارب على هذا لا تخلو من لحظات يخفت فيها الصراع ويتحد الفرد بنفسه
( عندما تيأس/ – فقط عندما تيأس- / ستظهر هي/ في ركنها الأثير عند شجرة الزيتون/ تقشر عن ذاتك التشظي/ لتعود فردا واحدا. )
لم يكن مقصدنا من هذا العرض هو مقصد مدرسة التحليل النفسي التي تتعرض للأعمال الأدبية وتعتبرها وثيقة لأعراض مرضية وكشفا لمكنونات الوعي الفردي العصية على الظهور.
فالأدب هو إنجاز إبداعي يقوّم فهمنا لأنفسنا وللعالم، فهما يقربنا للحقيقة. ولا يمكن اختصاره في تقرير عن نفسية كاتبه أو وثيقة ينعكس عليها الصراع الطبقي والوضع السوسيولوجي أو غير ذلك، فالأدب فيه كل هذا، وهو أكثر منه.
وكل قارئ لديوان “حروب وهزائم” سيلحظ مباشرة أن “منتصر عبد الموجود” يكتب مستخدما الفصام بقدر ما يكتب صادرا عنه، وهذه درجة من الوعي تفوق من يكتب تحت الضغط النفسي المباشر وقد انطوي تحت أعراضه،لا يرى أبعد منها.
وفي نفس الوقت ليس بوسع دارس منصف أن يهمل الظاهرة برمتها، عندما تتكرر مفردة “الشيزوفرنيا” ست مراتٍ، و”الفصام” مرتين و”فرويد” ثلاث مرات، ومنها ما هو عنوان لقصائد، أي إحدى عتبات النص كما يقال.
ارتبط التخييل في المرحلة الأولى بتصور المستقبل، واستشراف ما يمكن أن يحدث. وذلك لأغراض مختلقة؛ في قصيدة ( خوف)تستدعي المخيلة مشهدا مستقبليا لفداحة تناقضه مع حاضر راهن (وليس من الحكمة أيضا/ أن ترتعد هكذا/ وأنت ماثل/ أمام ابتسامتها/ وتحية الصباح. ) ومن هذه الفداحة يأخذ المعنى طاقته الحيوية .
في قصيدة (قد يحدث) يستدعي الخيال مستقبلا محبطا وسلبيا، ويعكس هذا الاستدعاء مسألة انعدام الفرص لتحقق الذات ،في مجتمع تضافرت أوضاعه المادية وموقعه المزري من مسيرة الحضارة، في إرساء ما يشبه الجبرية ،يرزح كل طامح لتحقق نفسه، تحت جدب الإمكانات المتاحة أمامه، فيتواطأ مع ما هو قائم، لكي يحفظ لنفسه الشيء الوحيد المتبقي-إن كان سيبقى فعلا- وهو ما يدعى نعمة الحياة!
( من لم يستطع الوقوف على قدم واحدة
يدخل- بلا هوادة أو خصوصية- في أغنية البجعة
لكننا.. سنناضل
بجهد اكتسبناه من عقدة التبرير
فنقف خلف متراس قوامه :
الآيس كريم ، والمجلات الملونة ،
والرغبات المنشطة للغثيان
علامات مضيئة على طريق الشبع . )
في القصائد الأولى من الديوان، يتبدى حسٌ ناشئ بالنثرية، وسوف نرى بعد ذلك أنه يتطور ويتصاعد. نجد أكثر من مرة استخدامه لأسماء الأعلام [الطاهر بن جلون-ادوار الخراط-رفعت سلام-ابراهيم عبد المجيد-أصلان-كولمبوس-فرويد] متتابعة لا يفصل بينهم جملة أو مفردة.
