ريهام عيّاد
عزيزي/ وجيه
طويت للتو الصفحة الأخيرة من الكتاب الأول “يوميات وجيه غالي”، وقبل البدء في الجزء الثاني قررت الكتابة إليك بدلًا “عنك”.
ربما استأت من وصفك في مقدمة الكتاب، إنك عشت حياة ماجنة وإن كان صحيحًا، ربما نهوى إصدار الأحكام، ووصف الأحياء والأموات، ووضع بصماتنا عليهم. ربما أيضًا أنك لا تبالي.
عزيزي وجيه.. لم تجذبني اليوميات في صفحاتها الأولى ولكن بعد أن تركت نفسك لكتابة تفاصيل دقيقة أخذتني معك في رحلةٍ مدتها ثلاث ليالٍ، أقرأ وأقرأ ولا أكف عن القراءة.
أعرف جيدًا شعورك بعد لعب التنس، وأنت خارج من حمام السباحة نقيًّا خفيفًا، أعرف أيضًا لماذا العديد يتمسك بالرياضة كثيرًا، تعرف موراكامي الكاتب الشهير، مخلص للجري والسباحة، أعرف أنها تساعد على صفاء الذهن، لكنها أيضًا تخفف القلق والتوتر، تغسل القلب والرئة والأحشاء، تحولك إلى إنسان أرق، أنقى وأخف ثقلًا.
تعايشت معك مشاعر الحزن والاكتئاب والوحدة المريرة، بحثك الدائم عن الحب، خوفك من النساء، الاضطراب الذي تعانيه بشكل دائم، حنينك للإسكندرية وشواطئها، تمنيت أن تجد الراحة في حياتك لكن بعلمي بانتحارك في الجزء الثاني، أتمنى أن تكون وجدت الراحة حيثما أنت الآن.
عزيزي وجيه..
أثارت يومياتك الكثير من الأفكار داخلي، مثل مسئولية الزواج والأبناء، وإن كنا نفكر أنه قيد يكبل حياتنا، لكنه اتضح أنه الجذور التي تمسك بنا في الأرض، تثبتنا وتحمينا من الرياح العاتية الخارجية، والشطحات الداخلية، حرمانك من دفء العائلة في سنواتك الأولى، وفشلك في تكوين أسرة بعد ذلك.. ضاعف الوحدة والاضطراب أتفهم ذلك جيدًا.
رأيتك تتهم الله بالقسوة وأحيانًا كثيرًا تطلبه أن يستجيب لك ويكون بجانبك، خيم الاكتئاب وألقى بثقله عليك، ولم تستطع الفكاك منه.
عرفت عن القمع الذي تعرضت له في بعض المواقف في ألمانيا، وكرهك الشديد للألمان والنازية، وأردت أن أسألك أيهما أشد وطأة على النفس القمعُ داخل بلادنا أم خارجها؟
أحيانًا تكون بلادنا طاردة لأبنائها، ولا تهتم كثيرًا بتجميعهم تحت مظلتها، وقد كابدت أنت الأمرين وهو ما سأقرأ عنه بالتفصيل في الجزء الثاني.
عرفت أنك خفيف الظل، قارئ مُحنك، محبٌّ للأدب الروسي وبخاصة تشيكوف، لك آراء صائبة، وكاتب موهوب، تمنيت أن تستغل موهبتك، وأن يكون لك عشرات الأعمال على الأرفف، تسعد بحالك وتنهي روايتك الثانية التي بدأتها ولم تنهها بعدُ.
كما لفت انتباهي قصصَ الحب غير المكتملة، ومنهم بريجيتا حين أخبرتك بحبها، وأتمت جملتها “أنك الآن متفوق عليَّ” باعتبار أنه حب من طرف واحد، إذن صارت في موضع الأضعف، وحين أتعبها إهمالك، ومعاملتك الفظة، ابتعدت عنك وماتت تلك المشاعر التي حملتها، وعند ضياعها، حبُّ التملك نما داخلك، وتأثرت بغيابها، في ذلك الوقت افتقدتها، مررت بما مرت هي به، وعرفت أنها تفوقت عليك، فالحياة يا عزيزي أدوارٌ متبادلة، على الرغم من تعبك المرير نفسيًّا، فإنك يا وجيه افتقدتَ الحب كما الحياة، وأنت في الحياة ذاتها، وقد ذكرتني بالفيلم الأجنبي Soul حين كانت السمكة تسأل أين المحيط؟ وتكرر أريد أن أصل إلى هناك.. وهي في المياه بالطبع فلا فرق بين بحر ومحيط، وأنت حلمت طوال الوقت بالانتقال إلى لندن، فكانت قشة النجاة التي تمسكت بها، وها أنت ذا حققتَ ذلك، لكن من الواضح أنك وصلت إلى هناك ولم تجد الحياة التي أردتها فتركتها بالكامل.
ليتك تنعم بالسلام الآن يا وجيه..
أتطلع بشدة لقراءة روايتك الأولى والأخيرة بعد الانتهاء من يومياتك.. وسأعود للكتابة إليك مرة ثانية.
سلامٌ لك حيثما كنت.
نقرأ من اليوميات :
أشعر أنّني أرض كاملة، تفيض بمشاعر وعواطف وأفكار ومظالم، عاجز عن التّعبير عنها… والتي –على كلّ حال– قد تستغرق أجيالًا للتّعبير عنها، هذا البركان الرّهيب، يريد أن ينفجر… ومع ذلك، إدراك أنّني عاجز عن ذلك.. من جعله، من السّماح له بالانفجار.
هناك حنين عميق في داخلي إلى الوطن. الإسكندريّة… الإسكندريّة خاصّتي، وصخور ستانلي باي التي أعرفها جيّدًا، التي أعرف أصغر صخرة بينها…
يأس يتعلّق بمشاعر الحنّيّة التي تنتابني في سنّي هذه، يأس لكوني أحبّ على طريقة تلميذ مدرسة، أحبّ فتاة متقلّبة… في سنّي هذه يأس من عدم قدرتي على التّعبير عن الكثير من المشاعر يأس أنّني تعلّمت عدم التّعبير عن تلك المشاعر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روائية مصرية
الكتاب صادر عن الكتب خان
إعداد وتحرير مي حواس .. ترجمة محمد الدخاخني