وكذلك نجد الكتابة المبنية على القائمة مثل (فالخيارات معدومة/ وهي لن تقبل شيئا/ من ثالوثه المهترئ/ العزاء/ اللامبالاة/ تجديد الأمل ) و(تكون لك مراوحة الخيار بين/ التصومع/ التشرنق/ التقوقع ). سنجد فيما بعد أنه يستخدمها على مساحة أوسع من النص، مما يجلها تكسر بنية الجملة اللغوية، كنسق وحيد لإنتاج دلالة من اللغة.
ومن شأن هذه التكنيكات النثرية كسر نمطية القصيدة التفعيلية المكرسة لدي جيل الرواد والجيلين التاليين له، والتي ورثها جيل التسعينات المنتمي له زمنيا ديوان “حروب وهزائم”.
وهذه الملامح النثرية سوف تأخذ أبعادا أخرى في بقية الديوان ويزيد عليها الكاتب ملامح إضافية، غير أنه ما زال يُبقى على توليد صور من المضاف والمضاف إليه، الطريقة التي أكثر منها كهان “فتنة اللغة” من الثمانيين بتأثير من شيخ الطريقة “محمد عفيفي مطر” الذي اعتبر ( أن تفجير اللغة هو تفجير للدلالة )، وقد أحصيت للشاعر عشرة مضافات مجازية( تحدث صورة ) في هذه المرحلة مثل [ثورة النعناع – بوصلة الوقت- طيور الهمهمات- حبوب الإثارة- ضمير البازلت.. إلخ ]، وهذا الملمح سيقل وجوده مع المضيّ في قراءة الديوان.
***
المرحلة الثانية : وهي قصيدة “حروب وهزائم” بمقاطعها التسعة
تبدو كتابة هذه المرحلة برمتها كتصعيد مباشر لما سبق، أوجده تغيّر نوعيّ دراماتيكي لعلاقة التأزم بين الكاتب وواقعه. وذلك ما يبرز في مقطعها الأول( بالأمس كان المطر/ وكانت المحاولات الفاشلة/ لسحب القصيدة/ من أسفل حذاء العسكرية )، إذن أصبح الكاتب يواجه في واقع يومه المعيش، كل ما يمكن أن نتخيله من تضاد وتناقض بين قطبين يمثلهما ( القصيدة X العسكرية ) إلى حد أن يطلق على نفسه ( المضغوط حتى بطلان وجوده )
ولسوف نجد أن مدار هذه المرحلة هو فعاليات تجرب حلولا ،تهيئ صاحبها للتعايش مع موقفه المأزوم.
( الكثير من الكابلات العصبية
لابد من قطعها ؛ فتسقط
عن قادمك ظلال ماضيك. طوبى للخواء الذي
سيدخل بدلو : مسحوق الجنون مذاب
في ماء اللانهاية ؛ ليخلي الروح من طحالب الندم
وقلق التساؤل …… )
ونستطيع أن نذكر من هذه الفعاليات ما يلي :
العزلة : وفيها انكفاء بكلية على الذات،واستغراق فيها ( أنكمش معانا بفضيلة لا تثير حفيظة المزاليج/ صارحتني ساعتي البيولوجية:/ ليس بياتا.. فقط صوم )
ولأنه عارف بخطأ التعامي عن واقعه لذلك يؤكد على الزمنية المحدودة لهذا السلوك ( شتاؤك محتقن بما لا تريد ؛ فاستف نفسك ،لا كسلحفاة تمارس طقس البيات؛ فأنت أذكى أيها المضغوط حتى بطلان وجودك )
وقد عملت بيئة التأزم هذه كوسط يحفز “الفصام” في الوصول إلى أقصاه (أنا مشغول باعتلاء ربوة/ من هواء الشيزوفرنيا/ وأنتِ عبر الجدار الزجاجي/ تأكلين شطيرة التفاح،/ بينما الناس يهشون الذباب/ في مشهد ملحمي/ غير ملتفتين إليك )
في خضم عزلته التي يحتمي بداخلها إحساسه بفرديته المضغوطة، يشاغب الكاتب صياغة اللوجوس (في البدء كانت الكلمة ..) ويصوغه هكذا(في البدء كان الفرد/ فأين أنت أيها التاريخ ؟ ). ومن وجوده المثلوم، يصوغ تعريفه للوجود عل نحو ( الوجود مأزق الخروج على هدي شعلة من خراب سبل العودة، ثم السقوط مع أول هزة من غربلة الخلائق ) وبرغم أن هذا التعريف مصبوغ تماما بأفق مأزقه الراهن إلا أنه لا يخلو من مصداقية، كما يحدث في كل أدب عظيم، أن يتخلص من فردية مبدعه وذاتيته الرائية،اللتين بدأ منهما، في سبيل صياغةٍ موضوعيةٍ لحقيقة ما .
النكوص : في المقطع الثامن بعنوان (نكوص) ينشغل بأن (يجذب الماضي إلى غرفته التأملية) ويعود إلى حالة ماضية يعيش وجدانيا في مشاعرها. (هرم من الغمزات/ يصعدني كلما ابتسمت لحياتي المصابة بما يرتد بي/ إلى عشق فتاة تظهر في الحلم، وكلما صحوت، أقول بثقة/ هي في الخطوة القادمة .. )
والنكوص regression إصطلاحا هو ” الظواهر النفسية التي تتميز جميعها بتقهقر النشاط النفسي إلى مرحلة سابقة من تطور الليبيدو، وهذا الرجوع إلى الوراء قد ينحصر في العودة إلى موضوع الاشباع التي تميزت به مرحلة سابقة أو الرجوع إلى حال مبكرة من أحوال الأنا” (2)
وإذ أن النكوص يتضمن وجود حرمان من الاشباع في الوقت الحاضر؛ نقرأ ( عنق الزجاجة يغتابني وجمهرة من الشامتين حول أرجوحة هزائمي ).
تثقيف الألم : تعد هذه الخطوة هي الأكثر تنازلا، إذ يطال تنازله كل إرادة له في أي رغبة ( عليك أن تثبت كفاءتك بالتخلي عن كل شئ ) ويعطي ذلك تعبيرا صوريا موفقا ( أنى لي فراغ لتثقيف الألم حتى يأخذ هيئة حربة من الأبنوس تلاحقها الطرائد ؟ّ! ) تخلت الحربة عن فعلها الأساس إذن، وهو ملاحقة الطريدة، بل إن عليها أن تظل محافظة على طقس التخلي هذا، وذلك بالهروب الدائم من أمام وجه الطرائد.
بتلقائية، سوف يذكّرنا هذا بالألماني “شوبنهور” صاحب فكرة مشكلة الإرادة : الإرادة هي مصدر الألم ومجلبة الإحباط، وبالتخلي عنها يصل المرء إلى “النرفانا” = حالة الصفاء المطلق. غير أنه مع الوقت يعيد على نفسه التساؤل (هل وفقت حقا في تدريب النفس على/ تقبل أزمة كل عشرين دقيقة؟ ) .
إذا جئنا لآليات تحقق المعنى في المرحلة الثانية، سنجد أنه صعّد ما أنجزه في المرحلة الأولى، استجابة ًلتصعيد تأزمه مع الواقع كما أوضحت سابقا. ولم يلجأ إلى منحى مغاير على مستوى الأسلوب. تجلى ذلك في استمرار الكتابة للمخاطب، مع استمراره في شخصنة الضمائر والتعامل معها ككائنات فاعلة ( جدار بيني وبيني مصاب بحضور مزمن.أنى لي هدأة المتقاعد والوقت لم يندمل ؟ ).
وقد زاد ما لحظناه من انفعالية. وفي عموم القصائد لم يعد بإمكاننا الإمساك بشيء ينتظم النص؛ قطع الكاتب أيّ رابط أو تتابع يمكن أن نستشفه بين الأحداث المذكورة، بحيث لا تشكل حكاية ولم يعد من اليسير متابعة تقدّم Progression يحدث في المعنى كلما تقدمنا في القراءة. وبدت النصوص مكتوبة بلغة تلغرافية (برقية) مكثفة ،لا يبني بعضها على بعض، مشحونة في غالبها بالمجاز، تبدأ من مصدر واحد وتمتد إلى هدفها الخاص ،جمل تنطلق مستقلة كاندفاعات بركانٍ تدل مباشرة على ما يغلي داخلها، أو كطلقات رصاص.
( أين أنت أيها التاريخ / لا وتر يصعد لغة الروح/ وحدها شجرة التين شاهدة علينا/ حين تكون أسفل السلم اختر دناءة تدنيك/ جريمة هي ولا حكم سواك/ طائر السمان لا وقت لديه/ فضوا أيديكم أو لا …/ إنها حيادية الموت/ مارد يعشق قلقلة القاف وسكون الميم! ).
ولن نعدم في بعض المواضع أن يزيد الاستقلال حتى التفكك والتعتيم على المعنى ( أسلاك البرق وصيف 94/ شبه يدفع بقاطرة التذكر/ حاملة التسعينات الأضيق من قبلة/ أو خلفية من أنا دون النفاذ/ هل من برئ أو أنا …؟/ لا الشيزوفرنيا غطاء الحلم ولا عاصمة من اندياح )
يظهر هنا انشغال الكاتب بمسألة البياض في الصفحة وتقطيع السطر الشعري. فقد أخذ يحشد أكثر من جملة شعرية في سطر واحد فاصلا بين الجمل بالشرطة المائلة (/). ومن شأن هذا جعل البياض عنصرا يعمل مع بقية العناصر اللغوية في خلق المعنى الشعري، فهو يزيد فيه، وينقصه حتى الاختفاء، بمقدار ما يرتضيه حال كل نص. فليس البياض والتقطيع السطري مظهرا مقررا سلفا على كل القصائد مهما اختلفت توجهاتها الجمالية وطرائقها الأسلوبية. وانشغال الكاتب هذا سوف يؤدي به في المرحلة التالية إلى الانحياز إلى قصيدة الكتلة النثرية .
***
المرحلة الثالثة : وهى المكتوب بعد “حروب وهزائم” حتى نهاية الديوان.
يعود العالم الخارجي إلى الأمام في هذه المرحلة، كما نعهده في حياتنا من مادة مستقلة عن ذواتنا، وأشخاص يمثلون أنماطا في المجتمع الحاضر، ذلك بعد أن كان قِطَعا وشظايا، تسطو عليها الذات القلقة فتحرفها وتشوهها متخذة إياها وسائط تعبيرية ،تتحقق بها في عالم الإمكان بعد أن عز التحقق في عالم الحقيقة.
بعد صراع سيكولوجي الطابع ،بين رغبة الاشباع من قِبَل الذات( مبدأ اللذة ) وخطر يتهدده في الواقع الموضوعي (مبدأ الواقع ) ،يأخذ الصراع هيئة كونية، متمثلا فيما نعرفه باسم القدر ؛في قصيدة ( وأد ) الإشكال هو (اللعنات التي حُمّلناها /بعيدين عن الاختيار)، وعامل التحويلة يتلوى تحت ( صدى السنين الخاوية والرغبة في تغيير مسار قاطرة أقداري ) ،وحفار القبور يأخذ وجوه المشيّعات يـُركّبها في خياله على جنيات ( كلهن ساحرات، كلهن لعوبات، كلهن يحملن رائحة حياة عشت أرقبها خلف غلالة أقداري )، ونبات الظل الذي يتكلم الكاتب باسمه يشهد سلوك سيدة البيت ،التي ترملت، مع المصباح : ( فرغت سيدتي شحنة شعورها بظلم الأقدار على المصباح، أنزلته من عليائه لتلقي به من النافذة .. )
أما رثاء الواحد لنفسه، وقد رأى منافع للبكاء على لبن مسكوب، ما كان يجب أن يُسكَب ! ،رثاؤه هذا يقود إلى (نبالة تصعد بنا معراج العزلة حيث الأقدار أقل وطأة ،والأطماع محض هواجس، والفقد مبرر أخلاقيّ للعيش. )
مما سبق يتبين أن أشخاص قصائده موضوعون في غير محلهم الذي يريدونه في العالم، بفعل قدر لا يخيّر أحدا في أمر. ومن حين لآخر يواجهون سلوكا من العالم ، غير مفهوم ولا مبرر، إضافة إلى أنهم لا قِبَلَ لهم بالوقوف أمامه.
يتنبه الكاتب إلى ازدواجية تعيشها الشخصية العربية، وكل شخص يعيش قدرا يضاد مشروع كيانه ،إن كان له مشروع .ويتنبه إلى أن “الليل” هو أوان ومحل ظهورها. إذ يبطل عمل الإنساني الاجتماعي الرسمي، المتواطئ مع وضعه الحالي المنظور إليه من جهة المجتمع= الأغيار، كشيء Object ،وقد سعى طيلة النهار. ثم يبزغ الإنسان الوجودي، بوصفه الموجود لذاته Being-for-itself ،القلق إزاء معنى وجوده في العالم، والساعي إلى تجاوز وضعه الراهن.
الأرملة في مواجهة ( طيور عاكفة على هندام الليل ) و (ريح تضرب على أصابع الليل السوداء ). أما الصديق الذي لجأ إلى الغياب في حضرة البانجو فانه يقول ( أعرف أن للبانجو طاقة سحرية تحيل كل السنين الضائعة إلى ملعقتين من ملح تذوبان في كوب من الماء ترشه على عتبات الليل المزدحم بـ: .. ) ثم يرصد تناقضاته التي يعايشها، وفي الأخير ( فتحسس جيوبك استعدادا لليلٍ قادم.. )
حارس البنايات وقد تعلقت الحوائط برائحة تبغه والشاي. فإن الرائحة ( تستغل الساعة المنسية من الليل في حمل المكان على الإعتراف بولاء قديم ) وفي نوباتشية عسكرية بالصحراء ( وحشة الرمال مؤطرة بليل ،فيه الصدأ وقطعة السلاح يتغامزان عليك )
سيتصرف “منتصر عبد الموجود” في قصائد هذه المرحلة، إزاء رؤيته الكونية هذه ،بطريقتين يذكرهما في قصيدة “قصاص” ( أدركتُ أنني أستحضر الذكريات الحزينة استجداءً لألم نبيل أغتنم منه ما يصلح لشحن بالونة العزاء على أمل انفجارها كقصاص عادل لا يضعني خارج نطاق الرحمة ).
أولاهما : الاكتفاء برصد الموقف الإنساني وهو يصطدم بقدره، وتلك المواجهة التراجيدية كفيلة بإظهار الألم الإنساني كأنبل ما يكون ،وكذلك كفيل بجلب ما أسماه “العزاء” ،وهو قرين “التطهير” Cathatric الذي تحدث عنه “أرسطو” كأثر تحدثه المأساة في جمهور المشاهدين.
قصائد [ قداس كل يوم – صديقي الذي لا يفعل أي شئ آخر- مصطفى – أم علاء – يونس – عامل التحويلة ] هي من الطريقة الأولى ،وواضح أنها تقترب من المأساوي.
وثانيهما : إعمال طاقة التخييل الإبداعي للقصاص من الحواجز الموضوعية التي رصدها القدر في المواجهة ،عبر إتلافٍ، يفسد حقيقة انتصاره على أرض الواقع.
في قصيدة “تصفية لحسابات قديمة”- والعنوان ذو دلالة كما هو واضح- يتناص مع القاتل في العمل السينمائي (صمت الحملان Silence of Lamps) ،وهو الممزَّق تحت ضغط ازدواجيته الجنسية، الخائبة سعيها في التحول إلى أنثى طبيعية ،احترف خطف العذراوات وقتلهن بسادية،انتقاما من قدره الساحق (ما كان ليقدر ذلك مكتفيا –كرومانسيّ فاشل- بالانكفاء على أحزانه والتنظير لقسوة عالم لم يبق منه سوى شوارع موحشة تقطعها نفس منتشية بساديتها ).
حارس البنايت وهى قصيدة بنيت على عمود فقري من التناقض، بين الأجلاف والحارس، الثريّ استغلالا والفقير، المالك الحقيقي للبناية والمالك الميتافيزيقي، حوائط تشبعت برائحة تبغ الحارس، وحوائط الورق والدهانات الفاخرة، دكة البواب والأدوار العليا. بعد إتمام عملية البناء ورحيل الحارس، يحدث أن ( يستيقظ الأجلاف (على) كوابيس حول إله موحش يرمز إليه بنصب من صفيح صدئ ودعوة سرية للمالك الميتافيزيقي لبنايات عدة يرتاب في رائحة الشاي والتبغ ) .
حفار القبور تصل رغبة انتقامه إلى عدمية مائزة Nihilist . ( ثم من أعلى نقطة في الحقد والضغينة أنتصب محملقا في القبور وبلهجة ملكية: شكرا لك أيتها الحياة لأنك تنتهين بالموت. شكرا لك أيها الموت لأنك حريص على العبور تحت صولجاني .وأنت أيتها الأفواه المغلقة على أسنان من الدود ،أيكم سيفتح اليوم ؛لأطعمه وديعة طيبة يهبني حضورها الميمون أكثر وجوه نسائها حزنا أركبه على جنية الليلة .. )
قصائد [ حارس البنايات- حفار القبور – عامل البناء – قبل أن يكتشف أحد وجوده – تصفية لحسابات قديمة – قصاص ] هي من الطريقة الثانية ،وهى تصل إلى الفانتازي / العجائبي Fantastique .
دون مواربة يعلن الشاعر تكنيك كتابته كما يلي ( مرة أخرى سأنسلّ خلف القصيدة سأجهد لأترك قطعة من روحي مقدار ما يمكنني أن أضرب في العمق. ما أجمل أن تضرب في العمق شريطة أن تكون لك يدين الأولى لمايكل أنجلو .الثانية لقدر جاء بتلك المرأة من الجنوب .. )
لا يظهر الشاعر في نصوصه إلا بوصفه راويا لوقائع خارجية، أو متحدثا بلسان شخصية أخرى ،أو متماهيا مع شئ هو محور النص. وتموضع الشاعر خلف نصه جنبه الإنفعالية الذي رصدناها قبلا عنده، والتي هي مقترنة بالنظرية الرومانتيكية عن فيض المشاعر(3) . أما السرد فهو بطبيعته يوهم بحيادية السارد ويمنح انطباعا بالموضوعية.
في القصائد المبنية على شعرية الأشياء [وهم أن تعود- نبات الظل – المصباح] لا يوجد الأنا على المستوى الأول للنص ،بل يتماهى مع موضوعه ( الشيء ) تماهيا لا يخلو من إسقاط Projection ،ينقل الشيء من المظهر الفيزيقي إلى عالم الأفكار بمحمولها الثقافي .فالمصباح ( له تاريخ يرسخ لجدارته بسق الغرفة ،فهو يمثل للسر الأعظم إذا احتوته الزجاجة قابعة بمشكاة ورغم التقدم العلمي لم ينقرض الحالمون بتحقق أمانيهم عبر بوابته –بيد أنه- كتنويريّ بالفطرة يرفض أن يؤسس مشروعه على الغيبيات ).
وينقل الشيء من طبيعة صيرورته المعلومة سلفا، إلى دينامية الإحساس الإنساني، فيكتب بلسان نبات الظل ( آه يا سيتي في الهواء الساكن لحداك العميق يقف الأمل بطائر على رأسه ،كيف أواجه حياتي القادمة بحدبة بظهري بدون يديك تمسحان غبارا لا حيلة لي أمامه. قامتي تميل وتميل )
في قصائد [عامل البناء – حفار القبور- حارس البنايات – عامل التحويلة – قداس كل يوم ] يقوم بعرض عينات مجتمعية محددة، يستبطن منها طبيعة وجود الكائن في العالم ،حسب ما رصدناه من رؤيته لقدر الإنسان. ينتقي تفصيلات من حيات عيناته ومن ثم يقوم بتعميق مدلولها، أفقيا من الواحد إلى الكثرة، ورأسيا من موقفها المشروط بطبيعة عملها إلى إطلاقية الفعل الإنساني. يكتب بلسان “عامل التحويلة” (أنا سيد الحُداة ،ترانيم عزلتي تميمة الميكانيكا لقوافل الديزل. كل البلايا في صومعتي أذرع تحك شهوتي المشرئبة لعناق النار والدم ).
ذلك التعميق هو نفسه ما يفعله في قصائد [صديقي الذي لا يفعل شيئا – مصطفي – أم علاء – يونس – قبل أن يكتشف أحد وجوده] بخلاف أن شخصياته عينات إنسانية بغض النظر عن عمل تتحدد حياتها به ،وانه –أي الراوي- كان شخصية ماثلة في حكايته وقد رصد الشخصية الرئيسية من موقفه القريب منها.
من حيث طريقة التلفظ ،فملحوظ أن الكاتب يغير موضعه باطراد، مما يكسر الرتابة والنمطية المتوقعة من ست وعشرين قصيدة تروى من زاوية واحدة. فقصيدة الشيء مثلا تكتب في الأغلب من جهة راوٍ عليم،خارج الحدث. وهذا ما سنجده وسنجد أيضا انه تقمص نبات الظل وروى القصيدة بلسانه ومن زاويته .
التوسع واستراتيجية الجملة الواحدة :
عمد الشاعر إلى كتابة قصائد هذه المرحلة في هيئة كتلة نثرية ،ولم يعد هذا تغيرا شكليا فحسب، بل صاحبه اختلاف في بنية الجملة : أخذت الجملة تمتد وتتوسع بواسطة جمل لاحقة، تكون تعليلة، أو ترتب وتعقب معنى على معنى الجملة الأولى، أو جملة صلة لموصول ذكر آنفا، أو جملة نعتٍ تصف اسما من الجملة السابقة ، أو جملة حال تبين هيئة الفاعل أو المفعول =صاحب الحال في الجملة الأولى.
وبهذا تظل كل جملة تبني على، وتتفرع من – ما قبلها. دونما انقطاع يستلزم وضع(نقطة) تقول إن معنى الجملة قد انتهى وعلى النص تخليق جملة جديدة.
( فلنشكر لله المخيلة الخام لم تخبرك أن ثمة اماكن غير مستشفيات الفقراء وعتبات البيوت حيث لا سلطان للوقت عليك ؛لأنك بلا ذاكرة تسول لك كراهية أبيك الذي اختار لك اسما أشركك في قدر صاحبه فعشت حياة ضيقة لم يخرجك منها إلا الموت الوفيّ لقدرك ،فأبى إخوتك الأغنياء أن ترحل إلا بكفن يكاد ينفلق عن جسمك الميت،وقبر مهدم ستتنهد روحك بين جنباته لذكرى بطن سميك الطبقات لم تكن تحتاج فيه إلى مخيلة … ) قصيدة (يونس)
جملة (لم تخبرك أن ثمة اماكن..) جملة حال تبين هيئة “المخيلة الخام” صاحب الحال وقد احتوت على ضمير مستتر (هى) يعود على “المخيلة”.
جملة (لأنك بلا ذاكرة تسول لك كراهية أبيك) تعليلية سُبقت بلام التعليل، وداخلها جملة فعلية (تسول لك كراهية أبيك) وهى جملة نعت تصف “ذاكرة”.
جملة (الذي اختار لك اسما أشركك في قدر صاحبه) صلة للموصول “أبيك” السالف ذكره.
جملة (فعشت حياة ضيقة لم يخرجك منها..) مسبوقة بالفاء التي ترتب وتعقب على حدث ” اختار لك اسما” السابق.
جملة ( فأبى إخوتك الأغنياء أن ترحل إلا.. )تعقب على ما سبقها كذلك.
جملة ( ستتنهد روحك بين جنباته لذكرى.. ) جملة نعت تصف “قبر مهدم”.
هكذا يظل النص ممتدا ومرتبطا ،بعضه من بعض، لا ينتهي (بنقطة) يتم بها معنى إلا بتمام النص وانتهائه.
يحدث أن تكون قصائد هذه المرحلة من جملتين فأكثر، وقل أن تكون من جملة واحدة مثل قصيدة (يونس). إلا أن أسلوب التوسع هذا حاضر بكثافة تعلو وتنخفض.
كما رأينا فإن دالا سبق ذكره يستدعي دائما الجملة التالية ،مما يعني أن التداعي اللغوي والدلالي هو المسئول عن تخليقها .والحق أن الشاعر يجهد ليحصر هذا التداعي في سياق موضوعه ،فلا يضطر إلى زيادات، ولا إلى مجاز فارغ لا داعي له .وهو ينجح في مسعاه في الأغلب.
وما لم يكسر النص منظومته فإننا نتوقع مع معاهدة القراءة الدال الذي سيشكل الجملة التالية ونتوقع شيئا من فحواها .وندخل مع الكاتب في نمطية مصنوعة ،أبطلت خروج اللغة بشكل طبيعي من رحم التجربة، وسنشعر في بعض مواضع وكأن اللغة تنكتب من تلقاء نفسها ،وقد بات الكاتب ومعناه المتحصل في نفسه ذريعة Pre-text تعرض اللغة نفسها من خلالهما.
لا يعطينا الكاتب فرصة لعمل أي شيء إزاء هذا التدفق الهادر؛غياب بياض الصفحة في الكتلة النثرية يمنعنا من التوقف عند السطر الماثل وتأمل معناه، الربط الدائم الذي يسئمنا ضرورة تصوره بين كل جملة وما يتبعها ،إضافة إلى عدم عناية الكاتب بعلامات ترقيم تكون محطات للتوقف اللحظي،فهو يترك ستة سطور أو أكثر بلا علامة واحدة مع إمكانية وضع الفصلات والفصلات المنقوطة وغيرها. كل هذا في نص ذي طبقات متراكبة من المعنى، يشعرنا بثقل جاثم عند التلقي .
” نحن لا نملك إلا أن نقرأ الشعر ،إن جهرا أو همسا. ليست القصيدة لوحة نكتفي بتأملها “. صحة هذه العبارة فسرت لي سبب اللهاث وانقطاع النَفَس الذي واجهتُـه مع نصوص المرحلة الأخيرة. بالغت النصوص في كتابيتها ولم تعط اعتبارا للظاهرة الصوتية في الشعر .
القصيدة الحديثة كتابية حقا ،بمعنى أنها تجنبت جماليات الإنشاد الصوتي وتبعاته في أسلوب الكتابة. ليس قابليتها للحفظ في الذاكرة هو العامل الحاسم كما كان الحال في الثقافة الشفاهية. لكن حتى إن أصبحت القراءة بالعين من صفحة مكتوبة هي وسيلة التلقي. فهناك صوت في أذهاننا يقرأ. وإن تخلّـينا عن جماليات المسموع، فلا مهرب من احترام الجانب الصوتي للكلمة أثناء تعاملنا مع جانبها المعجمي/الدلالي.
ــــــــــــــــــــ
* شاعر مصري
خاص الكتابة